«أنا نجود أبنة العاشرة ومطلقة» القصة الحقيقية لأصغر زوجة يمنية (لنجود علي بالاشتراك مع دلفين مينوي» (عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت». دلفين مينوي صحافية فرنسية من أصل ايراني اهتمت منذ بدء مسيرتها المهنية بقضايا الشباب وحقوقهم. مراسلة لجريدة «فيغارو» الفرنسية وحائزة جائزة ألبير لوندر لعام 2006 على مجموعة تحقيقات صحافية في العراق وايران. مينوي تابعت قضية الطفلة اليمنية نجود علي وتعاطفت معها، وكان الحصاد هذا الكتاب الذي حرر بصيغة المتكلم لكي تعطي الطفلة حقها بالكلام، فتطالب بما هو لها ولأترابها. انها قصة واقعية هزت اليمن والعالم العربي وأبعد. مسرحها بلاد اليمن وبطلتها نجود الفتاة اليافعة الجميلة ذات الغمازة على خدها الأيسر، ولها من الاشقاء عدد لا يستهان به طموحة ذكية مندفعة يجبرها ابوها على الزواج من رجل يكبرها ثلاثة اضعاف عمرها، فيصيبها نوع من الخيبة والصدمة، فتذبل، وتنطفئ اشراقتها. لكنها، مع ذلك، تبدأ رحلة تمردها على واقعها، فتلجأ الى المحاكم وتشاكس وتواجه بمواقف شجاعة، تعبئ الرأي العام، تكسب التعاطف من كل حدب وصوب في مغامرة «مجهولة» قد تفضي الى الموت أو الى الانتصار... هنا فصل من الكتاب: * مختارات عند القاضي وجد القاضي عبدو صعوبة في إخفاء دهشته. تريدين الطلاق؟ نعم! لكن... أتعنين أنك متزوجة؟ نعم! كانت ملامحه دقيقة، وكان يرتدي قميصاً ابيض يضفي لمعاناً على بشرته الجافة. غير أن وجهه اكفهر لسماعه جوابي. يبدو أنه يجد صعوبة في تصديقي. كيف يمكن، في عمرك، أن تكوني قد تزوجت؟ أريد الطلاق! كررت بنبرة مصممة من دون أن أعير انتباهاً لسؤاله. أجد صعوبة في فهم السبب، ولكنني لم أنتحب ولا مرة واحدة وأنا أخاطبه. كما لو أنني استهلكت مخزوني كله من الدموع. أحسست بالانفعال، إلا أنني أعرف ما اريد. نعم، أريد أن انتهي من هذا الجحيم. اكتفيت من التألم بصمت. ولكنك صغيرة جداً، وهشة للغاية... نظرت اليه وأنا أهزّ برأسي. أخذ يحك شاربه بعصبية. حسبي أن يوافق على مساعدتي! فهو، على كل حال، قاضٍ، ومن المؤكد أنه يحظى بالكثير من السلطة. ولماذا تريدين الطلاق! تابع بنبرة أكثر طبيعية، كما لو أنه يسعى الى إخفاء دهشته. حدقت مباشرة في عينيه: لأن زوجي يضربني! نزل عليه هذا الجواب كما لو أنني صفعته ملء وجهه، وتجمد وجهه من جديد. لقد فهم للتو أن أمراً جللاً حصل لي وأنه ليس لدي سبب للكذب عليه. ومن دون مواربة، طرح عليّ مباشرة سؤالاً مهماً: هل ما زلت عذراء؟ ابتلعت ريقي، فأنا أخجل من الحديث في هذه الأمور. فعلى النساء في بلدي إبقاء مسافة بينهن وبين الرجال الذين لا يعرفنهم. ثم انها، قبل كل شيء، المرة الأولى التي أرى فيها هذا القاضي. غير أنني فهمت في اللحظة نفسها أن عليّ الخوض في المسألة إذا أردت التخلص من الورطة. كلا... لقد نزفت... انه تحت وقع الصدمة. راودني الانطباع، فجأة، أنه من تخونه قواه. لم تغب عني دهشته، ورأيت بوضوح أنه يحاول إخفاء تأثره. التقط نفساً عميقاً قبل أن يتابع: سأساعدك! أحسست في الحقيقة بانشراح غريب لتمكني أخيراً من فتح قلبي لأحد. حمل وسقط عن كتفي. رأيته يمسك بهاتفه بحركة عصبية، وسمعته يتبادل بعض الملاحظات مع شخص آخر، لا بد أنه زميل له. وأخذ، وهو يتحدث، يحرك يديه في كل الاتجاهات. بدا مصمماً على انتزاعي من كابوسي. المهم أن يجد حلاً نهائياً! وهو، مع قليل من الحظ، سيعمل بسرعة، بسرعة كبرى... وسأتمكن هذا المساء من العودة الى أهلي لألعب من جديد مع اشقائي وشقيقاتي. سأصبح مطلقة في غضون بضع ساعات. مطلقة! حرة من جديد. من دون زوج، من دون الخوف أن أجد نفسي وحيدة، عند هبوط الليل، في الغرفة نفسها معه. من دون الخوف من أن أعاني، ايضاً وأيضاً، العذاب نفسه. فرحت بأسرع مما يجب. يا صغيرتي، تعرفين أن الأمر قد يستغرق من الوقت أكثر مما تتصورين. الملف شائك، ولا يمكنني، ويا للأسف، ان أضمن لك أنك ستربحين. حطم القاضي الثاني الذي انضم الينا في الصالة كل حماستي. اسمه محمد الغازي. بدا مربكاً، وأوضح عبدو أنه نائب المحكمة، رئيس القضاة. قال انه طيلة حياته المهنية لم ير حالة شبيهة بحالتي. وشرح لي كل منهما أنه يتم تزويج الفتيات في اليمن في سن مبكرة جداً قبل عمر الخامسة عشرة انه تقليد قديم، أكمل القاضي عبدو. غير أنه، وعلى حد علمه، ومن بين كل الزيجات المبكرة في البلاد، لم يتم النطق أبداً بأي طلاق... لأنه، وحتى الآن، لم تتوجه أي فتاة صغيرة الى المحكمة. قالا إنها مسألة شرف عائلية. فوضعي استثنائي... ومعقّد... يجب العثور على محام. شرح عبدو، وقد أعيته الحيلة. محام! ولكن لماذا! ما نفع المحكمة إذا لم تتمكن حتى من إعلان طلاق على الفور! لا يعنيني بشيء أنني حالة استثنائية. فالقوانين هي لمساعدة الناس، أليس كذلك، يبدو هذان القاضيان لطيفين، ولكن هل يدركان أنني لو عدت الى المنزل من دون أي ضمانة سيأتي زوجي لأخذي وستُستأنف التنكيدات؟... كلا لا أريد العودة الى منزلي. اريد الطلاق! كنت مصرّة وأنا أقطّب حاجبي. أجفلني صدى صوتي. لا بد وأنني تكلمت بأعلى مما يجب. أم أن للأمر علاقة بالجدران الكبيرة البيضاء التي لها مفعول تضخيم الصوت؟ سنجد حلاً، سنجد حلاً.. تمتم محمد الغازي وهو يسوي عمامته. غير ان هماً آخر تآكله. دقت الساعة للتو مؤذنة بأنها الثانية بعد الظهر، ساعة اقفال المكاتب. نحن في يوم الأربعاء، وعطلة نهاية الأسبوع عند المسلمين على وشك البدء. لن تفتح المحكمة أبوابها من جديد الا يوم السبت. فهمت أنهما قلقان أيضاً لرؤيتي أعود الى منزلي بعدما استمعا الي. واضاف محمد الغازي: لا مجال لعودتها الى منزلها. ومن يدري ما الذي قد يحل بها اذا تسكعت لوحدها في الشوارع. خطرت لعبدو فكرة: لماذا لا أبحث عن ملجأ تحت سقفه؟ لم يهضم بعد روايتي وهو على استعداد لفعل اي شيء لانتزاعي من براثن زوجي. غير انه سرعان ما سحب كلامه بعدما تذكر ان زوجته وأولاده ذهبوا الى الريف لبضعة أيام وأنه لوحده في المنزل. ولا يجب على المرأة، بحسب التقاليد الاسلامية، ان توجد وجهاً لوجه مع رجل من غير محارمها، اي ليس له رابط قربى مباشر بها.