البداية لم تكن من 20 فبراير، ولا من تونس أو من مصر. فقبل هذا الفبراير وقبل اشتعال الشارع في تونس ومصر وغيرهما، كانت هناك محاولة أو مبادرة سابقة عبر الفايسبوك للقيام بحركة احتجاجية بشارع محمد الخامس بالرباط. فعبر شبكة التواصل العنكبوتية تواعد العشرات من الشباب وغير الشباب على اللقاء هناك أمام البرلمان. وتم تحديد (ساعة الصفر) والشعارات وبعض الحاجيات التقنية. وفي اليوم الموعود، ومع حلول ساعة إطلاق الشرارة كانت عيون المراقبين تتبع تلك الحركة الغير اعتيادية (خاصة أيام الأحد صباحا) التي أحدثها الوافدون على الشارع الرئيسي للعاصمة. وبرغم أن عدد الوافدين كان كافيا لتنظيم وقفة (محترمة)، فإنهم ظلوا فقط يتنقلون بين زوايا وأرصفة الشارع، ولا مجموعة ولا أحد منهم تجرأ على التقدم لإعلان بداية التظاهرة التي لم تتم والتي تفرقوا (المعنيون) بها قبل أن يتعرفوا على بعضهم البعض. أما (حركة 20 فبراير) التي ظهرت في الظروف المعروفة، فتمكنت من إطلاق تظاهراتها منذ اليوم المعلن. وبدأت بعدد متواضع من الحضور حيث قدر عدد المشاركين، في الدارالبيضاء، بما يتراوح بين 1200 و1500 مشارك. وفي الأسابيع الموالية كانت الأعداد الحاضرة في ارتفاع متواصل. وأصبحت اجتماعات التقييم والتحضير، التي تنعقد بمقرات حزبية أو نقابية، تتطلب مسافة زمنية امتد بعضها من السابعة مساء الى الثامنة صباحا من دون توقف. ومع التنامي في الحجم والحضور، كان الاحتداد يطبع لغة التعامل داخل الحركة وبين النشطاء والأطراف المشاركة فيها، سواء في ما يتعلق بالشعارات أو بالجوانب التنظيمية، وغيرها من القضايا التي يتم التغلب عليها، في غالب الأحيان، بنوع من التوافق داخل التنسيقيات، فيما تظلل للحركة طبيعتها الواسعة. وبحكم ما عبرت عنه الحركة منذ البداية من خطاب متجاوب ومعبر عن تطلعات الشعب وحاجة البلاد الى تسريع وتيرة الجيل الجديد من الإصلاحات الذي نادت به القوى الديمقراطية منذ سنوات، بحكم ذلك فإن الحركة قدمت مساهمة بارزة في بلورة جدول الأعمال السياسي والمؤسساتي الموضوع الآن أمام البلاد. ومن خارجها دار نقاش، ولو محدود، حول حركة 20 فبراير، وهي الحركة العفوية التي أفرزها المجتمع كرد فعل عن وضع سياسي واجتماعي غير صحي تلفه ضبابية محبطة. وكان من المفهوم أن تحظى الحركة بترحيب مجموعة من القوى السياسية من مختلف المواقع. وكون 20 فبراير أعلنت (في بدايتها) عن الترحيب بكل الفعاليات الراغبة في الانخراط في نشاطها، فإن الترحيب السياسي تحول الى تسابق تنظيمي وصراع مواقع بين النشطاء والأطراف التي نزلت بكل ثقلها وبكل إمكانياتها البشرية داخل الحركة، إلى حد بدت معه هذه الأخيرة وكأنها مجرد واجهة لتصريف الخطابات السياسية والإيديولوجية لبعض الأطراف الوافدة على الحركة. وذلك ما سجلته تقارير المتتبعين للمسيرات التي نظمت مؤخرا في بعض المدن. وفي الأسبوع الماضي، وخلال برنامج حواري بالتلفزيون، عبر أحد شبان الحركة عن تذمره من استيلاء جهات سياسية على (20 فبراير)، معتبرا ذلك نقطة النهاية للحركة. وسؤال النهاية يمكن أن يطرح حتى من خارج الحركة بالنظر لمجموعة من العناصر والمعطيات ومنها، على الأقل: - أن الجماعات الإسلاموية المتطرفة قد اخترقت حركة الشباب وتوظف الآن الخرجات والمسيرات المحسوبة على الحركة لحسابها الخاص المناقض للأهداف الديمقراطية والحداثية التي كانت منطلق حركة الشباب. - أن المزايدات على المطالب والشعارات التي رفعتها الحركة والقوى الديمقراطية ليس من شأنها إلا خلق الارتباك والذهاب نحو التشتت. - أن ارتباط تحرك الحركة بمن يرهنون كل المستقبل الديمقراطي للمغرب باستمراريتها يعني تحميلها أكثر مما تحتمل. وبالإضافة إلى العوامل الداخلية والذاتية، هناك من يرى بأن هذه الحركة لابد وأن تتأثر بالعوامل الإقليمية التي جاءت في سياقها، وذلك باستحضار حالة المجهول التي دخلها ما سمي بالربيع العربي في تونس ومصر حيث استهلك كثير من الكلام عن الثورة، بينما التغيير الذي حصل لم يكن له من الثورة إلا الترويج الإعلامي السطحي والعاطفي. وعلى مستوى التتبع النظري المحض، فبديهيات منطق التنظيم المجتمعي تشير الى أن استمرار ومستقبل أية حركة تريد (أو يراد لها) أن تنتقل من العفوية إلى كيان منظم فاعل يستوجب أن تتهيكل وفق نمط أو شكل من أشكال التنظيم المتعارف عليه، ويبدو أن هذا المنطق هو الذي دفع ببعض شباب الحركة إلى الشروع في خلق حزب يكون امتدادا للحركة، كما أنه نفس المنطق الماثل أمام الشباب الذين يرفضون أن تصير حركتهم مجرد حركة افتراضية مبهمة وملغومة.