الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب ترأسه أخنوش    الخط فائق السرعة القنيطرة-مراكش مشروع بوقع سوسيو اقتصادي كبير    الزلزولي يعود للتهديف ويقود بيتيس نحو دوري الأبطال    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    انهيار.. ثلاثة عناصر من "البوليساريو" يفرّون ويسلمون أنفسهم للقوات المسلحة الملكية    قبل 3 جولات من النهاية.. صراع محتدم بين عدة فرق لضمان البقاء وتجنب خوض مباراتي السد    عادل السايح: التأهل إلى نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للفوتسال سيدات ليس وليد الصدفة    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الجمعة    حين يصنع النظام الجزائري أزماته: من "هاشتاغ" عابر إلى تصفية حسابات داخلية باسم السيادة    من قبة البرلمان الجزائر: نائب برلماني يدعو إلى إعدام المخنثين    الدليل العملي لتجويد الأبحاث الجنائية يشكل خارطة طريق عملية لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    الشيخ بنكيران إلى ولاية رابعة على رأس "زاوية المصباح"    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    الوقاية المدنية تنظم دورة تكوينية في التواصل للمرشحين من السباحين المنقذين الموسميين بشواطئ إقليم العرائش    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    "بوكر" تتوّج رواية "صلاة القلق"    القرض الفلاحي يعزز التزامه برقمنة وتحديث المنظومة الفلاحية من خلال شراكات استراتيجية جديدة    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    الخط فائق السرعة القنيطرة-مراكش سيجعل المغرب ضمن البلدان التي تتوفر على أطول الشبكات فائقة السرعة (الخليع)    "اللبؤات" يبلغن نصف نهائي "الكان"    إسرائيل تدين قرار حكومة إسبانيا    الحكومة تعتزم رفع الحد الأدنى للأجور الى 4500 درهم    بعثة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة تصل إلى القاهرة للمشاركة في كأس إفريقيا    إحباط محاولة لتهرييب المفرقعات والشهب النارية ميناء طنجة المتوسط    مهرجان "السينما والمدرسة" يعود إلى طنجة في دورته الثانية لتعزيز الإبداع والنقد لدى الشباب    السجن لشرطيين اتهما ب"تعذيب وقتل" شاب في مخفر الأمن    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    الهند تُعَلِّقْ العمل بمعاهدة تقاسم المياه مع باكستان    هل يُطْوى ملفّ النزاع حول الصحراء في‮ ‬ذكراه الخمسين؟    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    97.6 % من الأسر المغربية تصرح إن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا!    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    واتساب تطلق ميزة الخصوصية المتقدمة للدردشة    الوداد ينفصل عن موكوينا ويفسح المجال لبنهاشم حتى نهاية الموسم    بايتاس: الاعتمادات الجديدة في الميزانية ممولة من الضرائب لسد الالتزامات ودعم القدرة الشرائية    رفع قيمة تعويض الأخطار المهنية للممرضين والإداريين والتقنيين.. وإقراره لأول مرة للأساتذة الباحثين بالصحة    جماعة بوزنيقة تؤجل جلسة كريمين    نبيل باها: الأطر المغربية تثبت الكفاءة    قادة وملوك في وداع البابا فرنسيس    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    سلسلة هزات ارتدادية تضرب إسطنبول بعد زلزال بحر مرمرة وإصابة 236 شخصاً    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    المهدي الفاطمي يسائل وزير الصحة حول الصحة النفسية بالمغرب وأخطار الإهمال.. 'سفاح بن أحمد نموذجا    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة: المغرب نموذج بارز للابتكار    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الحضارات وحرب الجهالات على أرض أوكرانيا
نشر في بيان اليوم يوم 24 - 03 - 2022

"إن الصدام لا يكون إلا بين الجهالات، أما الحضارات فإن جوهرها التفاعل، لما فيه خير الإنسانية جمعاء، في نطاق احترام خصوصيات الهويات والثقافات".*
ما الذي يجري بأوكرانيا؟ لماذا رفضت الأطراف فضيلة الحوار والتجأت إلى لغة القنابل والمدافع والعقوبات الاقتصادية؟ هل نحن على أبوب حرب عالمية ثالثة؟ أم، على أقل تقدير، في طور صياغة نظام عالمي جديد؟ هل نحن أمام صدام مسلح بين الحضارة الغربية من جهة والحضارة الأوراسية مدعومة بالكونفشيوسية الصينية من جهة أخرى؟ هل اندلعت حروب التقسيم الحضاري كما تصورها صامويل هنتنجتون؟ من المستفيد من كل هذا الخراب الذي بدأ من أفغانستان والعراق مرورا بالبلقان وصولا إلى أوكرانيا؟
لا أحد اليوم له ما يكفي من عناصر الجواب على هذه الأسئلة أو على الأقل على واحد منها، فقد أضاف التضليل الإعلامي، الذي تمارسه كل أطراف الحرب في أوكرانيا، الكثير من التعقيد على مجريات الأحداث حتى ساد التيه واستبد التطرف العاطفي بحشود الأطراف؛ فزواج كبريات مؤسسات الإعلام وشركات المال والأعمال العابرة للقارات برعاية من كبرى عواصم السياسة، تمخض عنه أخطبوط يتحكم بالجماهير، يتلاعب بعواطفها من خلال تضخيم حجم الأخطار، ويختلق الأعداء حتى تستمر فوبيا الآخر وهستيريا الحرب وآثارها النفسية المدمرة على كل سكان القرية العالمية التي تفتقد لعلاقات القرية وتقاليدها الإنسانية.
ما الذي يجعل جنديا روسيا يقتل جنديا أوكرانيا انتقاما لمقتل مواطن أوكراني في شرق أوكراني يفتخر سكانه بلغتهم وثقافتهم الروسية؟ كيف تحولت أخوة الشعبين إلى عداوة مدمرة شتتت شمل الكنيسة الأرتودوكسية الروسية بعد أن أعلنت كنيسة أوكرانيا انفصالها عنها؟ كيف أصبحت مدينة كييف هدفا لنيران المدمرات الروسية وهي التي يعتبرها الروس مهدا لحضارتهم؟ هذه الأسئلة وغيرها تحيل إلى تشعب هذه الحرب واستثنائيتها، فهي تعيد إلى الواجهة نظرية صدام الحضارات التي شرحها صامويل هنتنجتون، عام 1996، في كتابه "صراع الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي".
خصص صامويل هنتنجون الفصل الأول من كتابه للحقبة الجديدة في السياسة العالمية، وفيه أشار إلى تنبؤات بخصوص حرب مدمرة بين أوكرانيا وروسيا كتجل من تجليات ما سماه حروب التقسيم الحضاري، وهي بتعريفها حروب يغذيها انتماء المحاربين إلى كيانات ثقافية وحضارية مختلفة؛ الماسكون بزمام الحكم في أوكرانيا، وفق هذه التنبؤات، يعتبرون أنفسهم أبناء للحضارة الغربية ويسعون إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، في المقابل، تعتبر روسيا الفيديرالية نفسها مسؤولة عن حماية الحضارة الأوراسية الأورتوذوكسية وحماية مصالح شعوبها.
في ذات الفصل من الكتاب وردت تنبؤات على لسان جون ميرشمير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، جاء فيها أن الموقف بين روسيا وأوكرانيا ناضج لنشوء حرب منافسة أمنية بينهما، ويضيف هنتنجتون إلى تنبؤات ميرشمير عاملا آخر سيساهم في تفجير الوضع بين روسيا وأوكرانيا، ألا وهو خط التقسيم الحضاري الذي يفصل بين أوكرانيا الشرقية الأورثوذوكسية وأوكرانيا الغربية المنتمية للكنيسة الشرقية؛ فخط التقسيم الحضاري وفقا لنظرية صدام الحضارات يشير إلى احتمال تقسيم أوكرانيا إلى إثنين وانفصال شرقها عن غربها، استنادا إلى عوامل ثقافية وحضارية تتحول إلى وقود حرب حضارية على الأرض الأوكرانية.
لكن، هل تجد حروب ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كل أسبابها في خطوط التقسيم الحضاري؟ هل بسبب هذه الخطوط نزل الغرب وروسيا وبعض الدول الإسلامية بكل الثقل اللازم في البلقان لتقسيم يوغوسلافيا إلى ست دول على أسس ثقافية، إثنية، ودينية، خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي؟ ولماذا تحرك الغرب بكل إمكانياته الاقتصادية والعسكرية والسياسية للوقوف إلى جانب أوكرانيا وكأن أوكرانيا تخوض حربا بالوكالة؟ لماذا خرجت الصين للإعلان عن شراكتها الاستراتيجية الصلبة كالصخر مع روسيا متجاهلة تهديدات واشنطن؟ هل نحن على أبواب نظام عالمي جديد سيفرض في أحسن الأحوال بالمفاوضات وفي أسوئها بالحرب الشاملة؟
يقول الفيلسوف الياباني تاكشي أوميهارا: "الإخفاق التام للماركسية والتفكك الدرامي للاتحاد السوفياتي ليسا سوى نذر سقوط الليبرالية الغربية التي هي تيار التحديث الرئيسي، وبعيدا عن كونها بديلا للماركسية والأيديولوجية الحاكمة في نهاية التاريخ، ستكون الليبرالية هي حجر الدومينو الذي عليه الدور في السقوط". استنادا إلى ما أشار إليه تاكشي أوميهارا، يمكن الحديث عن سعي حثيث للولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد عدو يساعد في إبعاد شبح السقوط، من خلال إثارة حماس شعوب الغرب للانخراط في حروب جديدة ضد "محور الشر الروسي – الصيني" وبنفس الشعارات والمبررات التي استخدمتها إبان الحرب الباردة؛ فالكثير من الكيانات والقوى في حاجة دائمة إلى عدو.
حينما بدأ الاتحاد السوفياتي في التفكك والانهيار، قال مستشار ميخائيل غورباتشيف لأحد محاوريه من الإدارة الأمريكية: "نحن نقوم بأمر مروع لكم، نحن نحرمكم من عدو". نعم، الغرب في حاجة إلى عدو حتى يستمر وهم خلود نموذج الديمقراطية الليبرالية كشكل نهائي للمجتمع الإنساني كما سبق وأن بشر به فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"؛ الغرب في حاجة إلى عدو للالتفاف على أزمة الديمقراطية التمثيلية في أوروبا وأمريكا؛ الغرب في حاجة إلى عدو لشحذ همم شعوبه في مواجهة استعداد الصين للانقضاض على عرش الاقتصاد العالمي؛ الغرب في حاجة إلى النظام الروسي كعدو حضاري بمخالب نووية؛ الغرب في حاجة دائمة إلى "محور للشر" يناصبه العداء.
على سبيل الختم..
انتصرت الجهالة على الحضارة في أوكرانيا، وما يجري هناك يهدد بحرب عالمية ثالثة قد تعجل بنهاية تاريخ البشرية، بعد أن يلفظ الإنسان الأخير أنفاسه؛ فصدام الحضارات / الجهالات هو الخطر الأكثر تهديدا للسلم العالمي، والضمان الأكيد ضد حرب عالمية مدمرة هو نظام عالمي يقوم على حوار الحضارات.
لا أحد يعلم ما يدور بذهن الرئيسين الأمريكي والروسي، فلا أحد يعرف زعيما أو قائدا عسكريا صرح بأهدافه ومصالحه الاستراتيجية الحقيقية عند تعبئته للجماهير ودفعها إلى أتون وسلخانة الحرب، لكن يبدو مؤكدا، بعد أربعة أسابيع من المعارك، أن حال لسان كل واحد منهما يقول: أَلا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
* مقتطف من نص الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في ندوة "تحالف الحضارات في الفضاء العربي الإفريقي الإيبرو لاتينو أمريكي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.