حول موضوع إشكالي «في شعرية التحولات»، تحلق ثلة من الشعراء والنقاد المغاربة، مؤخرا بشفشاون، ليفككوا أسئلة لها علاقة مباشرة بالحراك الذي يعرفه العالم العربي حاليا. واختلفت زاوية قراءة هؤلاء، الذي حلوا ضيوفا على الدورة السادسة والعشرين للمهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث، إلا أنهم اتفقوا على أن التجربة الشعرية التي تمخضت عن الحراك العربي «لم تنضج بعد ولم تتضح معالمها». فمن وجهة نظر عز الدين الشنتوف، ف»التحول» لم يتشكل بعد كتجربة يمكن نقلها إلى عالم الأدبو على اعتبار أنه لم يحقق التراكم الكافي»و طارحا بالمقابل سؤال «كيف واكب الشعر التحولات». وأجاب أن أغلب الشعراء الذين كتبوا عن هذا الحراك عبروا عنها نثرا وابتعدوا عن القصيد، مفسرا أن هذا الابتعاد يعود بالدرجة الأولى إلى «الارتياب» من الوفرة الديموقراطية للشعر ومن لا ديموقراطية التاريخ العربي. واستنبط الشنتوف سمات مشتركة بين من كتبوا عن هذا الحراك, منها على سبيل المثال، اشتغال هذه الكتابات على البعد الملحمي للحراك (مثال سعدي يوسف)، والعودة إلى الذاكرة (أحمد بهاء). وسلك محمد بودويك، من جهته، مسلكا آخر في قراءته، فاختار أن يقارب الموضوع من زاوية «الحساسية الشعرية الجديدة بالمغرب»، ليبتعد قليلا كما قال عن «الشعراء والشاعرات المكرسات»، فكل نص شعري - حسب بودويك - يجترح مداه ويخلق مجراه وليس هناك ما قبل وما بعد. ويتسم المتن الشعري لهذه الحساسية، يقول بودويك، بأنه متن متشظي يكثف بالجمع والإفراد وجع الذات في رحى الخيبات، كما أنها كتابات تتميز بالإدهاش والغرابة، و»الإدهاش جمال»، لذلك فهو العنوان البارز لهذه التجربة. ووصف بودويك هذه الحساسية، التي أنتجها شعراء أغلبهم مغمورون ومنهم من بدأ يحفر اسمه في المشهد الشعري المغربي، بأنها تجربة متمردة وعاقة لا تكترث للوصايا، مقلقة للكسل الذهني، وهو مكن لذاذتها. ورغم «العقوق» الذي تلوح به هذه الحساسية - يقول بودويك - باستبدالها «الأب» ب «الأخ» في مرجعيتها الشعرية (في إحالة إلى التناص الشعري)، فهي حريصة على الانتماء لقارة الشعر، مراهنة على الخطوط والأيقونات وعلى لغة مختلفة تقوض جوهر كلمة «الإنشاء»، وتراهن أيضا، وهو ما يدهش، على «الشقاوة اللذيذة». وخلص بودويك إلى أن هذه الكتابات الشعرية الجديدة تقيم في قلق الحياة، لا ترضى بالقسمة والنصيب، وهي «تجربة جديدة مستفزة وشهية». واختار عبد الله شريق، من جانبه، أسئلة كمدخل آخر لمقاربة سؤال «شعرية التحولات»، وذلك بطرح أسئلة من قبيل «عن أي شعريات نتحدث-»، فهناك «شعريات محافظة» و»شعريات نموذجية» و «شعريات مفتوحة». فحسب شريق، «لا وجود لشعريات مطلقة ثابتة مجردة»، مضيفا أن انبثاق شعريات جديدة يأتي استجابة لمنظومة جمالية وروحية في المجتمع. وكما تتعدد الشعريات المواكبة للتحولات التي يعرفها العالم العربي، «يتعدد التحول» أيضا، فهناك «تحول جذري وتحول جزئي»، وبالتالي فليس من الضروري أن تظهر شعرية نتيجة لهذا الحراك. يذكر أن المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث سيختتم فقراته مساء اليوم الأحد.