هذه الأيام حيث ما وليت وجهك تلقاك شكاوى الناس من الغلاء وندرة الماء وشح التساقطات. تكفي جولة بسيطة خارج المدار الحضري لأي مدينة لتسمع معاناة صغار الفلاحين وبسطاء أهل البوادي، وبداخل أحياء المدن وفي كل مجالس حديث الفئات الشعبية والمتوسطة يحضر التذمر والقلق والانشغال. الجميع اليوم بات يدرك التأخر الكبير في التساقطات المطرية، وحتى نشرات الأرصاد الجوية لا تحمل أي تفاؤل بالنسبة للمستقبل القريب، وهذا الواقع يثير، بديهيا، قلق الفلاحين ومربي الماشية في مختلف جهات البلاد. ونتيجة للجفاف الذي صار يتأكد يوما بعد آخر، فقد شهدت أسعار المواد الفلاحية ارتفاعا صاروخيا بدورها، ولم يعد صغار الفلاحين يتحدثون سوى عن أثمنة: النخالة، الشمندر، سيكاليم، الفصة، وغير ذلك، كما أن ارتفاع سعر البنزين بدوره ضاعف التأثير على أثمنة باقي المواد والخدمات الأساسية، وكل هذا يجتمع على كاهل الفقراء من شعبنا مع ندرة المياه في عدد من المناطق(سواء للشرب أو للري)، والشحنات المدعمة من العلف لا تكفي لتلبية الطلب، وبعض المواد، مثل الحليب ومشتقاته، يتهددها الفقدان، وأيضا المواشي مهددة بخطر النفوق في حال غاب الماء وتعذر الحصول عليه. كل هذا يضعنا اليوم أمام وضعية دقيقة وتبعث على القلق، ووحدها الحكومة لا زالت لا ترى أي ضرورة للاستنفار والتدخل العملي للحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجفاف، سواء بالنسبة للبوادي وصغار الفلاحين ومربي الماشية أو لكامل القدرة الشرائية للفقراء من شعبنا بشكل عام. لقد سبق لأحزاب المعارضة أن طالبت بالتدخل الحكومي، ونبهت، منذ مدة، إلى الحالة المقلقة، كما دعت فرق المعارضة بمجلس النواب إلى انعقاد أربع لجان بحضور اربع وزراء لتدارس هذه الأوضاع ومعرفة تصورات الحكومة للحلول، بل إن بعض مكونات الأغلبية الحالية، بدورها، لم تخف انشغالها بهذا الواقع السلبي، ودعت الحكومة إلى الخروج من صمتها، وتفعيل برامج استعجالية. نعرف أن الجفاف بنيوي في بلادنا، وأن واقعنا يتطلب منذ مدة سياسة مائية حقيقية وشجاعة، كما نعرف أن الفلاحة المغربية في حاجة إلى سياسة تستحضر أولا الحاجيات الوطنية وواقع البادية المغربية وصغار الفلاحين، لكن، في نفس الوقت، نعرف أن هذه الحكومة التي رفعت بعض مكوناتها شعارا رنانا يؤكد أن المغاربة يستحقون أحسن، هي مطالبة الآن بالكشف عن هذا الأحسن الموعود به، وذلك من خلال تحسين القدرة الشرائية للناس، وحمايتهم من الغلاء المستشري في أثمنة المواد الغذائية والمحروقات، وتفعيل برامج عملية لمواجهة ندرة الماء، وتفادي خطر العطش. لقد انتهت الحملات الانتخابية منذ شهور، والوقت الآن للعمل والتدبير، وللتدخلات الإستباقية، ولاتخاذ القرارات الصعبة، والتفكير أولا في ظروف عيش شعبنا، وفي أهمية حماية الاستقرار الاجتماعي قبل الارتهان لمصالح اللوبيات، أو ترديد مبررات السوق العالمية، وباقي اللغة الكسولة والمتكلسة. حتى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لم يتردد، في تقرير أخير له، في التحذير من تعاظم العوائق التي يواجهها مسلسل تسويق وانتاج الخضر والفواكه، ونبه إلى هيمنة الوسطاء والسماسرة، فضلا عن ضعف الدعم الموجه لهذا القطاع، وضعف تطبيق القوانين والمساطر، وغياب تنظيم أسواق الجملة، وسجل أن كل هذا يؤثر على الأسعار، أي يزيد من إضعاف القدرة الشرائية لبسطاء المغاربة، في البوادي وفي المدن على السواء… كما أنه عندما يرتفع سعر المحروقات، فذلك يعني تضررا مباشرا أولا، وأيضا تأثيرا على أسعار مواد وخدمات أخرى ذات أولوية لدى الناس، ومن ثم فإن مختلف هذه العوامل المثارة أعلاه تلتقي تأثيراتها ومآلاتها في النهاية عند استهداف القدرة الشرائية لشعبنا وضرب جيوب الفقراء. وعندما يحدث كل هذا في خضم حالة وبائية صعبة، وبالتوازي مع تداعياتها السلبية الضاغطة، فإن الوقع يكاد يكون كارثيا، ويفترض أن يخلق حالة استنفار قصوى وسط الحكومة وأغلبيتها، لكن لحد الآن لم يسجل المراقبون أي انشغال بالأمر من طرفهما، ولم ير شعبنا أي تدخل حكومي شجاع بهذا الشأن، ولم يجرؤ أحد من المسؤولين حتى على الكلام الواضح والصريح مع شعبنا والتفاعل مع شكاواه وانتظاراته. البادية المغربية تستغيث، الفلاحون البسطاء يئنون، الفقراء في البوادي والمدن يشتكون، الجفاف حوالينا وقريب جدا منا…، وحدها الحكومة لا تسمع ولا تتكلم… محتات الرقاص