الحفر الأركيولوجي في جسد الذات والعالم صدر لشاعر المغربي إدريس أمغار المسناوي عمل شعري جديد معنون ب»شهوة الضو» عن دار التنوخي للطباعة والنشر في ستة وسبعين صفحة من الحجم المتوسط تنزين غلافها لوحة للفنان محمد سعود، تجسد حركية الكون المحاط بظلمة قاتمة تتوسطه مساحات من ضوء تشكل منطلق ومنتهى رحلة حكيم الزجل المغربي إدريس أمغار مسناوي الذي يكمل في هذا العمل الشعري الزجلي مساره الإبداعي الذي افتتحه سابقا بأعمال زجلية متعددة: «الواو، قوس النص، كناش المعاش، مجاج الريح، مع البال، التعاويد، تراب المعاني، قلت لراسي ماقلت لحد، شحال ف ساعة،ضد الضد، جا ف، ال جسد، مقام الطير.» وهذا العمل يتسم ببعده الصوفي وقدرته على استشراف قيم إنسانية كونية. ويعبر إدريس أمغار مسناوي في هذا العمل عن افتتانه بالضوء، وهو ما تعكسه عناوين هذا الديوان: شهوة الحلمه، شهوة الضو، مكارم النفس، مجاج الضو، عيطة الشهوة. والضوء هو طريق لكشف الحقائق والعبور نحو الزمان المقدس، ووسيلة لكشف السر: سر الضو والرؤي. وقد اختار الزجال المغربي ادريس امغار مسناوي كتابة قصائده بلغة المحكي بالإستناد إلى طاقة بلاغية تتساوق مع الكثافة الدلالية لنصوصه الشعرية الباذخة. وصورها الشعرية التي تبدع حكاياتها انطلاقا من قوة الذات على محاورة الزمان والأمكنة، وإنتاج معنى شعري لرحلة عبور محفوفة بقلق وحيرة ودهشة بالاستناد لموارد معرفية وتراثية متعددة، والاعتماد في الوقت نفسه على تشكيل لغوي قائم على خرق النواظم الرمزية من أجل خلق دهشة جمالية. وقد تأتى له ذلك باعتماده معمارية دقيقة في تشكيل السطر الشعري، والشكل الكاليغرافي الذي يراهن على مساحات الضوء داخل القصيدة في محاولة لملأ الفراغ بالمعنى الشعري عبر جمل قصيرة ومتوسطة تراهن على الإنزياح من أجل الإنصات للإحساسات الداخلية للذات الشاعرة القادرة على تأويل العالم شعريا، وعلى جعل الإنسان مركز هذا العالم. ولعل هذا الفهم الأنطلوجي للذات الإنسانية في علاقتها بالزمان والوجود هو ماجعل الشاعر ينفتح على الذاكرة المعرفية الخصبة ويحقق مزية العبور من عالم الزيف إلى عالم الحقيقة، ومن العرضي إلى الجوهري عبر حاسة العين بوصفها منبع الولادة. والشاعر لا يتوانى في كل منجزه الشعري الزجلي بالمطالبة في حقه بالضوء، ليمضي قدما في اتجاه طريق الحلم الذي يفضي إلى كشف حقيقة مفادها أن إنسانية الإنسان تكمن في علاقته بالكائن الآخر. الشاعر يؤكد في هذا المسعى على أهمية البعد الإنساني والتواصلي انسجاما مع رؤية بول ريكور «العيش مع ومن أجل الآخرين»، وتترجم في الوقت نفسه رغبته في السفر في رحلته عبر صهوة الضوء انسجاما مع رؤيته للكون في حركيته اللامتناهية. هذه الحركية ترتبط بالسفر باعتباره وسيلة لكشف المستور، وشق حجاب الرؤيا بغية الوصول إلى سقف الروح. السفر -هنا والآن- ليس برانيا كما قد يتبادر إلى الأذهان ، بل هو سفر جواني يسبر أغوار الذات، ويكشف عمق الإحساس الإنساني. والوصول إلى هذا الجوهر في رحلة تتطلب المكابدة والمجاهدة هو ماسمح لإدريس أمغار مسناوي بالإنصات إلى الشمس في جذبتها الأبدية ويسمح له بالرقص مع الريح، والبحث عن المحال في أعماق الحيرة مصحوبا بنغمة أصبهان، يجره الماضي ويدفعه المستقبل في حركية قوية يتداخل فيها الزمان والمكان، ليجعل صاحب « الجسد» يحس بحلاوة استثنائية لهذا السفر الصوفي، بحثا عن الكينونة داخل الذات الإنسانية. «شهوة الضو» تجرية شعرية جديدة تؤكد شعرية المقول الزجلي المغربي وتؤكد في الوقت نفسه انتماء الزجال إدريس أمغار مسناوي للمنجز الزجلي المغربي، وقدرته على بصم هذا المنجز بسمات جمالية مخصوصة ترتبط بسياقات نصية، ومعرفية، تحقق تجاوبا جماليا مع عوالم لاسبيل لمعرفتها إلا عبر رحلة ذهاب وإياب من المألوف إلى الغريب، ومن الظاهر إلى الباطن. «مفتون بسكون الحركة. مسكون بحركة السكون. ركبت جناح النغمة والحرف واللون طلعت لنجوم الحس نزلت لأرض المعاني» فميزة هذا العمل هو تحقيقه مبدأ الغيرية كأساس لمعرفة الذات عبر علاقة اتصال وامتداد، وليس عبر انفصال وانقطاع. وفضلا عن ذلك فديوان» شهوة الضو» يقدم رؤية شعرية مشيدة وفق معمارية تقترح منطلقاتها الجمالية، وأدوات أثبتت نجاعتها في كشف المجهول، ومعرفة الذات والعالم الذي لا ينظر إليه الشاعر بوصفه تحققا برانيا بل باعتباره ممكناً انطلوجيا يمكن كشفه، ومعرفته، وتحققه على نحو غير مسبوق. والطرائق الكفيلة بتحقيق هذا الكشف ترتبط بالتأمل والتجربة المعاشة، وهي طرائق يمكنها أن تنقل الشاعر من العالم المتناهي المحاط بسياج الظلمة، إلى عالم الضوء المحاط بالمحبة، منطلق ومنتهى البحث لدى حكيم الزجل المغربي الشاعر ادريس امغار مسناوي.