شخص محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أعطاب الحكومة الحالية في وصفها بأنها "حكومة متأخرة".. حيث قال إنها تترنح على وضع الصراع الداخلي بين مكوناتها وعرقلة الإصلاح وتأخيره ورهن البلاد وسط زوبعة من المواجهة بين قوى الأغلبية فيما بينها. وقال بنعبد الله، الذي حل ضيفا على مؤسسة الفقيه التطواني أول أمس الاثنين، في إطار سلسلة حلقات حديث رمضان التي تنظمها المؤسسة مع زعماء الأحزاب السياسية، إن الحكومة الحالية هي الأضعف في تاريخ المغرب، وأن حضورها السياسي منذ نشأتها ظل باهتا، كما طغى عليها الضعف التواصلي، وعدم قدرتها على إقناع الشعب المغربي بأي شيء، بالإضافة إلى وصفه لها بكونها "حكومة متأخرة". هذه الأعطاب، حددها بنعبد الله في الفراغ الذي عرفته الساحة السياسة منذ تشكيل الحكومة الحالية، وفي قانون المالية الحالي لسنة 2021 الذي وصفه بالضعيف والمحتشم، مبرزا أنه لا يسير في اتجاه خطة الإقلاع التي دعا لها جلالة الملك والتي رصد لها أزيد من 120 مليار درهم. وأكد بنعبد الله، في ذات اللقاء الذي سيره بوبكر الفقيه التطواني رئيس المؤسسة، على ضرورة المشاركة المكثفة في الانتخابات من قبل جميع المواطنات والمواطنين، وشباب ونساء هذا الوطن، لإنهاء هذا الوضع، وإنقاذ البلاد من حالة الفراغ، وإفراز حكومة لها الجرأة والقوة ومستعدة لتحمل مسؤوليتها وممارسة صلاحياتها وقادرة على مواكبة جميع التحديات على جميع المستويات. وبعدما نوه بنعبد الله بورش الحماية الاجتماعية الذي أشرف عليه جلالة الملك، والذي يعد قفزة كبيرة على المستوى الاجتماعي، لفت بنعبد الله إلى انعدام منجزات الحكومة الحالية، لولا التوجه الملكي الأخير الذي دعا إلى إخراج هذا الورش. كما نوه، في هذا الإطار، بالإجراءات التي اتخذها جلالة الملك في بداية الجائحة، سواء الإجراءات الصحية الاحترازية أو الإجراءات الأمنية على مستوى الحدود، والإجراءات الاقتصادية ودعم الاقتصاد الوطني، وخطة 120 مليار درهم لإنعاشه، فضلا عن إنشاء صندوق الكوفيد الذي أبرز قيمة التضامن في المجتمع، مشيرا إلى أنه لولا هذه الإجراءات وهذا الحرص الملكي لوجد المغاربة أنفسهم أمام حكومة متأخرة غير قادرة على اتخاذ أي مبادرة أو القيام بأي إصلاح. من جهة أخرى، سجل بنعبد الله، أنه بالرغم من المجهودات التي بذلت طوال العقود الماضية، إلا أن الجائحة الحالية كشفت عن هشاشة وفقر كبيرين، والذي كشفت عنه الأرقام، بحيث أن أزيد من 6 ملايين ونصف من المغاربة تسجلوا للحصول على إعانة في فترة الحجر الصحي، "ما يدل على أن جميع المجهودات التي بذلت غير كافية وأن هناك استمرارا للفقر والهشاشة في الأوساط المجتمعية، وهو ما تتحمل مسؤوليته جميع القوى السياسية التي تعاقبت على تدبير الشأن العمومي"، حسب تعبير المتحدث. زعيم حزب "الكتاب" أردف قائلا: "نحن اليوم في أمس الحاجة للقيام بإصلاحات حقيقية بعد تأخر ركب الإصلاح، ويجب أن نكون واضحين مع المغاربة، نحن في التقدم والاشتراكية خرجنا من الحكومة لأننا لم نكن لنقبل الاستمرار في حكومة غير قادرة على بلورة أوراش الإصلاح منذ بدايتها ونشأتها، لأن هناك تعطيلا من داخلها للإصلاح من خلال صراعات عقيمة بين أعضائها". وشدد بنعبد الله على أن هناك حاجة ملحة في المرحلة الراهنة إلى حكومة سياسية قوية ووطنية فاعلة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي يعرفها العالم، وانهيار التصورات بكون النظام الليبرالي هو الوحيد القادر على الإجابة عن تطلعات المجتمع، مشيرا إلى أن الجائحة جعلت الجميع يعيد النظر في كل شيء، وفي عدد من القناعات التي تبخرت وجعلت العالم في حيرة، وجعلت الكثير من الدول، بما فيها المغرب تطرح سؤال "ما العمل"؟، لاسيما وأن الجائحة، أيضا، أظهرت زيف العديد من الإدعاءات، وضعف التعاون الدولي وأنانية الدول. ولمواجهة هذه المتغيرات، يؤكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على ضرورة القيام بمجموعة من الإصلاحات التي تروم إحداث انفراج سياسي حقيقي، من خلال إعطاء نفس جديد للديمقراطية، ومن خلال إقرار مؤسسات قوية تمارس صلاحياتها الدستورية بدءا بالحكومة والبرلمان، بالإضافة إلى جماعات محلية تلعب دورها عكس التعطيل الذي طالها خلال الجائحة، والذي مس بأدوار المنتخبين، فضلا عن الحاجة إلى إعادة الثقة في الأحزاب عبر تقويتها وضمان استقلاليتها، إلى جانب احترام حقوق الإنسان، وإنهاء جميع الملفات العالقة، التي تسيء لسمعة المغرب الحقوقية. في هذا السياق، دعا بنعبد الله إلى حل الملفات التي ما تزال عالقة، ومن ضمنها ملفات الريف وجرادة وبعض الملفات القضائية، قصد إنهاء هذه الأزمة وإحداث انفراج مصالحة وطنية بين المغاربة والسياسية، لاسيما وأن المغرب مقبل على ورش الانتخابات في الأشهر القليلة المقبلة. كما دعا بنعبد الله إلى تحقيق مساواة فعلية بين جميع المغاربة، وتمكين النساء وضمان العدالة الاجتماعية وضمان كرامة كل مواطن، معتبرا أن مدخل الإصلاح بعد الجائحة يأتي بإقرار خطة حقيقية للإقلاع الاقتصادي، وإعطاء الأولوية لدور الدولة التي قال إنها يجب أن تستند على برامج قطاعية، في الصناعة، والفلاحة، وأن تكون هذه البرامج ضامنة للمساواة، لا أن تدعم الكبار فقط وتترك الصغار على الحال الذي هم عليه من أوضاع تتسم بالإقصاء والفقر. ولفت بنعبد الله إلى أن حزب التقدم والاشتراكية، سبق وأن أعد وثيقة في هذا الشأن وجهها للحكومة للإقلاع بعد الكوفيد، والتي أورد فيها أن الحزب ركز على إعطاء الأولوية للاستثمار العمومي، والعمل على توفير آليات جديدة للتمويل، عبر إعادة ضخ نفس جديد في الأوراش الكبرى، التي من شأنها أن تفتح الآفاق، كالعمل على تشييد نفق بين مراكش وورزازات، طريق سيار بين فاس والراشيدية وغيرها من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لإعطاء هذا النفس الجديد، فضلا عن دعوته إلى بلورة إجراءات تمويلية وميزانياتية جديدة، والقيام بإجراءات جبائية جديدة تمكن من المساهمة في المجهود التضامني والمجهود الاستثماري الكبير للبلاد. ونبه بنعبد الله إلى مغبة التأخر في الإصلاح والاستمرار في ما هي عليه الأوضاع اليوم، مؤكدا على أن الدولة ملزمة بالسير قدما في الإصلاح، "وعلينا أن ندخل بقوة في مسار القضاء على الفقر والهشاشة ونجسد العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية وأن نرفع من شأن ثقافتنا"، حسب تعبيره. هذا التنبيه، مرده، حسب بنعبد الله، إلى استفحال الهشاشة في الأوساط المجتمعية وضعف الثقة، خصوصا بعد وقوف الأرقام الرسمية على وجود النسبة الكبيرة من المغاربة في إطار الاقتصاد غير المهيكل، وبالتالي لا يستفيدون من أي حماية اجتماعية أو تغطية صحية، مجددا التأكيد على أهمية الخطوة المقدامة لجلالة الملك بشأن تعميم هذه الحماية على جميع المغاربة في أفق السنوات القليلة المقبلة. كما شدد بنعبد الله على ضرورة القيام بهذه الإصلاحات لتمتين الجبهة الداخلية للمجتمع المغربي، للدفاع عن القضايا الوطنية الأساسية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، التي قال إنها تحتاج إلى اليقظة، "وإلى أن نظل حذرين ونقف لنقول إن القضية الوطنية ما تزال تتطلب دفاعا قويا ومستميتا في ظل تعنت الجزائر، ونعول إلى جانب الدبلوماسية على تمتين الجبهة الداخلية، من خلال مواصلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقوية مناعة المجتمع المغربي، ومواصلة مسلسل التنمية"، وفق تعبيره. ودعا إلى الاستمرار في إيلاء الأهمية لهذه القضية الوطنية الأساسية، خصوصا بعد ما كان من نقاش في مجلس الأمن في الأيام القليلة الماضية، وتأرجح موقف بعض الدول التي كان يعتبرها المغرب دولا صديقة. من جهة أخرى، دعا بنعبد الله إلى تخليق الحياة السياسية والعمل الحزبي، والاستقلال بالقرار عن أي جهات معينة، مبرزا في هذا الصدد أن هناك أحزابا أحدثت منذ زمن بعيد لتكون تابعة وذيلية لا تصور لها، أحزاب قيل لها أن تتخندق في صف معين، وذلك ما فعلت. مشيرا بالمقابل إلى أن الأحزاب الحقيقية هي الأحزاب المنبثقة من رحم الشعب المغربي والتي استطاعت أن تحدد توجهها باستقلالية، كما هو الحال بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية الذي يعود امتداده لأزيد من 77 سنة، ولم يكتشف المطلب الديمقراطي والمطلب المجتمعي، ومطلب الاقتصاد الوطني المتحرر، حديثا، بل عبر عن ذلك منذ سنوات. وتابع الأمين العام للتقدم والاشتراكية قائلا: "بالنسبة للأحزاب التي تدافع عن التوجه الليبرالي الذي تنهل منه، فقد جاءت الجائحة لتؤكد خطأ هذا التصور وتؤكد بالمقابل صوابية مواقف حزب التقدم والاشتراكية بشأن ضرورة تدخل الدولة وتشجيع الاستثمار العمومي"، داعيا إلى التمعن في التحليل وعدم الانقياد وراء المصالح كما تفعل بعض الأحزاب التي تحاول استخدام الأموال بطريقة لا أخلاقية في السياسة لتحقيق مآرب ومصالح خاصة. في هذا الإطار، انتقد بنعبد الله الاستمرار في تهميش الأحزاب السياسية والانخراط في تبخيسها واعتبار الخطابات السياسية لجميع الأحزاب متشابهة، موضحا أن العكس هو الحاصل، إذ أن هناك أحزابا وطنية منبثقة من رحم الشعب، وأخرى جاءت لتكون مجرد أحزاب تابعة ولا روح فيها ولا تفقه في السياسة. وحذر بنعبد الله من استمرار بعض من هذه الأحزاب التي لا تمارس السياسة بقواعدها وأخلاقها في أساليب غير مقبولة، وآخرها استغلال القفة الرمضانية، من قبل حزب معين، في تسجيل أعضاء جدد واستمالتهم للتصويت في الانتخابات المقبلة. وأعرب عن أسفه حيال الأوضاع التي وصلت إليها بعض الممارسات في الحقل الحزبي، خصوصا بعد تخصيص أزيد من مليون قفة رمضان من مؤسسة خيرية موالية لحزب معين، والتي سيتم توزيعها على أزيد من مليون أسرة، في الوقت الذي تبلغ فيه قيمة القفة الواحدة بين 150 و200 درهم، أي أنه جرى توزيع بين 150 و200 مليون درهم، وهو نفس الرقم الذي تخصصه الدولة كدعم إجمالي للأحزاب مجتمعة. واعتبر بنعبد الله أن ما حدث خرق سافر للقانون، وأن فعل الخير لا يكون باستغلال الناس واستغلال معطياتهم الشخصية وتسجيلهم كأعضاء في الحزب المعلوم، داعيا السلطات إلى التدخل لردع هذا الاستغلال السياسوي والانتخابوي السافر في حق المواطنين والمواطنات واستغلال حاجتهم. من جهة أخرى، وفي سياق الحديث عن الانتخابات، توقف بنعبد الله عند إشكالية القاسم الانتخابي التي ما زالت تثير الكثير من الجدل، خصوصا بعد تصريحات منسوبة لأمين عام حزب يقول إن إقرار القاسم الانتخابي جاء للحفاظ على مكانة الأحزاب الصغرى، حيث عبر المتحدث عن رفضه لهذه التصريحات وبكون حزب التقدم والاشتراكية متجذر في تربته منذ 77 سنة بدون أي حاجة لأحد. وقال بنعبد الله إن حزب التقدم والاشتراكية ليس في حاجة لا للقاسم الانتخابي ولا للعتبة من أجل البقاء، مشيرا إلى أن الحزب الذي تأسس سنة 1944 واجه العديد من التحديات منذ ذلك الحين، ولم تقض عليه لا السجون ولا التضييقات ولا النتائج التي حققها في مختلف الاستحقاقات الانتخابية خصوصا سنة 2016، التي تلقى فيها الحزب ضربات قوية بسبب مواقفه واصطفافه إلى جانب الديمقراطية، بحيث ظل الحزب واقفا وشامخا ومتفردا ومتميزا في مواقفه بدون حاجة لا للقاسم الانتخابي ولا للعتبة ولا لغيرها. إلى ذلك، وفي ملفات كثيرة طرحت للنقاش خلال اللقاء الحواري المفتوح الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني بمشاركة ومساهمة عدد من الصحافيين، توقف بنعبد الله عند أزمة الأساتذة المتعاقدين الذين قال إن ملفهم يحتاج إلى إرادة سياسية للحل. وأكد بنعبد الله على ضرورة إيجاد حلول لهذا الملف بالنظر للأهمية الكبرى التي تكتسيها المدرسة العمومية والشغيلة التعليمية في مسار الإصلاح، معربا عن رفضه لاستمرار التعاطي بالعنف مع مطالب الأساتذة والأستاذات، وتقديم صورة لا يمكن قبولها. وانتقد بنعبد الله استمرار الوضع على ما هو عليه، وعدم الاستجابة لمطالب الأساتذة، مشيرا إلى أنه من غير المقبول أن يتم تقسيم الموارد البشرية للتربية والتكوين إلى فئتين غير متساويتين في الحقوق، ومن غير المعقول أن يكون أستاذ ينتمي للوظيفة العمومية وآخر في الحجرة المجاورة ينتمي لأطر الأكاديمية والحقوق بينهما غير متساوية، داعيا إلى المساواة بين هذه الفئات وتمكينهم من نفس الحقوق ما داموا يؤدون نفس الواجبات، وذلك بغض النظر عن الإطارات الممكن أن يتم بلورة هذه الحقوق ضمنها. يشار إلى أن اللقاء الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني يدخل ضمن سلسلة من اللقاءات تنظمها هذه المؤسسة طيلة شهر رمضان مع زعماء الأحزاب السياسية حول قضايا وانشغالات المجتمع، تحت عنوان "برامج الأحزاب السياسية بين الرهان الانتخابي وانتظارات المجتمع".