إذا كان المشرع المغربي، قد اعترف للقضاء بمراقبة وجود الخطأ وتقدير مدى جسامته، فقد تدخل أيضا بتحديد مجموعة من الأخطاء التي اعتبرها جسيمة (المادة 39 من مدونة الشغل)، والتي يكون معها الفصل مبررا، و قد جاءت على سبيل المثال فقط لا الحصر، مما يعني أن الاجير قد يرتكب أخطاء أخرى غير تلك المنصوص عليها قانونا. وتقدير المحكمة في إطار الأخطاء المنصوص عليها قانونا تكون ضيقة (وهو ما أكده المجلس الأعلى-سابقا محكمة النقض حاليا- في قرار عدد 22 صادر بتاريخ 14/01/1997، في الملف الاجتماعي عدد 1003/4/1/1995، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 52، سنة 1998، ص 2019 وما بعدها)، غير أن سلطة المحكمة لا تبقى مقيدة أمام الوصف الذي يعطيه المشغل للخطأ، فتحديد المشرع لحالات بعض الأخطاء الجسيمة لا يغل السلطة التقديرية للمحكمة، وذلك لمجموعة من الاعتبارات منها الغموض في التنصيص على بعض الحالات، ما يجعل القاضي ملزما بالتدخل وإعطاء التفسير الصحيح للنص القانوني، كما أن الظروف المحيطة بارتكاب الخطأ قد تدفع القاضي الى استبعاد صفة الجسامة عليه رغم كونه مدرج في لائحة الأخطاء الجسيمة. وفي إطار الغموض وعدم الدقة في تحديد الأخطاء الجسيمة، نجد حالة السب الفادح، والذي كان يأمل من مدونة الشغل أن تتجاوز الغموض الذي كان يكتنف النص السابق في تشريع الشغل الملغى(الفصل السادس من النظام النموذجي )، بل زادت الأمر أكثر ابهاما بعبارة " السب الفادح"، بحيث إن التساؤل يطرح حول ما معنى السب الفادح؟. إن الظروف المحيطة بارتكابه، قد تدفع القاضي إلى إبعاد صفة الجسامة عليه، ومثال على ذلك، ما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى-سابقا محكمة النقض حاليا- الذي اعتبر أنه" تبين من البحث أن الأجير قام فعلا بسب رئيسته، لكن بعدما سبته هذه الأخيرة، في حين أن الأوامر الموجهة للأجير ينبغي أن تبقى في حدود اللباقة دون مس بكرامته. وحيث أنه إذا كان الأجير في هذه النازلة قد أجاب رئيسته بسب مماثل، فإن ذلك لا ينبغي أن يدخل في عداد الأخطاء الفادحة التي توجب الطرد، مادامت الرئيسة هي التي كانت البادئة حسب شهادة الشهود"( قرار عدد 1382 بتاريخ 07/11/1983 في ملف الاجتماعي عدد 966/83، أورده عبد ربو الهوماري، إشكالية علاقة التبعية على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، 1999-2000، ص 79 و 80). أي أن الق ضاء خفف من حدة الخطأ المرتكب على الرغم من أنه محدد قانونا ضمن الأخطاء الجسيمة، وذلك لكونه صدر من الأجير بسبب استفزازه من قبل المشغل، وهو نفس ما ذهبت إليه ابتدائية وجدة في حكمها عدد 945 في ملف اجتماعي عدد 2938/2000الصادر بتاريخ 07/06/2000 ، غير منشور، التي عللته بكون أن" القضاء المغربي يأخذ ببعض الظروف المحيطة بالإنهاء، للتخفيف من حدة الأخطاء الجسيمة، متى كان الدافع إليها استفزاز الأجير بألفاظ تحط من كرامته وتمس شعوره". كما أن القضاء يدقق في الفعل الذي يعتبره المشغل إهانة له، في حين أنه في الواقع لا يعتبر كذلك ونورد في ذلك ما جاء في قرارمحكمة الاستئناف بسطات، (عدد314/2010 بتاريخ 15/12/2010 في ملف رقم 134/1501/2010، غير منشور)جاء فيه أن " …الاجير لم يصدر عنه أي سب أو شتم وإنما قام ببعثرة ملف كان يحتوي على مجموعة من الأوراق وقام بإغلاق الباب بطريقة عنيفة فقامت المديرة بختم الاجتماع. وحيث إن هذا التصرف إن كان يشكل خطأ، فإنه لا يرقى إلى درجة الخطأ الجسيم وفي إطار ملائمة العقوبة التأديبية للخطأ المقترف، يبقى الطرد متسما بطابع التعسف الموجب للتعويض"، وفي قرار للمجلس الأعلى (عدد 774، صادر بتاريخ 29/06/2006 في الملف الاجتماعي، عدد 928/05،غير منشور) اعتبر أن " ما قام به الأجير من سب بواسطة كلمة " بوكاسة" هذه الكلمة ليس لها أي معنى مفهوم، والمجلس الأعلى اعتبر أن السب المنسوب للأجير غير فادح وبالتالي يتعين الحكم له بتعويض كونه خطأ غير جسيم"، وفي قرار أخر لمحكمة الاستئناف بفاس (عدد 744 بتاريخ 29/06/2006 في ملف رقم 928/1501/2005 مضموم لملف 814/1501/2005، غير منشو) اعتبرت أن " وصف الأجير للمدير بأنه نصراني أو يهودي ليس بخطأ جسيم موجب للفصل لكون المشغل ينتمي إلى أحد الأوصاف المذكورة، فهو فرنسي الجنسية وبالتالي لا يشكل الوصف المذكور ذما ولا قذفا ولا سبا ولا نبذا للأجانب باعتبار أن هذا الوصف يدخل ضمن العقائد الدينية السماوية والمعترف بها من لدن العالم". كما أن مكان العمل أو أثناء العمل عرف تطورا كبيرا خاصة مع التطورات التكنولوجية وتعدد استعمالات وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي يطرح السؤال حول تدوينات الأجراء داخل وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما وإن كانت تتضمن سبا في حق المشغل، وفي هذا الصدد أكدت المحكمة الابتدائية بمكناس على أن تدوينات الأجراء على مواقع التواصل الاجتماعي لا تخضع لرقابة المشغل وسلطته، واعتبرت أنه يدخل تحت طائلة القانون الجنائي بنصوصه الخاصة وليس مدونة الشغل، وذلك في حكمها الذي جاء في حيثياتهما يلي: " وحيث أدلت المدعى عليها من خلال نائبها بما يفترض أن المدعي كتبه على حائط صفحته على موقع فيس بوك وهو كالتالي: (لقد بلغنا بالتواتر كلام بنبرة تحمل بين طياتها الوعيد ببطش السيد الرئيس المدير العام الجديد لشركتنا مركز الحليب من أجل إرساء الانضباط داخل الشركة دون أن يبحث عن سر استقرارها قبل أن يأتي هو إلى المغرب بلد طارق بن زياد وعبد الكريم الخطابي وموحى اوحموالزياني السؤال الذي أود طرحه: هل الانضباط الذي تريدون إرسائه له دعائم تنطلقون منها أنتم؟هل ما نعيشه نحن داخل وحدة مكناس بانعدام أبسط حقوق الإنسان الذي يحتاجه من أجل العيش الذي هو الماء الصالح للشرب دعامة لتعطونا الدروس في الانضباط؟ أظن أن من بيته من زجاج لا يمكنه أن يرمي الناس بالحجر) (…)وحيث إنه وبصرف النظر عن تمسك المدعي بأن حسابه على منصة فيس بوك تعرض للاختراق، فإن ما صرح به المدعي لم يكن داخل المؤسسة أو أثناء الشغل ما يخرجه من دائرة الأخطاء الجسيمة التي أطرتها المادة 39، ذلك أن السب الفادح إن تم خارج المؤسسة، فإنه يدخل تحت طائلة القانون الجنائي بنصوصه الخاصة وليس مدونة الشغل، كما أن المحكمة وباطلاعها على ما دبجه المدعي على حسابه، لتعتبره لا يرقى إلى أن يجعل العلاقة الشغلية مستحيلة بين المدعي والمدعى عليها في نطاق الشغل . وحيث إن المدعى عليها بصفة "المشغل"، لا تملك صلاحية الرقابة على الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لأجرائها. وحيث إن المدعى عليها وإن استشعرت نوعا من التمييز أو التهديد انطلاقا مما عبر عنه شخص على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن لها سلوك مساطر قضائية أخرى، لضمان الحماية والردع. وحيث إن الحالة ما ذكر، يتعين رد دفع المدعى عليها بارتكاب المدعي خطأ جسيما تمثل في السب الفادح." ومن خلال القرارات السالفة الذكر، يظهر أن سلطة القضاء أمام الأخطاء المنصوص عليها قانونا–السب الفادح هنا- يلعب فيها دورا هاما في تقدير جسامتها، وذلك بتدخل لتفسير وتوضيح الغموض الذي يكتنف حالات الأخطاء المنصوص عليها قانونا،وأيضا يخفف من جسامتها إما على أساس عدم وجود ضرر، أو لعدم خطورة الخطأ المرتكب على العلاقة الشغلية، أو بناء على حسن سلوك الأجير وأقدميته في الشغل، ويفند بالتالي فكرة بأن سلطة القضاء تبقى محصورة في حدود ثبوت الخطأ من عدمه. بقلم : ذ .مجيد حمدون