أزيد من ستين ألف سجين يقبعون في السجون المغربية في ظروف متفاوتة ، تهيمن عليها القساوة والحرمان. هذا الواقع تعكسه التظلمات ويطفو على السطح من حين لآخر،و بقوة يطرح في مناسبات معينة أو مع ظهور أحداث تأخذ أحيانا طابعا مأساويا. في الآونة الأخيرة، أثيرت من جديد أوضاع السجون المغربية ،و تجددت معها إشكالية الاعتقال والسياسة الجنائية بصفة عامة. بعض الأحداث الأخيرة أكدت مرة أخرى الحاجة إلى مقاربة تراعي الفلسفة السجنية ودور السجن كمؤسسة عقابية و بيداغوجية، مع ضرورة الاحترام التام لكرامة السجين و حقوق ذويه. في هذا السياق، تميزت الأوضاع السجنية بحدثين بارزين يستحقان التمعن فيهما. الأول يتعلق بأحدث سجن الزاكي بسلا،و الثاني بتقرير المرصد المغربي للسجون. لقد شهد سجن الزاكي بسلا أحداثا مأساويا، كان آخرها تمرد سجناء ينتمون إلى ما يسمى السلفية الجهادية. ومهما تكن الأسباب والدواعي، يمكن التأكيد منذ البداية أن ما حدث بهذا السجن هو فعل غير مقبول ومرفوض، ويحيل على أن لغة العنف تضر بأصحابها أولا، قبل أن تستهدف من يحرس المؤسسة السجنية والسلطات المسؤولة عنها. إن من تسببوا في تلك الأحداث بنظر الجمعيات التي تدافع عنهم قد» أخطأوا الهدف ووجدوا أنفسهم أمام مسؤوليات كان من المفروض تفادي نتائجها بالحوار الهادف والبناء والرصين». لكن ما وقع يسائل الجميع ويدعو إلى استخلاص العبر ،ليس عن طريق الانتقام بالطبع و إنما عبر إجراءات منطقية. الحدث الثاني، يتمثل في تقرير المرصد المغربي للسجون، الصادر مؤخرا. في هذا التقرير ا لذي اعتمد على معطيات سنتي 2009 و2010، اعتبر معدوه أن السجون المغربية تشهد تدهورا مستمرا .يتجلى ذلك في ارتفاع عدد السجناء من حوالي 52 ألفا في سبتمبر 2009 إلى أكثر من 63 ألفا في سبتمبر 2010 ،و في ارتفاع عدد الوفيات داخل السجون، وفي نسبة عدد حالات العودة إلى الجريمة. تزايد أعداد السجناء يزيد في تعميق ظاهرة الاكتظاظ، حيث أن المساحة المخصصة لكل سجين لا تتعدى مترا ونصف المتر، أي دون المعايير الدولية بكثير، والتي تحدد في ما بين ثلاثة وستة أمتار. مثل هذه التقارير قد تقلق الأوساط المسؤولة، وسبق لهذه الأوساط أن عبرت عن ذلك. من مؤاخذات هذه الأوساط هو اعتبارها أن مثل هذه التقارير تتضمن معطيات واستنتاجات مبالغ فيها، فضلا عن أن محرريها لا يأخذون بعين الاعتبار ما يبذل من مجهودات. من جهته، أوضح المرصد المغربي للسجون في تقريره أن مصادر معلوماته تستند فقط على ما يصل من شكايات وتظلمات السجناء، وما ينشر في وسائل الإعلام المكتوبة وبعض التقارير الحقوقية. ويرى في ذات الوقت أن المندوبية العامة، بتشبثها بمواقف الماضي الأمني، تتحمل المسؤولية في أي نقص أو خلل يمكن أن يمس بعض فقرات التقرير الصادر عنها مؤخرا. بين هذا وذاك، لا أحد ينفي ما يبذل من مجهودات واجتهادات غايتها تحسين أداء المؤسسة السجنيةهذه المجهودات لا يمكن أن تخفي أيضا المشاكل القائمة. مشاكل تفرضها اكراهات وصعوبات، منها ما له علاقة بالعوامل المادية والبشرية، وأخرى بنيوية مرتبطة بطبيعة الفضاء السجني. إن الجهود ينبغي أن تنكب على ضرورة تحويل السجن، أي سجن، إلى مؤسسة تجمع بين العقوبة الضرورية والتأهيل وبين صيانة الكرامة والحق في الحياة.بعد الإرادة، إن بداية الفعل لا بد أن تركز على محاربة شتى المظاهر المرضية، كالرشوة والتمييز بين السجناء مثلا. إنها مقدمات لا مفر منها لإصلاح وتحديث المنظومة السجنية. وهذه المهمة ليست معزولة عن الإصلاحات الأخرى المعلقة، إن على مستوى الإدارة والتشريع أو القضاء...