أسدل الستار، ليلة السبت الماضي ، على الدورة ال16 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة التي نظمتها مؤسسة «روح فاس» من 4 إلى 12 يونيو الجاري. وقد نظمت الدورة ال16 للمهرجان التي افتتحتها صاحبة السمو الملكي الأميرة للاسلمى، تحت شعار «مدارج الكمال في تزكية النفس». وتم في إطار هذا المهرجان، الذي أكد مديره العام عبد الحق العزوزي أنه «يجسد الإرادة في إرساء الحوار وتكريس الاحترام المتبادل بين الحضارات والحفاظ على تنوع الأشخاص والثقافات»، والذي شارك فيه 750 فنانا من المغرب ومن مختلف دول العالم، تنظيم حوالي 60 حفلا غنائيا من بينها 30 حفلا لمطربين عالميين. وهكذا تظل مدينة فاس، يؤكد السيد محمد القباج رئيس مهرجان فاس للموسيقى الروحية، مركزا لتفاعل موسيقي واحتفالي «يشكل فيه البعد الروحي خيطا ناظما لحوار ثقافي حقيقي ومصدرا لتصور جديد للفن» . وقدم المهرجان، من خلال هذه الحفلات، الحضارات الكبرى لآسيا وإفريقيا والشرق والغرب، وفنونا تقليدية تشكل تراثا إنسانيا حقيقيا وكذا طقوسا وشعائر دينية، من خلال عروض فنية لفرق عالمية مرموقة كفرقة «الباليه الملكي» في الكومبودج التي أحيت حفل افتتاح المهرجان، وفرقة « أبناء الكوتيبياس» من معابد الهند، وفرقة الغناء الصوفي «متينديني موليد» من زنجبار، أو فرقة «بليند بويس أوف ألاباما « للغناء الإنجيلي لزنوج أمريكا الشمالية (الكوسبيل). وفضلا عن الديانات التوحيدية، قدم المهرجان معتقدات قديمة من خلال عروض وتعبيرات فنية لمجموعة «قارعي الطبول المقدسة» من بوروندي، ولمجموعة قارعي الطبلات التي هي سيدة الطقوس الاحتفالية بكوادالوبي في الكرايبي، والتي رافقت بإيقاعاتها الفنية مطربي الجاز دافيد موراي، وأرشي تشيب. كما شهد المهرجان تقديم إبداعات شعوب تقطن الجبال والشواطئ والصحاري من خلال حفلات موسيقية غنائية أقيمت في إطار «ليلة المدينة العتيقة» التي أقيمت بخمسة مواقع تاريخية بفاس، وأحيتها فرق من صحراء منغوليا (فرقة إيبي)، وجبال الأناضول مع جولاي هاثير توروك وفرقته، ومن نهر النيل مع فرقة «موسيقيي النيل «، وهي سهرات امتزج فيها المقدس بالاحتفالي. وألقى المهرجان كذلك الضوء على موسيقى الحواضر الكبرى، من كابول مع العازف على عود الربابة الأفغاني الشهير أستاذ غلام حسين إلى القسطنطينية. كما احتفى بمدينة القدس، مدينة الديانات الثلاثة مع الفنان جوردي سافال، و»فرقة بغداد القدس» لموسيقى التقليد اليهودي ببغداد.. وعكس المهرجان كذلك ضمن فقراته روح الشرق المتجسدة في المقدس من خلال أشكال فنية تستمد جوهرها من الدين ومن شعر الزهد، سواء مع المنشد الصوفي الإيراني شهرام ناظري رمز الغناء الكلاسيكي الفارسي، أو مع «فرقة الأصوات الكبرى» في مدينة حلب السورية، أو التونسي ظافر يوسف الذي كان مبتكر أشكال جديدة للغناء الصوفي وغيرهم. كما شكلت مجموعة من «الليالي الصوفية» إحدى فقرات مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة وأحيتها كل من فرقة ليلى رحمون البقالي الشفشاونية، والطريقة الجيلالية، والطريقة السحيمية، والجمعية الربانية الإسماعيلة للطريقة القادرية، والطريقة العيساوية بمكناس، والطريقة الصقلية، والطريقة التواتية الوزانية . وعلى صعيد آخر، تم في إطار المهرجان تنظيم لقاءات فكرية بعنوان «لقاءات فاس» شارك فيها أكثر من 70 مفكرا وفيلسوفا وخبيرا وأكاديميا من مختلف القارات، بحثوا على مدى خمسة أيام موضوع «سفر الروح .. من السر إلى الكشف»، باعتباره نوعا من البحث عن الذات والآخر، وعن الأشكال المتعددة والاستثناءات في الطبيعة وحياة الناس، وعلاقات هؤلاء بالأرض والسماء وبالفضاء والزمن. وقد بحث المشاركون في هذه اللقاءات الموضوع من خلال خمسة محاور رئيسية هي «السفر الداخلي»، و»السفر عبر الكتب المقدسة»، و»الحج»، و»الهجرة»، و»السفر الأسطوري». كما تم تنظيم مجموعة من المحاضرات التي ناقشت مواضيع « الذاكرة الانفعالية»، و»العزف على العود»، و»الغناء والطرب»، و»التخطيط وكيفية الاستلهام من التخطيط القديم «، و» السفر التلقيني والطوباوية الإيجابية»، و» فنون القرون الوسطى للإسلام والمسحية «، و» السفر التكويني للرسم»، فضلا عن قراءات شعرية . وتضمن المهرجان كذلك سفرا في قلب مدينة فاس العتيقة، من خلال ثلاث جولات نظمت لفائدة المشاركين وأتاحت لهم الفرصة للعودة إلى التاريخ في بحث عن أسرار وألغاز مدينة فاس العتيقة، حيث شملت هذه الجولات على التوالي القصور والدور الفخمة، والخزانات والمكتبات والمدارس العتيقة، والمواقع الخاصة بالحرف التقليدية . وعلى صعيد آخر، أقيم بالموازاة مع مهرجان الموسيقي العالمية العريقة مهرجان آخر أطلق عليه «مهرجان المدينة»، شارك فيه مطربون مغاربة وفرق غنائية محلية إلى جانب مطربين وفرق أجنبية ومن بينهم على الخصوص فرقة «جيل جيلالة «، وعائشة تاشنويت، ونجاة اعتابو، ومحمد رويشة، وعبد العزيز الستاتي.