مع حلول شهر رمضان المبارك أهله الله علينا باليمن والبركات، يتجدد النقاش مرة أخرى حول المادة 222 من القانون الجنائي، ورغم أني شديد الحرص على أن يمر هذا الشهر الكريم بكل طقوسه الدينية التي افتقدناها بسبب ما أصاب العالم من وباء، بكل سلمية وسلاسة، إلا أن هذا لا يمنع من إثارة النقاش حول هذا الفصل وبعض تمثلات الصيام عند المغاربة. رغم أن علماء المسلمين يتفقون على أن أركان الإسلام الخمسة ليست على نفس الدرجة من الاعتبار والأهمية، ورغم إجماعهم على أن الصلاة هي أعظم الشعائر بعد توحيد العبودية، إلا أن المغاربة – دون غيرهم من شعوب المنطقة – لهم من الارتباط والتقديس للصوم ما ليس للصلاة، ولا يجرؤ الشخص على الإفطار علنا في نهار رمضان حتى ولو كان من ذوي الأعذار، فيما وقع التطبيع مع تارك الصلاة، وأصبح من المعتاد رؤية الناس على المقهى يتناولون المشروبات ويطالعون الصحف، فيما خطيب الجمعة يلقي خطبته على جموع المصلين. بل يتساهل المغاربة في ترك الصلاة ولا يعدون فاعل ذلك ملتبسا بمنكر واجب التغيير، فيما لا يتساهل المرء حتى مع نفسه في ترك الصيام، فتجده مصرا على أداء الشعيرة حتى ولو كان مريضا ورغم تحذير الطبيب وظهور مضاعفات وأثر الإصرار على الصوم. فهل لهذا التشديد في الصوم من أصل في أدبيات الدين الإسلامي؟ وهل هو أمر حادث على المغاربة أم قديم قدم تاريخ الإسلام بالمنطقة؟ وكيف تجاوب القانون والتشريع المغربي مع هذه الثقافة الدينية أو الاجتماعية؟ وما هي أسباب هذا الارتباط؟ وهل للجنس أو مستوى التعليم أو التمدن والبداوة أثر في التعامل مع الموضوع؟ المفطرون زمن النبوة: لم يكن اجتماع الصائمين بالمفطرين على العهد النبوي يمثل أي إزعاج للمجتمع، بل يظهر من خلال روايات السيرة مدى التسامح في الموضوع، كما في حديث أنس بن مالك الذي رواه البخاري ومسلم ويقول فيه: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر"، ويشير أبو سعيد الخدري في رواية عنه إلى اجتماع الصائمين والمفطرين في المرض دون لوم أو معاتبة بين الطرفين: "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنَّا الصَّائم، ومنَّا المفطر، فلا يجد الصَّائم على المفطر ولا المفطر على الصَّائم". بل إن التشديد في ذلك العهد لم يكن على المفطرين، بقدر ما كان على الصائمين رغم وجود العذر المبيح للفطر، فلما رأى النبي رجلا قد تضرر بالصيام حتى احتاج أن يجلس في الظل ويشرب الماء، سأل عن حاله، فقيل له: رجل أجهده الصوم، فقال: "ليس من البر الصيام في السفر"، وحين خرج إلى مكة عام الفتح ورأى أن الناس قد شق عليهم الصيام، دعا بقدح من ماء فشرب والناس ينظرون إليه، ولما بلغه أن البعض أصر على مواصلة الصيام قال: "أولائك العصاة". يظهر هذا التسامح أيضا في كيفية التعامل مع المفطرين عمدا في نهار رمضان، والذي لم يكن بالشدة التي يمكن أن يعامل بها اليوم، فلما جاء ذلك الرجل للنبي يتحدث عن مواقعته لامرأته في نهار رمضان عامدا وقاصدا، لم يكن الرد عليه عنيفا كما في رواية البخاري ومسلم، بل إن النبي عليه السلام حسب الرواية بحث له عن المخارج، وقدم له خيارات متعددة، إعتاق الرقبة أو الصوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، فلما عجز عن ذلك كله جمع له مالا من أصحابه، ثم تصدق به عليه، في جو يطبعه كثير من المرح والدعابة، "فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه"، مما يبرز صور التسامح الذي كان حتى مع المفطر عمدا، فكيف بذوي الرخص والأعذار؟ يتبع.. بقلم: د. محمد عبد الوهاب رفيقي