وزير الثقافة يهاجم قرار مقاطعة المهرجان ويتهم أصحابه باستعباد الناس حميش في كلمة الافتتاح: علينا أن نتصارح لكي نتصالح أتى وزير الثقافة بنسالم حميش مسلحا بالعديد من الأقوال المأثورة والأشعار، للرد على المسرحيين الذين اتخذوا قرار مقاطعة الدورة الحالية للمهرجان الوطني للمسرح، احتجاجا على «تراجع المكتسبات الخاصة بالدعم المسرحي، وإغلاق الوزارة لباب الحوار واستمرارها في غض الطرف عن القضايا الجوهرية المرتبطة بالتدبير السيئ والفاشل وغياب مشروع ثقافي حقيقي..». واعترف الوزير خلال حفل افتتاح هذه التظاهرة الفنية التي تحتضنها مدينة مكناس، خلال الفترة الممتدة من خامس عشر إلى ثاني وعشرين يونيو الجاري؛ بأنه لا يعرف السبب الكامن وراء مقاطعة المهرجان من قبل مجموعة من الفرق المسرحية، بالرغم من أن عروضها حظيت بدعم الإنتاج والترويج، وأضاف قائلا: «كيفما كان الحال؛ فإن أبواب الوزارة مشرعة لمن يريد الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، وأنه علينا أن نتصارح لكي نتصالح..»، غير أنه استعمل بعض العبارات القاسية في حق الهيئات التي تؤطر المسرحيين والتي دعت إلى مقاطعة هذا الملتقى السنوي، والمتمثلة في النقابة المغربية لمحترفي المسرح وجمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ومنسقية الفرق المسرحية الوطنية، حيث اتهمها بممارسة «الاستعباد»، من خلال استحضاره لقولة الصحابي الجليل عمر ابن الخطاب: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وأعقب ذلك بالقول إن «الحرية هي كل شيء، فهي صنو الإبداع، ولا إبداع لمن لا حرية له.. وتجوع الحرة ولا تأكل بثديها»، إلى غير ذلك من الأقوال المأثورة التي تسلح بها الوزير، للرد على الهيئات الداعية إلى المقاطعة. ولم يفته التذكير بأن وزارته «لا تصنع الثقافة ولا تبدعها، وأنه من غير المعقول محاكمة الوزارة كلما كانت هناك أزمة مناخ ثقافي، على اعتبار أن وظيفتها تكمن بصفة أساسية في التحفيز والمصاحبة والتشجيع وتحقيق مجموعة من المكتسبات، من قبيل: بطاقة الفنان، تقديم الدعم المالي للتعاضدية الوطنية للفنانين، وللإنتاج الغنائي، وتخفيض الضرائب الجمركية لفائدة اللوحات الزيتية، وتوفير الشروط المالية واللوجستيكية للمشاركين في المهرجان المسرحي. بالموازاة مع كلمة الوزير، قام بعض الشبان بحمل لافتة، تشير إلى أن الجمهور المكناسي، ضد مقاطعة المهرجان، دون أن يتعرض حاملو هذه اللافتة إلى أي اصطدام مع أي جهة كيفما كانت، وهو ما ينم عن الوعي بحرية التعبير وإبداء الرأي، مهما كان مخالفا. وتلا رئيس الجماعة الحضرية لمكناس، محمد هلال، كلمة بنفس المناسبة، أشار فيها إلى أن «الفن يعد مكونا أساسيا من مكونات التنمية البشرية، وأن هذا المهرجان، حدث ثقافي شديد التميز، لأنه يساعد على الوقوف عند تجارب مسرحية محترفة، واكتشاف ظواهرها؛ فالمسرح، فن تعبيري متكامل، يقدم خدمات كبيرة للإنسانية جمعاء، باعتباره أداة للحوار والإصلاح كذلك..». وشهد حفل الافتتاح كذلك، تكريم علمين بارزين من أعلام المسرح المغربي: خديجة جمال وعبد اللطيف هلال، حيث قدمت لهما عدة هدايا رمزية، وتليت في حقهما شهادات مؤثرة، استحضرت المسار الطويل والغني، الذي قطعاه في مجال المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، حيث ساهما في رفع شأن التمثيل، من خلال أدائهما لعدة أدوار صعبة ومركبة، بكل صدق وتفان في العمل، وتفاعل هذان الفنانان مع الشهادات التي تليت في حقهما، حيث عبرا عن شعورهما بالابتهاج، وأن «هذا التكريم هو بمثابة تكليف وتشريف في الآن نفسه، وهو ما يحتم عليهما مواصلة رسالتهما الفنية، لبلوغ المكانة التي يطمحان إليها، بما يرضيهما ويرضي الجمهور، وعيا بأن العلاقة بين الفنان والمتلقي، تعد علاقة جدلية، فهي عقد غير مكتوب، يلزم الأول بأن يكون صادقا في أدائه، ويدفع الثاني إلى المواكبة والتشجيع، كما لم يفتهما توجيه الشكر إلى من أخذوا بأيديهما وساعدوهما على صقل موهبتهما وعلموهما كيف يحبان ما يعملانه». وتم اختتام هذا الحفل، بتقديم عرض مسرحي للفنان عبدالحق الزروالي، يحمل عنوان «كرسي الاعتراف»، مع العلم بأن هذا العرض لم يكن مبرمجا، لكن ظروف المقاطعة، حتمت على المنظمين برمجته، وهو يدخل في خانة ما يعرف بالمسرح الفردي، وقد كان عبارة من مناجاة وتعبير عن الحنين لأمجاد الماضي، والتأسي على ما آل إليه الحال، حيث انتشار القيم الفاسدة، وفقدان الأمل في السلام، والسأم من الشعارات والخطب، وحيث لا يفتأ البطل يذكر أنه جسد مفكك الأطراف، وأنه صوت مبحوح وغريق بلا مجداف ولا أكتاف تسنده، وأن الشيء الوحيد الذي يعينه على مواصلة العيش، هو الصبر والقدرة على التحمل. وبالنظر إلى أن هذه المناجاة الطويلة التي تتم في ليل رتيب، فكان البطل، يلجأ من حين لآخر إلى تكسير الإيقاع، من خلال أداء مقاطع غنائية، والتفاعل مع أصوات خارجية، سواء كانت بشرية أو حيوانية، والتواصل مع الجمهور، وإن كان هذا الفعل الأخير، يدفعه إلى الخروج عن النص. وقد كان اللباس الذي وضع لصاحب هذه المناجاة، موفقا إلى حد ما، حيث تم الحرص على أن يكون مهلهلا، بشكل يتناسب مع وضعه النفسي المتأزم، وطبعا فإن السينوغرافيا، ظلت ثابتة، على اعتبار أن الفصل المسرحي تدور وقائعه في فضاء بعينه، لم يبرحه البطل طيلة المدة الزمنية للمسرحية، هناك كرسي شبيه بمنبر، وهو ما أسماه المؤلف بكرسي الاعتراف، وإلى جانبه طاولة واطئة، عليها دمى ترمز إلى شخصيات ذات وقع مؤثر في حياة البطل، من هذه الشخصيات: والده الذي يعد قدوة بالنسبة إليه في النضال والشجاعة، متأسفا على أنه لم ينل ما يستحقه من التقدير، وإلى جانبه، هناك أحلام، حبيبته التي فاقمت معاناته من الأزمة النفسية، بسبب غيابها وابتعادها عنه، إلى حد لم يعد متسع من الصبر. وبشكل مواز مع هذه الدورة، يقام معرض للملصقات الخاصة بالعروض المسرحية، التي قدمت على امتداد تاريخ المسرح المغربي، وعيا بأن الملصق، هو شهادة توثيقية، تؤرخ لمرحلة معينة من التطور المسرحي ببلادنا، باعتبارها تحتوي على عدة معلومات تخص صانعي الفرجة المسرحية، إلى جانب تعابير فنية توضيحية، تجعل من الملصق يستقل بخصوصيته الإبداعية. كواليس - اعتصم مجموعة من سكان الأحياء الشعبية لمدينة مكناس، أمام مدخل دار الثقافة،في انتظار خروج رئيس الجماعة الحضرية محمد هلال، حيث رفعوا شعارات مطالبة بضرورة تزفيت أحيائهم. - أثناء إلقاء وزير الثقافة لكلمته الافتتاحية للمهرجان، نسب قولة مأثورة لعلي ابن أبي طالب، فتعالت صيحات الجمهور، لتنبيهه إلى أن صاحب القولة، هو عمر ابن الخطاب وليس علي ابن أبي طالب كرم الله الوجه، وانصرف الوزير، ثم رجع بعد حين، ليعترف بخطإه. - أثناء حفل العشاء، ساد موضوع قرار المقاطعة على مجمل المناقشات، وتساءل البعض حول ما إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى من وسائل الاحتجاج، وهناك من ذهب إلى القول إنه كان من الأفضل لو تم الاكتفاء بحمل الشارة الحمراء، وتأكيد الحضور فوق الركح.