تحتل السياسة اللغوية بالمغرب مكانة هامة، سواء بالنسبة للأفراد وسواء أيضا بالنسبة للحاجيات المجتمعية التي يفرضها مغرب اليوم. في هذا الإطار، شهدت رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط، مناقشة أطروحة تقدم بها الطالب الباحث يوسف الأعرج لنيل شهادة الدكتوراه في شعبة اللغة الإنجليزية في موضوع موسوم ب " السياسة اللغوية بالمغرب ومكانة اللغة الإنجليزية بالتعليم العالي: الوضع الحالي والآفاق المستقبلية". وتندرج هذه الدراسة في خضم النقاش الجاري حاليا على مختلف المستويات حول السياسة اللغوية وإشكالية لغة أو لغات التدريس بالمغرب. فعلى المستوى الشعبي، والإعلامي، وكذا السياسي، بدا أن التوافق حول لغة موحدة للتدريس و حولرؤية لغوية منسجمة أمر صعب في مجتمع يتميزبتنوعهالثقافي واللغوي. لهذا، فقد ظل إصلاح التعليم هما يشغل كل المغاربة وموضوعا خصبا للنقاش والاستهلاك الإعلامي لسنوات عديدة. لكن، وبالرغم من هذا الكم من الاهتمام والجهد المبذول والوقت المستهلك، يستمر الإجماع على أن الإصلاح المنشود لم يتحقق بعد. ولقد أعد الباحث أطروحته تحت إشراف الأكاديمية القديرة الدكتورة يمينة القراط العلام، وهي نائبة عميد سابقة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية مكلفة بالبحث العلميوالتعاون، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة محمد الخامس بالرباط ومديرة سابقة لمركز الدكتوراه بنفس الكلية، وحاليا منسقة لمختبر البحث"ثقافة، لغة، تعليم، هجرة ومجتمع" وبرنامج الدكتوراه "دراسات في اللغة والثقافة والمجتمع" بجامعة محمد الخامس بالرباط. تشكلت اللجنة العلمية من أكاديميين متميزين ينتمون إلى جامعات مغربية مختلفة وأكاديمي بارز ينتمي إلى جامعة أمريكية. ترأس أشغال المناقشة، الدكتور سعيد كريويد، من جامعة محمد الخامس بالرباط، وهو متخصص في الدراسات الثقافية والهويات والترجمة الثقافية وغيرها من المجالات، وأستاذ زائر بعدة جامعات بريطانية. وضمت اللجنة العلمية أيضا الدكتور جوناس إلبوستي من جامعة ييل بالولايات المتحدةالأمريكية. وهو خبير في موضوع الأطروحة. حاليا مدير الدراسات الجامعية وعضو هيئة التدريس في لغات وحضارة الشرق الأدنى بجامعة ييل كما يدير البرنامج الصيفي لجامعة ييل بالمغرب وفي الرباط تحديدا. سبق له أن درس بجامعة الأخوين بإفران وجامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات. وبالإضافة إلى مهامه ومسؤولياته الأكاديمية المتعددة، فهو مترجم أدبي وكاتب قصة قصيرة. وضمت اللجنة أيضا الدكتورة كريمة بلغيتي، من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس،والدكتور عزيز كور،من جامعة محمد الخامس بالرباط، و أخيرا الدكتور أحمد الشارفيمن جامعة محمد الخامس بالرباط. وتجدر الإشارة إلى أن أهمية الأطروحة تكمن في غوصها في البحث عن مدى صحة الاعتقاد السائد الذي يرى أن السياسة اللغوية هي العامل الرئيس في ضعف النظام التعليمي بالمغرب. ومن أجل الوقوف على الثغرات والآثار السلبية الناجمة عن السياسة اللغوية بالمغرب، اعتمدت الدراسة على دراسة ميدانية ساهم فيها طلبة وأكاديميون ومسؤولون جامعيون عن طريق المشاركة بآرائهم وتجاربهم من خلال الاستبيانات وكذا من خلال المقابلات الشخصية. وقد خلصت الدراسة إلى نتائج مهمة، أبرزها: وجود هوة كبيرة بين الخطاب الرسمي وواقع تدريس اللغات، وتأثير تغيير لغة التدريس السلبي على مسار الطلاب الأكاديمي، وضعف تمكن الطلاب من اللغات الأجنبية، وعدم ملاءمة السياسة اللغوية الحالية مع متطلبات التلاميذ والطلاب المتغير، الافتقار إلى الإرادة السياسية وتضارب المصالح يعرقلان تنفيذ إصلاح لغوي شامل، وتنامي استعمال والحاجة لاستعمال اللغة الإنجليزية في التعليم العالي والبحث العلمي. وبالتالي، فإن نتائج هذه الدراسة تؤكد على أن تعزيز اللغة الإنجليزية يعتبر مفتاحا مهما نحو تألق التعليم العالي المغربي على المستوى الدولي وبالتالي تحسين ترتيب الجامعات المغربية، لذلك، بات من الضروري أن تعتمد السياسات اللغوية نهجًا تشاركيًا تستند فيه إلى الاحتياجات الفردية و المجتمعية. وبعد نقاش مستفيض ومثمر وغني بالملاحظات القيمة، منحت اللجنة العلمية الطالب الباحث يوسف الأعرج درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التهنئة والتوصية بالطبع.