فشل الأسواق النموذجية التي اعتمدتها السلطات في التقليص من حجم الظاهرة يتساءل المتتبعون للشأن المحلي بالدارالبيضاء، حول مدى نجاعة الأسواق النموذجية في الحد من ظاهرة البيع بالتجول في أفق القضاء عليها، لاسيما، وأن المؤشرات الميدانبة تظهر أن هذه الإستراتيجية التي خصصت لها الدولة عشرة ملايير سنتيم في إطار خطة استعجالية لبناء الأسواق النموذجية، فشلت في التقليص من حجم المعضلة على صعيد جهة الدارالبيضاء. فالظاهرة صارت تلقى نوعا من التثبيت من قبل السلطات المحلية التي كانت تعتمد على الحملات التطهيرية كمقاربة في معالجة الظاهرة، وذلك ما ينم عنه موقفها وهي تتفرج على الملك العام يتعرض للاستيلاء دون فعل شيء. فالظاهرة توسعت لتشمل ليس فقط الدروب والأزقة بالأحياء الشعبية، بل أيضا الشوارع الرئيسية نموذج شارع حسن الصغير الذي تتعرض فيه حركة السير للقطع، في أوقات الذروة، بسبب شدة الازدحام الذي ينجم عن الأعداد الكبيرة للمتبضعين الذين يختلطون بالباعة المتجولين الذين يعرضون سلعهم على طول وعرض الطريق، وكذلك بمحيط الفنادق حتى المصنفة منها كحياة ريجنسي هذا الأخير الذي صار قبلة لأفارقة يتعاطون هم الآخرين البيع بالتجول لكسب قوتهم. والأكثر شذوذا في هذه الظاهرة، هو أن من بين هؤلاء الباعة المتجولين، ميسورون يستغلون الوضع القائم، فيحولون الشوارع العامة إلى بقرة حلوب تدر عليهم أموالا باهضة خالصة من الضرائب والمرابحات وغيرها من الواجبات التي تثقل عادة كاهل أصحاب المحلات الذين صاروا بهذا المنطق عرضة للإفلاس.هذا إضافة إلى أن بعض أعوان السلطة المحلية، هم الآخرون، يجدون في الظاهرة فرصة لابتزاز الباعة المتجولين بل ومصدرا للربح عن طريق «كراء» الأماكن العمومية للراغبين في ممارسة التجارة العشوائية. هذه الظاهرة صارت تمتد وتتسع لتشوه المنظر العام للعاصمة الاقتصادية، ولتؤثر كذلك على حركة الراجلين في الممرات المخصصة لهم ،لاسيما، في المناطق التي تعد فيها الظاهرة أكثر استفحالا. إن ارتباط شريحة من المواطنين بالبيع بالتجول، وبالعمل والكسب، فإن ذلك لا يبيح بالضرورة استنزاف الملك العام، وإقلاق راحة السكان وتعريض سلامتهم للخطر.فهذه الظاهرة التي تجد مبررها في الفقر وبطالة الشباب،لا يعبأ أصحابها بما تلحقه من إساءة وتشويه لرونق وجمالية المدينة،ولا بسكانها الذين يضطرون في الشوارع العمومية المكتظة عن آخرها ب»الفراشة»،للسير جنبا إلى جنب مع وسائل النقل من سيارات وحافلات...، مع ما ينتج عن ذلك من حوادث سير خطيرة تتسبب بعضها في حصد أرواح الأبرياء، وما تتسبب فيه الظاهرة من أضرار صحية للذين يقبلون على شراء سلع ومواد غذائية يتم عرضها في الشارع العام في غياب الشروط اللازمة لحفظ صلاحيتها، حيث حالات كثيرة للتسمم الغذائي هي نتيجة تناول مواد غذائية إما أنها منتهية الصلاحية أو أن هذه السلع تعرضت للإتلاف نتيجة غياب شروط ملائمة في التخزين. إن ظاهرة الباعة المتجولين التي أفرزها التدبير السيء للشأن المحلي على مر عقود، تستدعي اليوم تضافر جهود جميع الفاعلين والمتدخلين من مجلس حضري وسلطات محلية ومجتمع مدني... لتطويق الظاهرة التي صارت تتعمق وتتجدر كل يوم، وذلك بإحداث مشاريع مدرة للدخل لصالح الفئات الاجتماعية، وإعطاء الأولية للباعة المتجولين وذلك في إطارا لمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تعد مرجعا أساسيا في مجال محاربة الفقر والهشاشة ،دون نسيان تفعيل الحكامة الجيدة في مثل هذه المشاريع التنموية. من هذا المنطلق، يجب العمل على تحرير الشوارع الرئيسية في العاصمة الاقتصادية، والحد من ظاهرة الباعة المتجولين. فمعالجة ظاهرة الباعة المتجولين تتطلب مجهودات كبيرة لاستئصالها من جذورها، وأي حل يبقى غير ذي جدوى، إن هو غيب الفئات الواسعة التي اتخذت من البيع بالتجول مصدرا للرزق لاسيما من الأشخاص النازحين من البوادي والقرى، التي قهرتهم سياسة الإقصاء والتهميش وسنوات الجفاف، بل و أيضا الشباب الحاصل على الشهادات العليا الذي أصبح يلجأ للبيع العشوائي، من أجل كسب قوته اليومي.