توقيع إصداري «سيدنا قدر» و «مسك الليل» «سيدنا قدر» علامة فارقة في تاريخ المسرح المغربي ذكر الناقد عزالدين بونيت، أن النص المسرحي «سيدنا قدر» لمؤلفه محمد قاوتي، هو ثالث نص مطبوع للمؤلف، بعد مسرحية «الرينغ» و»نومانسلاند»، وينم هذا الكتاب الصادر عن المركز الدولي لدراسة الفرجة، عن دينامية جديدة في حركية نشر النصوص المسرحية التي سبق تشخيصها على الركح. وأضاف بونيت في حفل توقيع هذا الإصدار الجديد ضمن فعاليات المهرجان الوطني للمسرح بمكناس، أن المؤلف عضو فاعل في جمعية السلام البرنوصي بالدارالبيضاء، مؤثر في الحركة المسرحية المغربية، مناضل سياسي ونقابي، يدير التعاضدية الوطنية للفنانين، وهو كذلك شيوعي، بما يعنيه ذلك من إيمان بالإنسان وقدرته على الاستمرار في الحياة، وهو كذلك إعلامي ناجح، أنجز مجموعة من البرامج التربوية بالتلفزة المغربية، ويرأس حاليا مجلس إدارة جريدة البيان بحنكة، وبتحرر من القيود الحزبية الضيقة، وقبل هذا وذاك، هو شاعر زجال، ورجل حكاء، ينسج الحكاية بشكل رائق، سجل حضوره منذ خمس وثلاثين سنة، من خلال إبداع النص المسرحي «القرامطة يتمردون»، ليتوالى إنتاجه ضمن هذا الإطار: «الحلاج يصلب مرتين»، و»رحلة موح»، و»حب وتبن»، و»بوغابة»، إلى غير ذلك من الإنتاجات المسرحية التي جسدتها على الركح عدة فرق مسرحية. وأشار بونيت إلى أن هذا الإنتاج ينطوي في مجمله على محاورة التراث الإنساني. وأشاد بعدم انخراطه في حركية البيانات، حيث أن ذلك يعتبر مضيعة للوقت، الذي ينبغي استثماره في تطوير الإبداع المسرحي. وبخصوص الإصدار الأخير «سيدنا قدر»، أكد على أنه استنبات لمسرحية صمويل بيكيت «في انتظار غودو»، وأن هذه المسرحية المستنبتة تشكل علامة فارقة في تاريخ المسرح المغربي. وعرف الاسنتبات باعتباره منطقة وسطى بين الترجمة الحرفية والاقتباس، فالنص الأصلي حاضر بقوة، في تركيبته وبنائه الدرامي والملامح العامة للشخصيات والأحداث، وهو في نفس الوقت متواري عن النص الأصلي، من خلال الاعتماد على كتابة لغوية قوية، تدل على أنه نص مغربي غير مشكوك في أصالته. فالكتابة اللغوية للحوار، عنصر لافت، حيث الاجتهاد في صياغة لغة مسرحية جديدة، تقع بين الفصحى والدارجة النابعة من منطقة الشاوية. ومن بين الخصائص الأخرى لهذا النص المسرحي -يشير بونيت- التوجيهات الإخراجية، أو محددات سياق العرض المسرحي، والخضوع لدينامية جديدة للكتابة دون التخلي عن أفق العرض المسرحي؛ فهذه المحددات لا تقع في درجة الصفر للكتابة، أي تلك الكتابة المحايدة، بل هي تعد جزءا من النص الأدبي، إذ يحرص على صياغتها صياغة أدبية قوية. وتلا الكاتب المسرحي محمد قاوتي، الفصل الأخير من هذا الإصدار، لتعزيز ما تضمنته قراءة عزالدين بونيت، حيث بروز العناية بإدراج التوجيهات السياقية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من النص. وعبر عن سعادته بالشهادات التي ألقيت في حقه بهذه المناسبة،حيث اعتبرها عاملا محفزا على مواصلة الابداع واجتراح مغامرة النشر. مسك الليل: شاعرية العامية القحة تولى الناقد يونس الوليدي تقديم إصدار بوسلهام الضعيف «مسك الليل»، بنفس المناسبة، مذكرا بأن المؤلف له تجربة في عدة مجالات فنية: السينما، الدراما التلفزية، المسرح، القصة.. وأن هذه المجالات عندما تجتمع في شخص واحد وتتداخل في ما بينها؛ فإنها لابد أن تعطي إنتاجا جيدا. وأشار في مداخلته التي حملت عنوان «المخرج يكتب نصه»، إلى أن مسرحية «مسك الليل»، مضى على كتابتها عشر سنوات، غير أنها تظل محافظة على راهنيتها، باعتبار أنها ليست مرتبطة بفترة أو بحدث معين،بقدر ارتباطها بقضايا تهم الإنسان في كل زمان ومكان. وتحدث عن لغة هذا النص المسرحي، حيث اعتبرها مقلقة ومشوشة، وتتضمن شاعرية العامية القحة.كما أن مونولوغات هذا النص، تفصح عن الدواخل، دون انتظار جواب أو الدخول في حوار مع الآخرين. واعتبر نشر بوسلهام الضعيف لنصه المسرحي، بمثابة تأريخ لمرحلة من تجربته، معرضا بذلك نفسه للمساءلة، فضلا عن أن ذلك يشكل إضافة لبنة أخرى إلى تجاربه التي تحظى بالاحترام والتقدير. وبسخريته الذكية، علق المؤلف على ما قاله الوليدي في حقه، بأنه يشك في ما قاله، مثلما أنه يشك في ما يفعله هو نفسه، إيمانا منه بأن الاستقرار في الشيء، هو في حد ذاته إشكال عويص. واعتبر الحياة الحقيقية للنص المسرحي، هي مشاهدته على الخشبة،وليس قراءته في كتاب، الذي يظل مجرد صيغة لتوثيق ذاكرة وللتواصل مع جمهور مختلف. وذكر كذلك أن هذا النص، تحضر به عدة أشياء على مستوى المرجعيات، من هذه الأشياء: سنوات الرصاص، الأب الرمزي للمغاربة، التوترات القائمة في علاقتنا مع الماضي، وختم بالقول إن الاشتغال على الدارجة، يعد أمرا هاما؛ لأن هذه اللغة تعتبر تراثا علينا توظيفه في المسرح، مؤكدا في السياق نفسه على أن الدارجة ليست لغة للإضحاك، بل تنطوي على قدر كبير من الفلسفة والعمق. وقائع مثيرة في المهرجان *على غفلة على غير المتوقع، صعد العضو بالمكتب التنفيذي للنقابة المغربية لمحترفي المسرح الأستاذ عزالدين بونيت إلى خشبة مسرح دار الثقافة بمكناس، في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجمهور انطلاق العرض المسرحي «الحماق بعقلو»، وبسط تحت عينيه مجموعة من الأوراق وأخذ يتلو بصوت جهوري، ما يشبه البيان، حيث أكد على أن قرار مقاطعة المهرجان الذي دعت إليه بعض الهيئات، ومن ضمنها النقابة التي يتحمل مسؤولية بداخلها، ليس قرارا صائبا، على اعتبار أن المهرجان ليس منحة من لدن الوزارة، بل غنيمة حرب طويلة ضد الجهل ومكتسب للمسرحيين بفضل نضالهم، واسترسل بونيت في تلاوة بيانه الذي استغرق وقتا طويلا، إلى حد أن بعض المتفرجين الذين لا تهمهم الخلافات القائمة بين المسرحيين والوزراة الوصية على القطاع، أو بين المسرحيين فيما بينهم، عبروا عن انزعاجهم، وطالبوا صاحب البيان بالتوقف حالا، وهم يهتفون بأن هذا ليس مكان تلاوة البيانات والبلاغات، وبأن تصريف مشاكل المسرحيين يجب أن تتم داخل النقابة، وليس أمام جمهور أتى خصيصا لمشاهدة مسرحية، لكن قارئ البيان، أصر على إتمام قراءته حتى آخر حرف. * الوزير والكرسي المتحرك قام الفنان المسرحي المقتدر عبدالجبار الوزير بأداء دوره في مسرحية «الحماق بعقلو» وهو جالس على كرسي متحرك، وكان الجمهور يعتقد أن هذا الاكسسوار يدخل في صلب المسرحية، لكن تأكد خلال استعراض المشاركين في إبداع هذا العرض، أن عبدالجيار الوزير لا يقوى على الوقوف، حيث قام بتحية الجمهور ومغادرة الخشبة وهو جالس دائما على كرسيه المتحرك، وكانت لحظة مؤثرة جدا. *جبران وجبران في سياق عرضه المسرحي الموسوم ب»كرسي الاعتراف»، نسب الممثل عبدالحق الزروالي قولة «الجسد والروح عرضة للفناء»، للكاتب اللبناني جبران خليل جبران، وخلال الندوة التي عقدها لتقديم إصداره الجديد،الذي يشكل النص الكامل لعرضه المسرحي «كرسي الاعتراف»، لفت أحد الحاضرين الانتباه إلى أن تلك القولة نسبت خطأ إلى جبران خليل جبران، لأن هذا الكاتب معروف بأنه صوفي؛ فكان رد الزروالي على هذه «المحاكمة» أن ما يقصده ليس الكاتب اللبناني المعروف، بل أحد باعة الفحم الذي يدعى الهادي جبران. * اللي تلف يشد الأرض أثناء عرض مسرحية «اللي تلف يشد الأرض» لفرقة الأجيال المسرحية بفضاء الحبول بمكناس، صعدت إحدى النساء إلى الخشبة وهي في حالة توتر شديد، وأخذت تحتج على الفرقة المسرحية، لكونها لم تشركها في هذا العرض، وكان الجمهور الذي يعد بالمئات، يعتقد حتى ذلك الحين، أن هذا التدخل هو جزء من العرض، لكن سيتبين في ما بعد، أن المرأة كانت فعلا تحتج على الفرقة ولم تكن تمثل، حيث توقف العرض، إلى حين إبعاد هذه المرأة الغاضبة عن الركح.