أسدل أول أمس السبت، بمدينة الصويرة، الستار عن أول محطة من جولة مهرجان كناوة، التي تنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، مجددة الوصل بزوار وساكنة مدينة «موكادور». وتجدد مهرجان كناوة، الوفي لروحه الفريدة من نوعها، بعد عامين من الغياب لأسباب مرتبطة بجائحة كورونا، وعدم سماح الظروف الحالية بتنظيم دورته الثالثة والعشرين، ليأخذ شكل جولة حتى يكون عند طلب الجمهور العاشق لهذا اللون الموسيقي المعتبر، ويكرس مكانته كإرث للإنسانية جمعاء بعدما أدرجته اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، سنة 2019 ببوغوتا، ضمن القائمة التي تمثل التراث الثقافي غير المادي للانسانية. وكان نصيب مدينة الصويرة من هذه الجولة هو تنظيم 12 حفلا يومي الجمعة والسبت الماضيين، في فضائي ساحة المنزه ودار الصويري، انصهرت فيها أنماط موسيقية اصطفت المغرب تربة للانبثاق والانبعاث. ويتعلق الأمر بموسيقى الجاز، والبلوز، والموسيقى الأفريقية، وموسيقى الفولك، والفانك، وفنون گريو griots، والموسيقى الكوبية، والبلوز الأفريقي ... في مزح مع كبار معلمي گناوة، وشكلت هذه المحطة مناسبة للعديد من الفنانين من المغرب وخارجه، لإظهار مواهبهم بمختلف أشكالها، إذ تضمن البرنامج «أصواتا دافئة وقوية ومجموعة غنية من الآلات الموسيقية: الكورا، والبالافون، والفلوت، والأكورديون، والساكسفون، والرباب، والقيتارة، وأدوات الإيقاع، والبيانو، والطبول ... قوس قزح حقيقي من ألوان الموسيقى». انطلاقة تأسر الألباب انطلقت المحطة الأولى من الجولة، مساء الجمعة، بمدينة الصويرة، حيث كان الاستهلال من باب السبع، الذي يعلي من شيم كرم الوفادة والترحاب، من خلال موكب الافتتاح الذي تميز، على الخصوص، بحضور مستشار جلالة الملك، والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة- موكادور، أندري ازولاي، ووزير الثقافة والشباب والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، ووالي جهة مراكش – آسفي، كريم قسي لحلو، ورئيس المجلس الجهوي، سمير كودار، وعامل إقليمالصويرة، عادل المالكي، ورئيس المجلس الجماعي للصويرة، طارق العثماني، وسفير جمهورية كوريا الجنوبية بالمغرب، كيونغ تشونغ، والمدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، خليل الهاشمي الإدريسي، ومديرة إنتاج المهرجان نائلة التازي. وكان الموكب بمثابة إيذان بالانطلاق والتسامي مع نغمات «تكناويت»، وتخللته فرق فلكلورية متعددة تعدد ثقافة المغرب، حيث أدت نغمات تأسر الألباب، ويقابلها جمهور بالجمع والمفرد بلحظات جذب باذخة، كما انتهزها معلمو كناوة لتقديم «فتوح الرحبة» عربون ود لساكن «موغادور» القار، ووافدها المار. تراث لامادي غني وفي سياق متصل، قال محمد المهدي بنسعيد، في كلمة بالمناسبة، إن مهرجان كناوة يعد مناسبة للاحتفاء بهذا التراث اللامادي الغني، الذي أدرجته اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، سنة 2019 ببوغوتا، ضمن القائمة التي تمثل التراث الثقافي غير المادي للانسانية. واعتبر أن الأمر يعد «إنجازا كبيرا»، مذكرا بالتطور الذي عرفه المهرجان على امتداد الدورات السابقة. كما دعا كل الشركاء إلى إيجاد حلول حقيقية لتكريس مكانة هذا المهرجان وتنظيم أنشطة ثقافية أخرى تضمن إشعاع هذه الحاضرة. وفي كلمة مماثلة خلال الافتتاح، أكدت نائلة التازي، مديرة إنتاج المهرجان، أن مهرجان كناوة يعد فرصه للاحتفاء بإدراج كناوة كتراث لامادي للإنسانية، مستشهدة بعظمة وجمال الثقافة الشعبية وإشعاعها في جميع أنحاء العالم. ودعت التازي، في هذا الاتجاه، إلى تضافر جهود جميع المتدخلين لإنجاح نسخة هذه السنة، مشيرة إلى علاقة كناوة بالصويرة، ووفاء جمهور استثنائي لهذا الموعد سنويا. امتزاج الإيقاعات
كان المولوعون بالتراث الكناوي على موعد، يومي الجمعة والسبت كما تم الإشارة إليه سابقا الجمعة، برحاب ساحة مولاي الحسن بالصويرة، ودار الصويري، مع حفلات ماتعة استهلها المنظمون مساء الجمعة بفقرة العروض الكبيرة خلال جولة مهرجان كناوة بحاضرة الرياح. وهكذا، امتزجت إيقاعات «الغمبري والقراقب»، مع القيثارة الإلكترونية، كما انصهرت مع آلة الرباب، مجلية بذلك قابلية فن كناوة العريق على استقبال كل الأنماط الموسيقية والتعايش معها في جو وجداني بهيج. كما كان الجمهور على موعد مع رقصات كناوة ودور «الرشام» (الذي يتبعه الكناوة في الرقصات ويحذون حذوه في ما يقوم به من حركات) في إخراجها في أبهى الحلل حتى تلقى دون شك إعجاب جمهور من كل الشرائح والأعمار والفئات. الثقافة – قوة نظم منتدى مهرجان كناوة، أول أمس السبت، بالصويرة، مائدة مستديرة، تركزت حول أهمية الثقافة كقوة ناعمة، ودورها في إشعاع المملكة على الصعيد الدولي. وعرف هذا اللقاء الثقافي، المنعقد بمناسبة تنظيم جولة مهرجان كناوة، مشاركة سفير جمهورية كوريا بالمغرب، كيونغ تشونغ، والكاتب – الصحافي، ورئيس جمعية أصدقاء غوتنبرغ، خليل الهاشمي الإدريسي، ومديرة مجلة (ديبتك)، مريم سبتي، والنائب الفرنسي السابق جوليان دراي. وناقشت هذه الشخصيات البارزة الدور الحاسم للثقافة في إشعاع أمة ما لتجد لنفسها موطئ قدم وسط القوى الكبرى، وكذا دور السلطات العمومية في استدامة «تأثيرها الناعم». وقالت مديرة إنتاج مهرجان كناوة بالصويرة، نائلة التازي، خلال هذه المائدة المستديرة، التي حضرها جمهور من المهتمين، ومنه رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إدريس اليزمي، إن «مهرجان كناوة يمثل تظاهرة طلائعية ورهانا جريئا للغاية، نجح في إدخال تحول عميق على مدينة الصويرة». وعبرت عن سعادتها إزاء تجديد الوصل مع روح المهرجان الكناوي، بعد توقف لا إرادي ناجم عن جائحة فيروس كورونا، مذكرة بأن هذه النسخة الخاصة المنظمة على شكل جولة، والتي تطلبت 3 أشهر من العمل لتنظيمها، أعطت نفسا جديدا لإيقاعات موغادور، التي تأثرت بشكل كبير بالأزمة الصحية. من جهته، تطرق خليل الهاشمي الإدريسي، إلى قضية الالتقائية بين الأعمال العمومية والخاصة في النهوض بهذه «القوة الناعمة»، وضمان استدامة العمل الثقافي، وفي إيجاد «وعي جماعي» بخصوص الطابع الاستعجالي للقضية الثقافية. وأبرز أن ثقافة غنية، ومتنوعة، وعميقة وعريقة، على غرار الثقافة المغربية، تشكل مشروعية تاريخية قادرة على الدفع بالبلاد إلى صدارة الساحة الدولية. وأعرب عن أسفه لكون العمل الثقافي بالمغرب تنهض به، أساسا، مبادرات فردية، مثيرا الانتباه إلى ضرورة ضمان استدامة العمل الثقافي، من خلال تدخل السلطات العمومية. وشدد على أنه «بإمكان تنافس جهوي حقيقي أن يكون رافعة رائعة بالنسبة للثقافة، وكذا التقدم بمخططات عمل حقيقية في هذا المجال، لكي تكون هناك مساهمة للثقافة في كافة الجهات على مدار السنة، فضلا عن تسطير سياسة ثقافية تحملها الجهات». من جهتها، أشارت سبتي إلى أنه تم إطلاق دينامية ثقافية جديدة بالمغرب وبالقارة الإفريقية، بفضل تظاهرات من قبيل مهرجان كناوة موسيقى العالم، الذي خصصت له صحيفة «نيويورك تايمز» صفحتين، وتم تخصيص حيز له في مجلة «إنروكس». وفي معرض حديثها عن مكانة الفن المعاصر كرافعة للقوة الثقافية لبلد ما، استشهدت السيدة سبتي ببينالي كل من داكار والبندقية والرباط وشددت، من جهة أخرى، على الفرصة التي يتيحها العمل الثقافي، لاسيما ذلك المرتبط بالفن المعاصر في خلق سوق فنية قادرة على جذب جمهور كبير، من خلال الثقافة واقتصاد الشراء. من جانبه، تطرق تشونغ، إلى النموذج الناجح «للقوة الناعمة» الكورية، خاصة من خلال الجوائز التي فازت بها في مهرجانات كبرى بالعالم، ومن بينها مهرجان كان، إضافة إلى الإقبال الكبير من طرف جمهور شاب عالمي على «كي- بوب»، الذي اشتهر عبر مجموعة «بي تي إس». وذكر العمدة الفرنسي الأسبق، جوليان دراي، بدوره، بأن القوة الثقافية الناعمة تمكن من تبادل المعارف بين الأفراد، وتساهم، أيضا، في إشعاع الأمم. كما أكد أن المغرب، من خلال غنى تراثه اللامادي، يختزن إمكانات ضخمة قادرة على الارتقاء بالتعابير الإبداعية، وإرساء دبلوماسية ثقافية حقيقة. يشار إلى أن منتدى المهرجان، الذي يشكل فضاء للنقاش والتبادل بين متدخلين مغاربة ودوليين حول إشكاليات مجتمعية راهنة، عاد هذه السنة على شكل مائدة مستديرة، وذلك بمناسبة إطلاق جولة مهرجان كناوة بالصويرة. *** الفنان ازوس لبيان اليوم: تاكناويت والصويرة شيئان لا يمكن فصلهما والفن الكناوي روحاني أكثر يلامس العمق أعرب الفنان الموسيقي عزيز ازوس، عن سعادته بعودة مهرجان كناوة، ومشاركته في فعاليات المهرجان إلى جانب عدد من الفنانين الآخرين، قائلا إن «الحياة بدأت تدب من جديد، سنتين من كورونا، سنتين من التعب النفسي لكن الحمد لله اليوم نحن هنا اليوم». واعتبر الفنان الأمازيغي، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن اعتراف اليونيسكو بالثراث الكناوي، أمر جميل جدا، سيجعل كناوة دائما تراثا حيا ومقبولا من طرف جميع دول العالم. وأضاف الفنان الموسيقي، أن هذا الاعتراف يدفع إلى الاستمرار في جعل «تاكناويت» راهنية، وتحسينها وتجديدها كي تصل إلى أرقى مما هي عليه الآن. وقال ازوس إن التاكناويت بالنسبة له هي الصويرة، مردفا: «عندما أسمع تاكناويت يحضر في ذهني مباشرة مدينة الصويرة، هي مكان يطل على البحر بقلعة صغرى وجو روحي، فعندما تضاف عليه تاكناويت تزيده بهاء، فتاكناويت والصويرة شيئان لا يمكن الفصل بينهما». وأشار الفنان ازوس إلى أن مهرجان كناوة هذه السنة يعرف مشاركة دولية «هناك أناس قدموا من نيويورك ومن مالي، من موريتانيا...»، موضحا أنهم اجتمعوا على الاتفاق على الموسيقى التي ستقدم فوق الخشبة. وكشف الفنان الأمازيغي أنه بدأ العمل في تاكناويت منذ أربع سنوات تقريبا، مبرزا أنه حاول أن يجعل الموسيقى الأمازيغية قريبة من تاكناويت، «لأن الموسيقى الأمازيغية فيها إيسودان، وفيها أيضا تاكناويت...». من جهة أخرى، أكد ازوس على أن موسيقى تاكناويت يجب أن تبقى تقليدية، معتبرا أنه لتطوير هذه الموسيقى وتحسينها يمكن إضافة آلات أخرى ودمجها مع أنغام أخرى لكن دون الابتعاد عن الأصل التقليدي. ودعا الفنان نفسه، شخصيات كناوة إلى تقريب نفسها من الناس وجعلهم يحبونها، مقترحا على سبيل المثال تقديم تكوينات خاصة للشباب الذين يلعبون «القرقابة»، حتى يصبح الكناوي هو من يتواصل كي يبلغ هذه الثقافة، «لأن الكناوي ستجده يقول أنا فقط ألعب قرقابة دون الإحاطة بهذا الفن وقيمة ما يقوم به، نتمنى أن يكون الكناويون واعون قليلا بما يقدمونه وبقيمة موسيقاهم، هذا سيدفع بتاكناويت لأن ترتقي أكثر». وعن سؤال بيان اليوم حول «ما يميز فن تاكناويت عن باقي الفنون الموسيقية» أجاب ازوس ب: «تاروحانيت»، موضحا أن «الفن الكناوي روحاني أكثر ويلامس العمق وقريب منه». وتابع الفنان نفسه، أن الفن الكناوي يميزه أيضا القليل من «تابوهاليت»، معتبرا أنها تأتي من العفوية، مردفا: «البوهالي ليس شخص غبي كما يعتقده البعض بل هو شخص هادئ وصافي. عندما تسمع تاكناويت، تلامس روحك مباشرة، لأن أغلبية الأشخاص بينهم وبين ذواتهم هم «بوهاليون»، فهم أشخاص هادئون يريدون سماع شيء جيد».