إقليم قلعة السراغنة، وتبعا للمعطيات الديموغرافية، هو مجال قروي بامتياز. وهو أيضا، وعلى الرغم من كونه يحتل موقعا استراتيجيا وسط البلاد، على المحور الطرقي مراكش-فاس، ظل، لسنوات طوال، عرضة للإقصاء والتهميش، بحكم تموقعه داخل خارطة المغرب غير النافع، كما رسمها الاستعمار. ولهذا، كان لزاما أن تبقى، إلى يومنا هذا، رواسب التخلف المادي والمعنوي عالقة به. مما لا شك فيه، هناك عوامل ذاتية أجلت انعتاق الإقليم من هذه الرواسب البغيضة، وعلى رأسها نفور عامة الناس بالبادية المغربية، على عهد الاستعمار، من المدرسة التي كان ينظر إليها، آنذاك، كآلية لتسهيل التغلغل الأوروبي، النصراني في المجتمع المغربي المسلم، المتشبت بحفظ القرآن، وتبجيل الفقهاء.إلا أنه،ومع مطلع الاستقلال، بدأ الانفتاح التدريجي على التعليم العصري. لكن حظ الإقليم، بدواويره ومداشره، لم يصل إلى المستوى المطلوب، في عمليتي تشييد المدارس، وتعيين المدرسين الأكفاء، كما حصل، بالمدن والقرى المغربية الأخرى. مما يفسر أن نسبة التمدرس لم ترق إلى ما كان مطلوبا، وما جعل كنتيجة حتمية، أكثر من نصف الجيل الأول للاستقلال من الذكور يكبر ويترعرع في ظلمة الأمية والجهل. أما عن الإناث، فالطامة كانت أكبر. نعم، لقد بذلت الدولة، وخصوصا مع حدث وصول المعارضة إلى سدة التدبير الحكومي، مجهودات مالية كبيرة لتدارك النقص الحاصل في المقاعد المخصصة للأطفال في سن التمدرس من الجنسين. كما فتح القطاع في وجه الراغبين في الاستثمار في هذا المشروع المجتمعي بإعطائهم تحفيزات استثمارية وضريبية. وفعلا، وفي ظرف وجيز، ارتفع عدد الأطفال الممدرسين في صفوف الذكور والإناث ولو بنسب متفاوتة. إقليميا، كانت هناك بعض بوادر النجاح لهذه السياسة الجديدة الهادفة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجيال المستقبل حتى لا تبقى خارج الحضارة الإنسانية التي وصلت إلى حد الثورة الرقمية. لكن هذه السياسة، وللأسف الشديد، لم تفلت بدورها من الإخفاق، بفعل العشوائية في تدبير بعض الملفات المرتبطة بالقطاع. وبالنظر حاليا إلى الميزانية الضخمة المرصودة للتربية والتكوين، مقابل الأعداد الهائلة من التلاميذ، دون السادسة عشر التي تنقطع عن التحصيل، لا محيد للكلام عن الهدر المهول للإمكانات المالية التي تخصص للعالم القروي، ولا آثار هذه الظاهرة الخطيرة التي تضرب في الصميم مستوى التنمية في المغرب ككل، بحكم أن نسبة التمدرس تعتبر إحدى المؤشرات الأساسية لتقدم الشعوب. الشيء الذي يبرر ما اتخذه إلى حد الآن، من إجراءات لإيقاف هذا النزيف، في إطار البرنامج الاستعجالي لإنقاذ منظومة التربية والتكوين بالمجال القروي. وفي هذا السياق بالذات تدخل اتفاقية الشراكة الأخيرة المبرمة بين الوزارة المعنية بالقطاع، ممثلة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمراكش تانسيفت الحوز والمجلس الإقليمي للسراغنة. ومن الأهداف المعلنة لهذه المبادرة،في سياق الحرب على الهدر المدرسي بالمجال القروي، توفير النقل بالحافلات من الدوار إلى الثانوية الإعدادية أو التأهيلية بالنسبة للمسافات التي تتعدى ست كيلومترات ولا تتجاوز العشرين. المشروع الذي سينطلق، فعليا، مع بداية الموسم الدراسي القادم، يروم وضع قرابة 32 حافلة صغيرة (minibus) رهن إشارة تلاميذ الثانويات بمختلف جماعات الإقليم القروية. وسيمول في حدود 50% لكل طرف. كما أن عمالة الإقليم، بوصفها وصية، ستحث الجماعات المعنية على المساهمة في هذا المشروع الرائد بعد أن تتكثل في مجموعات متقاربة جغرافيا، وذلك بتوفير ميزانية خاصة بالمحروقات والصيانة والمستخدمين. للإشارة، لقد حددت مسبقا الخطوط المخصصة لكل حافلة، كما صودق بالاجتماع على الاتفاقية، والكل ينتظر الانطلاقة. ولاشك أن استفادة حوالي 2100 تلميذ بينهم 1000 من الإناث ستعطيها دفعة قوية للحد من ظاهرة الهدر المدرسي بالمجال القروي. لكن ما يثير الانتباه، أن المستفيدين من بعض الامتيازات بالإقليم، وعلى رأسهم، أصحاب المقالع الذين يحققون مداخيل سنوية تقدر بملايير السنتيمات لم ينخرطوا في هذا العمل التنموي. إن بناء مدرسة لا يقل أجرا عن تشييد مسجد وتأثيته، خصوصا في بلد يوجد في حرب متواصلة ضد الجهل والأمية والفقر، الركائز الأساسية للتخلف والجريمة وتبعاتهم بالنسبة للمجتمع. الساكنة تطالب بتطبيق القانون على الجميع.. هل تحول المجلس البلدي بمدينة قلعة السراغنة إلى مرفق عمومي يوفر الغطاء للخارجين عن القانون؟ هذا هو السؤال العريض الذي أصبح الشارع المحلي يردده بمرارة هذه الأيام. الأمر يتعلق، كما جاء على لسان ساكنة حي الهناء 2، بوحدة صناعية للأكياس البلاستيكية، أقامها صاحبها في منطقة سكنية بمحل اكتراه، أصلا، بغرض التجارة في العقاقير ومواد البناء. لكن رئيس المجلس الذي يعرف جيدا صاحبها لا يريد الالتزام بالجدية في تعامله مع هذا الملف رغم شكايات المتضررين. الوحدة التي تستعمل آلات تعمل بالطاقة الكهربائية ذات الضغط العالي ومواد أولية من أصل بترولي أصبحت تقلق راحة الساكنة بفعل الضجيج المروع، أحيانا بالليل. ثم، وهذا وارد أيضا،هناك أخطار تحدق بصحة الناس بسبب تلوث الهواء. مما دفع بقاطني الحي إلى رفع شكايات في الموضوع إلى المجلس بوصفه السلطة المؤهلة لإصدار قرار الإغلاق. لكن لا شيء قد حدث إلى أن تدخلت السلطات العاملية بحيث عملت على استصدار قرار جماعي بإغلاق المعمل وتنفيذه لاحقا بتاريخ 2011/5/6 من طرف السلطات المحلية. لو انتهى الأمر هنا، لطوي هذا الملف المزعج للجميع. لكن صاحب هذه الوحدة التحويلية المقرب من المجلس، كما يقال، قام برفع الأختام واستأنف نشاطه الصناعي، وكأن شيئا لم يحدث. ولولا تدخل السلطات العمومية ثانية، لتطورت الأمور إلى انتفاضة للساكنة ضد هذا التسيب ومن يدعمه من داخل المجلس. المهم، لقد أغلق المعمل مجددا. لكن لا أحد يعرف هل لعبة الفأر والقط هذه قد انتهت فعلا أم أن هناك حلقات أخرى قد تكون مبرمجة من طرف السيد رئيس المجلس البلدي، خصوصا أن الوقت قد حان لتحريك عجلة المحسوبية والزبونية بعد أن راج الحديث عن عزم المغرب حل كل المجالس وإعادة انتخابها، استجابة للرغبة الوطنية في القطع مع جميع الكائنات التمثيلية الفاسدة والمفسدة.