أشغال الندوة الدولية حول التراث الثقافي بالريف تتوج بالإعلان عن إحداث «متحف الريف» عقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس الجالية المغربية بالخارج والمجلس البلدي للحسيمة ومجلس جهة تازة تاونات الحسيمة، يوم السبت الماضي بمدينة الحسيمة، اتفاقية شراكة لإحداث «متحف الريف»، ليشكل بذلك لبنة أخرى في مسار إعمال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، بل ومصالحة المغرب مع كل المناطق والجهات وساكنتها التي عاشت سنوات طويلة في ظل التهميش وعانت ويلات سنوات الرصاص. اللحظة تاريخية بامتياز والمؤسسة الجديدة لها رمزيتها العالية ليس لكونها تعد بمثابة تكريم ستدوم صيرورته في الزمن بمنطقة كمجال جغرافي شهد صراعا وعرف انتهاكات، بل لكونها تشكل اعترافا برجالات قاوموا الاحتلال وعملوا جاهدين من أجل الاستقلال، وجعل الريف بوابة المغرب التي تتفاعل مع الخارج دون تفريط في الهوية. وأكد جلالة الملك محمد السادس في رسالة وجهها إلى المشاركين في الندوة العلمية الدولية حول «التراث الثقافي بالريف» المنظمة بالحسيمة يومي 15 و16 يوليوز الجاري، «على ضرورة إيلاء ما يلزم من الاهتمام لحفظ الذاكرة الجماعية للمغاربة، باعتبارها لبنة أساسية على درب استكمال بناء المجتمع الديمقراطي، الذي نعمل جميعا على توطيد أركانه، وصيانة مكتسباته، بموازاة مع تدعيم مصالحة المغاربة مع تاريخهم، وتجاوز شوائب الماضي، تحصينا لحاضرهم، ومواصلة لانخراطهم، بعزم وثبات، في ورش الإصلاح الديمقراطي والتنموي الشامل». وأوضح جلالته بخصوص مؤسسة المتحف وأهميتها بالنسبة للجهة أن منطقة الريف ظلت «تشكل مجالا للتواصل والتفاعل مع الفضاءات المغاربية والأورو- متوسطية والمشرقية والإفريقية، مما جعلها تكتسب شخصية هوياتية متميزة، تجمع بين المقومات الثقافية المحلية، وتلك الوافدة عليها من الجهات الأخرى»، وعبر جلالته عن تطلعه لأن يكون هذا المتحف «في مستوى العطاء التاريخي المتميز لنساء ورجال الريف الأباة، وأن يشكل فضاء يساهم، من خلال برامجه وأنشطته، في تجميع المعطيات العلمية المتعلقة بالتراث المادي وغير المادي للمنطقة وتحسيس مختلف الفاعلين المعنيين بأهمية الموارد الثقافية المحلية ودورها في النهوض بالتنمية». وفي كلمة ألقاها في ختام أشغال هذه الندوة قال ادريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، «إن إحداث متحف الريف هو مشروع يسعى إلى المساهمة في رد الاعتبار لذاكرة المغاربة عموما وساكنة الريف على وجه الخصوص، فهو لن يكون مجرد متحف يحفظ الماضي فقط بقدر ما سيكون أداة لنشر المعرفة التاريخية، والتربية على المواطنة التي من بين شروطها احترام الموروث الثقافي، والتحفيز على تطوير البحث العلمي فيما خلفه الأجداد من إرث مادي وغير مادي في منطقة الريف». فخلال هذه الندوة التي نظمت بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وعرفت مشاركة أزيد من أربعين باحثا من المغرب، إسبانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة، فرنسا وألمانيا متخصصين في التاريخ والتراث الثقافي المادي وغير المادي وفي مجال التحافة، تم التأكيد على جعل مؤسسة المتحف فضاء يعمل من خلال مضامينه على التأثير على الثقافة السياسية التي تسببت في الانتهاكات وصراعات الماضي لعدم تكرار ما جرى، وكذا الارتقاء والتعريف بتاريخ المنطقة. وأعلن ادريس اليازمي أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يسعى إلى جعل هذا المتحف مشروعا تشاركيا ونموذجيا، إذ سيتم في هذا الإطار تشكيل لجنة لتدبير المشروع ستضم كل الشركاء الحاليين والتي تشمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، ومجلس جهة تازةالحسيمة تاونات، وشركاء آخرين يمكن أن يلتحقوا بالمشروع.. كما سيتم إحداث لجنة علمية تضم المتخصصين في مختلف فترات تاريخ الريف وأنواع التراث الثقافي، ستتكلف بإعداد تصور أولي للمتحف. هذا فضلا عن إحداث شبكة للحوار والتشاور تشارك فيها فعاليات المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات الأكثر اهتماما واختصاصا وفعالية في مجال التراث الثقافي بمنطقة الريف بمفهومها الواسع، وستتحدد مهمتها في مواكبة وتتبع مشروع المتحف وإغناء التصورات المطروحة بشأنه. على أن أول خطوة سيتم إعمالها في هذا الصدد تتمثل في إطلاق عملية ترميم وتأهيل المبنى الرئيسي لمتحف الريف، باعتباره يشكل نواة المشروع الذي سيهم شبكة من المواقع والمآثر والمعالم التاريخية في المنطقة، ويضطلع بجملة من الأنشطة المرتبطة بالذاكرة في تراب منطقة الريف كلها، فالمشروع «يشكل إحدى الركائز الأساسية لكل تنمية بشرية ومحلية، ويهدف إلى المساهمة الفعالة في التنمية الشاملة للمنطقة، فالمتحف هو متحف للريف يأخذ بعين الاعتبار النظرة الشاملة للثقافة في علاقتها بالبيئة، والتربية والتنمية»، يشير رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان.