المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب من خلال إسبانيا الرسمية وإسبانيا الواقعية 1906 – 1898
نشر في بيان اليوم يوم 05 - 08 - 2021

سنتناول في هذا العمل مواقف مختلف الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية الاسبانية تجاه المغرب عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وما كان لهذه المسألة من تأثير على القرارات الحكومية وردود فعل هيئات المجتمع المدني. كل ذلك لنسائل بعض الأطروحات التي لم تُولِ للمسألة المغربية الاهتمام المستحق معتبرة أنها شأن ثانوي ينساق بشكل عفوي مع تاريخ إسبانيا السياسي والاجتماعي المعاصر.
الحزب الليبرالي الإسباني
لم تكن مسألة الإصلاح في إسبانيا – خلال المرحلة التي نحن بصدد دراستها- تقتضي التخلص من الماضي؛ بل كانت بمثابة حافز يجعل الدولة تُعيد النظر في ما حدث لها في كوبا سنة 1898، حتى تتمكن من الوقوف على العراقيل التي حالت، ولازالت تحول، دون تقدم إسبانيا. وهي المسألة التي أثّرت في اللبراليين بشكل مباشر؛ إذ توجب عليهم التصدي لمختلف الاتهامات التي وجهت إليهم. فحسب ساگاسطا "Sagasta"، "كانت الدولة بصدد مواجهة معضلة كبيرة، إما الحرب بجميع نتائجها أو التعرض للذل والإهانة".
لم يكن تصريح رئيس الحكومة اللبرالية حول هزيمة 1898 مقنعا بالنسبة للمعارضة التي انتقدت بشدة واقع الحزب الليبرالي الذي كان يمر بأسوإ لحظاته التاريخية. فالضغوطات التي تعرض لها ساگاسطا وزملاؤه جعلته يتنازل عن السلطة.
شهد الحزب اللبرالي الإسباني في بداية القرن العشرين جملة من التغييرات المهمة؛ كما أن مواقف بعض أعضائه المتميزين على الساحة السياسية أمثال موريط، ومونتيرو ريوس "Montero Ríos"، وكناليخاس"Canalejas "، وڤيانويڤا "Villanueva"، ورومانونيس "Romanones" ورفائيل گاسيط "Rafael Gasset" أسهم في بروز توجهات مختلفة داخل الحزب. وبعد وفاة ساگاسطا تطورت الأوضاع بشكل واضح، إذ طفت على السطح بعض الخلافات التي تعود إلى النزاع حول رئاسة الحزب بين موريط ومونتيرو ريوس.
هيمنت الانشقاقات داخل الحزب الليبرالي خلال الفترة الممتدة ما بين يونيو 1905 ويناير 1910، إذ تشكلت خمس حكومات ليبرالية في غضون سنتين. وقد تكرر الوضع نفسه ما بين أكتوبر 1909 ويناير 1910. واقترح أعضاء بارزون في الحزب على الملك ألفونسو الثالث عشر عزل موريط وتعيين كناليخاس. وعموما فالظرفية التي أضحى يعيشها الحزب اللبرالي، أسهمت بشكل كبير في جزء من تلك التحولات التي عرفها المجتمع الإسباني.
جاء انتشار الوعي السياسي غير الرسمي في مختلف أنحاء البلاد، ليؤكد على الطابع الانتهازي والمتأصل لحكومة التناوب. وكان ذلك عندما قرر الحزبان المتناوبان على تسيير دواليب الدولة وإعادة النظر في مخططاتها. فالحزب اللبرالي مثلا قد تبنّى هذه المرّة برنامجا أكثر مرونة يوفّق فيه بين التقرب من تيارات اليسار التقدمي من جهة واليمين المحافظ من جهة ثانية، والذي يشاركه مهام التناوب الحكومي. فهو يراهن على إمكانية التواصل مع التكتلات اليسارية غير الملكية دون قطع العلاقات مع نظام التناوب الحكومي أو التقليل من الدور الوقائي للجيش. ويبدو إذن أن السياسة التي راهن عليها الليبراليون لا تقل دهاء عن غيرها، إلا أنها تفتقد الانسجام من خلال تلك الخلافات الحاصلة بين أهم أعضاء الحزب.
2-1 – الليبراليون والقضية المغربية
تقلّد ساگاسطا زعيم الحزب الليبرالي من جديد في شهر مارس 1901 رئاسة الحكومة الإسبانية. فعين الدوق المودوڤار "Duque de Almodóvar" وزيرا للدولة في الخارجية. وبعد خمسة أشهر من تشكيل هذه الحكومة اللبرالية الجديدة نشر زعيم الحزب المحافظ فرانثيسكو سيلفيلا Francisco Silvela" مقالا في إحدى المجلات تحت عنوان: "القضية المغربية" "La Cuestión de Marruecos" عالج فيه تدخل إسبانيا في الشؤون المغربية بطريقة مثيرة للجدل في أوساط الرأي العام الإسباني. ولم تمر إلاّ لحظات على نشر هذا المقال حتّى جاء الرد على لسان وزير الدولة في الخارجية، الدوق المودوڤار الذي عبر عن رفضه للموقف المحافظ بخصوص قضية المغرب معتبرا أن "المقال افتقد إلى المصداقية؛ وصاحبه يطمح إلى وضع الليبراليين أمام التزام حقيقي ومعقد تجاه الدولة".
وتلقى الليبراليون سنة 1901 أولى العروض المتعلقة بتقسيم المغرب من فرنسا. وقد كان للمراسلات المتبادلة ما بين وزير الدولة في الخارجية وسفيره في باريس دور كبير في التخفيف من حدة الاكتئاب الذي خلفته هزيمة 1898، عن طريق التخطيط لمشروع استعماري جديد في الضفة المقابلة لمضيق جبل طارق. وأولى هذه المراسلات هي التي بعث بها سفير إسبانيا في باريس فرناندو ليون إكاستيو "Fernando León y Castillo" إلى وزير الدولة الإسباني، يخبره فيها بأن الحكومة الفرنسية مستعدة للتعامل حصريا مع إسبانيا بخصوص تقسيم محتمل للمغرب. وقد أدلى السفير الإسباني في هذا الصدد بالتصريح التالي: "إن الحكومة الفرنسية وباتفاق مع الصحافة والرأي العام لديها اقتناع بأنها ستهيمن على شمال إفريقيا وأن سيطرتها لا يمكن مقارنتها بأية وضعية أخرى، وسيكون ذلك بالحرص على حقوق إسبانيا في النسق السياسي والجغرافي والتاريخي مع ضرورة التنسيق والتعاون أثناء تعامل أمتنا مع تلك الجمهورية".
كان الليبراليون على وعي تام بما قد يثيره العرض الفرنسي فيما يخص مسألة تقسيم المغرب من انعكاسات جد وخيمة. لذلك فضلوا تناول هذه المسألة بشكل عقلاني قبل الخوض في أية مغامرة استعمارية. أما وزير الدولة الدوق المودوڤار فقد أدلى في أكثر من تصريح بأن حكومته مطالبة بحل مشاكلها الداخلية قبل الاستعداد لأي مشروع توسعي، وأنه "يجب أن نهتم أولا بإعادة بناء اقتصادنا وعتادنا العسكري حتى نقوم بمشروع استعماري في ظروف جيدة".
إن العرض الذي قدمته فرنسا لإسبانيا بخصوص تقسيم المغرب كان مغريا للغاية. وقد أبلغ ليون إكاستيو حكومته بموافقته على ما اقترحته فرنسا، محذّرا إياها من النتائج التي قد تترتب عن رفضه.
وكانت الحكومة الليبرالية على وعي بالتوتر الدولي الذي أثارته القضية المغربية، فاتفاق محتمل بخصوص التقسيم يمكن أن تترتب عنه ردود فعل قوية من طرف قوى أوروبية أخرى لديها مصالح في المغرب. وقد دفعت الظرفية السائدة بالوزير المودوڤار، إلى مراسلة سفير إسبانيا في باريس ليبدي موافقته على مشروع التقسيم مع فرنسا، شريطة ضمان الأمن والتصدي لأية ضغوطات أو تهديدات أجنبية. وقد عبر عن ذلك قائلا: "يصعب على إسبانيا إفشال مخططات فرنسا ومنعها من الحصول على فوائد أو أراضي في المغرب. وسيتم منعها بالتأكيد، ليس فقط لمعارضة الجمهورية الجارة أو الحيلولة دون تقدمها؛ بل أيضا لتجنب قوات أخرى تطالب بتعويضات وتبحث عنها بالتحديد في الأقاليم التي تعتقد إسبانيا بأن لها الحق في امتلاكها […] ثم إن العلاقات المعقدة بين المسألة المغربية والتوازن في البحر المتوسط جعلت منطقتنا مركزا لكل تلك الأطماع، لهذا أبدت إسبانيا تخوفها من الخطر الذي يهددها في حال عدم الاعتراف بمصالحها نتيجة التصرف الذي تبنته فرنسا".
عموما فتخوف الحكومة الليبرالية من صراع دولي بخصوص قضية تقسيم المغرب خفف من حدته ذلك الاقتراح الفرنسي الطموح؛ حيث طلب وزير الدولة الإسباني من نظيره الفرنسي الأخذ بعين الاعتبار الاقتراح الأول والسماح لإسبانيا بأن تستولي على منطقة جد شاسعة. واشترط المودوڤار أيضا أنه لتوقيع المعاهدة مع فرنسا يجب أن تحتل إسبانيا الأقاليم المغربية التالية: "مجرى نهر أم الربيع انطلاقا من مصبه في الأطلس حتى مدخله إلى قبائل بني مخيلد، كلها تبقى تابعة لمنطقتنا؛ بالإضافة إلى قبائل ايت يوسي الممتدة على طول نهر ملوية حتى مصبه في البحر المتوسط، ويبقي من نصيب إسبانيا كذلك: فاس ومكناس وإقليم الشاوية، وأما فرنسا فسيكون من نصيبها مراكش وتافيلالت، وإقليم عبدة ودكالة والإقليم الشاسع ما بين ملوية والحدود الجزائرية".
نجحت الحكومة اللبرالية الإسبانية في الضغط على نظيرتها الفرنسية. والتي أبدت استعدادها لتعديل عرضها الأول والتنازل عن جزء أكبر مما طالبت به إسبانيا في دجنبر من سنة 1901. ففي المراسلة التي بعث بها ليون إكاستيو إلى وزيره في الدولة، أبلغه فيها بأن "ديلكاسي Delcassé أظهر شخصيا رغبته في التوصل إلى حل مع إسبانيا بخصوص قضية المغرب مثله مثل أعضائه في مجلس الوزراء الذين تقبلوا بدورهم تعديل الاقتراحات السابقة، موافقين على أن تكون مدينة فاس داخل منطقة نفوذنا وكذا كل المجال الممتد بينها وبين المنطقة الفرنسية".
كانت المعاهدة الإسبانية الفرنسية المتعلقة بتقسيم المغرب جاهزة في نونبر سنة 1902، ولا ينقصها إلاّ ترخيص وزارة الدولة الإسبانية لتدخل حيز التطبيق. لكن بوصول المحافظين في دجنبر من السنة نفسها إلى الحكم، تم تبني موقف مخالف بشأن ما يتعلق بالمسألة المغربية، إذ رفض كل من رئيس الحكومة الجديدة ووزير الدولة في الخارجية توقيع المعاهدة مع فرنسا محاولين بذلك عرقلة مخططات السياسة الليبرالية. وقد أثارت أسباب رفض توقيع معاهدة 1902 جدلا كبيرا بين سياسيي المرحلة. فالليبراليون لم يترددوا في انتقاد الموقف المتهاون واللامسؤول الذي تبناه المحافظون تجاه هذه المسألة، إذ طلب الدوق المودوڤار توضيحات حول رفض الرئيس المحافظ لتلك المعاهدة. كما انتقد في إحدى الرسائل المتبادلة مع زعيم الحزب المحافظ، فرانثيسكو سِلْڤِيلا "Francisco Silvela" عدم توقيعه للمعاهدة مع فرنسا بعد أن كان مدعوما من طرف منبر المعارضة. ثم إن عدم ثقة الرئيس المحافظ بنفسه وخوفه وعدم درايته بالتقسيم المتنازع عليه جعلهم يضيعون فرصة لا تعوض، وهو ما علق عليه الدوق المودوڤار قائلا: "الدعم الدبلوماسي الفرنسي لم يبْدُ لسيادتكم كافيا لضمان اتفاق مؤكد. أنا لم أطلب أكثر ولم أوافق أبدا على أمور من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة محتملة الوقوع. ثم إن الحكومة الليبرالية التي انتميت إليها رفضت بشكل قطعي حل القضايا المتعلقة بامتداد نفوذنا الشرعي في المغرب بطرق غير دبلوماسية".
عموما يمكن القول، إن الحزب الليبرالي سيّس بشكل كبير مشروع معاهدة 1902 غير الموقعة. وقد يكون من السذاجة اعتقاد أن انتقادات المودوڤار لرئيس الحكومة المحافظة كانت تستجيب لغيرته الوطنية فقط. واستغل الليبراليون رفض المحافظين لذلك المشروع لشن حملة معارضة ضد الحكومة. وبهذه الطريقة فقط سينجحون في البرهنة على تفوقهم أمام منافسيهم لتولي السلطة. إن الكلمات التي وجّهها المودوڤار إلى سيلفيلا كانت كفيلة بأن تفسر لنا خصوصية هذا السياق: "بينما حضراتكم لم تكسبوا الثقة في قدراتكم الخاصة بدون سبب يذكر، فقط لمجرد أنكم ضعفاء نحن على الرغم من ذلك خضنا تجربة سياسية نشيطة، كل واحد حسب طاقاته وقدراته الاستيعابية، وهو بالنسبة إلينا إنجاز حقيقي بدل التأسف على إخفاقات الشعب".
طغت الديماغوجية خلال العقد الأول من القرن العشرين على مواقف الحزب الليبرالي تجاه المسألة المغربية. واستغل نواب ومستشارو الحزب منابر البرلمان للتعبير عن اقتراحاتهم السياسية، بحيث خصصوا ما بين نونبر 1903 ومارس 1904، خطابا أكدوا من خلاله على اهتمام الرأي العام الإسباني بقضية المغرب، قصد الضغط على الحكومة المحافظة من أجل إقناع كل القوى الأوروبية بضرورة الاعتراف "بحقوق إسبانيا في المغرب".
وتساءل الدوق المودوڤار في 24 نونبر سنة 1903 في أحد مقاعد المعارضة "حول ما إذا قام المحافظون بجميع التدابير اللازمة حتى تبقى المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية لإسبانيا في المملكة المغربية سليمة بشكل كلي"، واتهم الماركيز ڤيانويڤا "El Marqués de Villanueva" في 16 دجنبر من السنة نفسها، الحكومة بالتهاون بخصوص التدابير المخصصة لمدينة مليلية. كما حذّرها أيضا من رداءة النظام الإداري والعسكري بتلك المدينة والذي سيهدد بما لا شك فيه مكانة إسبانيا وسيؤثر على مخططاتها التوسعية في المغرب.
إن مداخلات عضوي الحزب الليبرالي تشترك في نقطة واحدة ألا وهي معارضة السياسة المحافظة بخصوص القضايا ذات الصبغة الدولية عامة، وقضية المغرب على وجه الخصوص.
ترتب عن خيبة الأمل التي سببتها الاتفاقية غير المبرمة سنة 1902 خوف كبير من أن تخطط القوى الكبرى لاتفاقية أخرى بخصوص المغرب، دون أدنى اعتبار لإسبانيا. ففي 21 مارس من سنة 1904 انبعثت من مجلس الشيوخ أولى أصوات الاحتجاج، وكان ذلك عندما أدلى مونتيرو ريوس "Montero Ríos" في أحد تصريحاته بأن هناك إشاعات حول إبرام بعض الاتفاقيات بين فرنسا وبريطانيا العظمى. وأن نفس الإشاعات لم تستبعد إمكانية حدوث اتفاق بين حكومتي لندن وباريس حول مسألة المغرب. وتساءل السيناطوراللبرالي عمّا إذا "تأكدت الحكومة من ذلك الخبر بخصوص تلك الاتفاقية".
وقعت كل من فرنسا وانجلترا في 8 أبريل 1904 المعاهدة المتعلقة بمصير المغرب ومصر. وتحول هذا الحدث إلى قضية الساعة الأكثر تداولا بين أعضاء الحزب الليبرالي الإسباني. فمن منصة مجلس النواب تصاعدت أصوات المعارضة الليبرالية فاتهم الكونت رومانونيس "Conde de Romanones" الحكومة بأنها لم تتصرف حيال المعاهدة الفرنسية-الإنجليزية. وأدلى الكونت رومانونيس بالتصريح التالي: "نفى السيد وزير الدولة بأن تكون هناك مفاوضات بين فرنسا وانجلترا من شأنها أن تؤدّي الى معاهدة. وبالفعل، بعد مرور ثمانية أيام عن تلك المعاهدة المكشوفة على لسان السيّد رودريگيث سان بيدرو "Rodriguez San Pedro" توجت المفاوضات حول المغرب بتوقيع اتفاق أثار حيرة واستغراب الجميع".
واعتبر الكونت رومانونيس في السياق نفسه أن الاتفاق الفرنسي-الإنجليزي ترتب عن الوضع المتردي الذي اتسمت به العلاقات بين فرنسا وإسبانيا منذ فشل مفاوضات 1902، مذكّرا وزير الدولة المحافظ بالمسؤولية التي يتحملها حزبه بخصوص تلك المسألة ومؤكدا أنه "إذا تم التأكد من الخبر الذي جاء على لسان السيد وزير الدولة فيما يتعلق بتلك المفاوضات حول المغرب، سنكون للأسف في وضعية تختلف عن التي نعيشها اليوم. ولو استمرت الحكومة المحافظة في المفاوضات التي بدأتها الحكومة الليبيرالية، لكانت قد انتهت منذ مدة، ولما وصلنا إلى هذا الوضع الحزين ولسبقت المعاهدة الإسبانية -الفرنسية، نظيرتها الفرنسية-الإنجليزية".
أثارت معاهدة ثامن (08) أبريل 1904 حملة من الانتقادات تزعمتها مجموعة من النواب البرلمانيين اللبراليين. ففي جلسة سادس (06) يونيو، خصّص ڤيانويڤا " Villanueva" مداخلته لإدانة التصرف اللامسؤول للمجلس التنفيذي الإسباني. فحسب رأيه، اعتقدت الحكومة المحافظة أن القضية المغربية، لن تعالج بدون تدخل إسبانيا، فدعّم أعضاؤها هذه الفكرة ضد كل الشكاوى ومطالب المعارضة؛ لكن صدمتها كانت كبيرة ومؤلمة. وأكد النائب الليبرالي أن المهتمين بالحياة السياسية الإسبانية، وخصوصا منهم أعضاء الحكومة المحافظة، كلهم مطالبون بمساءلة ضمائرهم، بحيث علّق على ذلك قائلا: "اليوم نعيش أحداثا واتفاقيات تحتّم على إسبانيا امتحان ضميرها، بطريقة أو بأخرى. إن التذمر بعد فوات الأوان لا يفيد في شيء، لذلك يجب على الحكومة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاقية ترضي التطلعات الوطنية والتي من شأنها أن تثير شغفا واعتزازا باعتبارها تعالج جميع مشاكل الأمة الإسبانية".
في ثالث (03) أكتوبر من سنة 1904 وقع كل من سفير إسبانيا في باريس ليون إكاستيو، ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي ديلكسي "Delcassé " الاتفاقية المتعلقة بالمغرب. وقد أثار توقيع الاتفاقية الفرنسية-الإسبانية إحساسا ممزوجا بالأمل والقلق. ولقي هذا الإنجاز استحسانا من طرف المعارضة، التي طالبت الحكومة بإيضاحات في شأن بنود تلك الاتفاقية. وهو ما دفع ببعض الليبراليين إلى تقديم اقتراحات جديدة تخص تطلعات إسبانيا في المغرب. واستغل النائب البرلماني مركيس دي ڤيانويڤا "Marques de Villanueva" جلسة ثامن (08) أكتوبر للتساؤل حول النظام الذي ستتبناه إسبانيا عند توغلها في المغرب. وخلاصة القول، إن تساؤل مركيس دي ڤيانويڤا لا يعكس في واقع الأمر سوى مدى اهتمام الحزب الليبرالي بالمخططات التي يجب نهجها للتدخل في المغرب واحتلال أراضيه.
بقلم: د. يوسف أكمير
باحث في تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية
وأستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر/ أكادير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.