في كل مرة قد نصادف مائدة حوارية قد تتخد موضوع الحق في الكرامة أساسا لحوارها، فإنها تأكد على أن لكل إنسان الحق في أن يستلزم من الأخرين إحترام كرامته و شرفه، بحيث يمنع على الغير المساس بها من نواحي الإعتبار المعنوي و ذلك تحت طائلة مطالبة من تم الإعتداء على كرامته بجبر ضرره. و لا يخفى على أي أحد أن الحق في الكر امة أحد الحقوق التي كرست بمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 10 دجنبر 1948[1] عبر ديباجته و كذلك بمقتضى المادة الأولى منه[2]، بالإضافة إلى إتفاقية دولية أخرى[3]، كل هذا يدل على أن هذا الحق له مكانة هامة ضمن الحقوق التي تكفل للإنسان بصفة عامة و يجب حمايتها. غير أن هذا الحق أصبح يعرف تهكما و مساسا به في مجالات متعددة لعلى مجال علاقة الشغل أحد هذه المجالات، حيث يعاني مجموعة من الأجراء من إعتداء على كرامتهم وذلك لمجرد أن مشغلهم خول له القانون سلطة التوجيه و الإشراف ، هذه الأخيرة و التي قد يحولها بعض المشغلين السيئي النية إلى و سيلة للإجهاز على كرامة من يشتغلون لديهم، كل هذا جعل مدونة الشغل تنص على إلزام المشغلين بإحترام كرامة الأجراء داخل المقاولة و لعلمها المسبق أن هناك من المشغلين من يمارس تصرفات تمسح بكرامة الأجير أرضا. و إذا كان الوضع هكذا فإننا نتسائل عن ما هي بعض هذه التصرفات التي تهدم كرامة الأجير داخل المقاولة؟ و كيف عملت المدونة على التصدي لها؟ و هل يستحق الأجير حماية كرامته إذا تم المساس بها داخل المقاولة من أشخاص غير المشغل؟ و ألا يعتبر حرمان بعض الفئات من الإستفادة من مقتضيات مدونة الشغل تشجيعا على إنتهاك كرامتهم بدون أي هاجس خوف؟ هي أسئلة و أخرى ارتئينا معالجتها عبر الخطة التالية : المطلب الأول : مظاهر المس بالحق في الكرامة " السب و التحرش الجنسي – نموذجا-". المطلب الثاني : الأليات الحمائية لحق الأجير في كرامته .
المطللب الأول: مظاهر المس بحق في الكرامة " السب و التحرش الجنسي نموذجا". لئن كان الأجير يخرج للعمل قصد توفير قوت يومي له و لأسرته من جهة، و الحفاظ على كرامته من جهة أخرى ذلك لأن العمل كما قال " غاندي" هو الذي يعطي للإنسان كرامته، فإن الأجير و أثناء مزاولته لشغله قد يتعرض لمجموعة من الإهانات تصدر من المشغل أو غيره تجعلنا نقول أن كرامة الأجير يتم المساس بها. هو ما يجعل من الضرورة التعرض لبعض هذه الممارسات التي تخدش كرامة الأجير أمر إلزامي. و لما كانت الممارسات و الظواهر التي تمس كرامة الأجير تتخد عدة صور فإننا سنقف عند صورتين إثنان لعل جل الباحثين يأكدان على أن تعرض الأجير لأحدهما أثناء مزاولة شغله يجعل معها كرامته في مهب الريح هكذا سنتناول في : الفقرة الأولى – السب كمظهر من مظاهر المس بكرامة الأجير. ثانيا – اَفات التحرش الجنسي تهديدا لكرامة الأجير. الفقرة الأولى : السب كمظهر من مظاهر المس بكرامة الأجير. في كل مرة نتحدث عن موضوع حفظ كرامة الأجير بإعتبارها حق من حقوق الأجير الشخصية تطفوا مسألة المظاهر التي تمس بهذا الحق بشكل بارز على طاولة النقاش، هو ما يجعلنا نتساءل كباحثين في هذا المجال عن ما هي بعض السلوكيات التي تشكل مظهر يمس الأجير في كرامته أثناء مزاولة شغله؟ وإذا كانت ظاهرة السب إحدى هاته الظواهر إن لم نقل أهمها بعد ظاهرة التحرش[4] الجنسي و التي – ظاهرة السب- تتأذى كرامة الأجير معها في كل مرة قد يلجأ المشغل إلى سب الأجير و تحقيره بمناسبة أدائه لشغله، و ذلك ما أصبحت الصحف تعمل على فضحه بين الفينة و الأخرى و تأكد على إنتشار هذه الظاهرة داخل المقاولات الوطنية[5]. وإذاكان المشرع المغربي لم يعريف السب ضمن مقتضيات مدونة الشغل مكتفيا بإعتباره خطأ جسيما إذا صدر من طرف المشغل تجاه الأجير[6] في المادة 40 من مدونة الشغل، بينما عمل المشرع على تعريفه ضمن مقتضيات القانون الجنائي من خلال الفصل 443 من ق.ج حيث جاء فيه " يعد سبا كل تعبير شائن أو عبارة تحقير أو قدح لا تتضمن نسبة أي واقعة معينة" و من المعلوم أن السب يعد من جرائم الإعتداء على الإعتبار الشخصي و يختلف عن جريمة القذف[7] و التي تمس كذلك كرامة الأجير. و لن نختلف حول أن المشرع المغربي يعتبر السب الفادح الذي قد يتعرض له الأجير[8] أحد الأخطاء الجسيمة وفقا للمادة 40 من م.ش، فإن ذلك راجع لوعيه بتميز علاقات الشغل ببعض الخصوصيات لعل أبرزها و جود عنصر التبعية الذي يستوجب تنازل الأجير عن جزء من حريته لفائدة المشغل حتى يفرض رقابته و إشرافه و كذا توجيه للأجير، الشيء الذي قد يجعل بعض المشغلين يتعسفون في إستعمال هذه السلطة[9] و تصل بهم جرأتهم إلى حد سب الأجير ذلك ما يؤدي إلى مس كرامته في الصميم أثناء مزاولة شغله، و لأن الشتم و السب كلاهما عبارات مخالفة للأخلاق الحسنة[10] و هي عبارات يجمع الكل على أنها كلام غير لائق، و بالتالي فإن نعت الأجير بها يجعله يحس أن كرامته يستهان بها، هو ما قد يدفع بالأجير إلى مغادرة عمله بسببها، ما سيعتبر لاحقا إذا تبث أن مغادرة الأجير جاءت كرد فعل عن السب الذي صدر في حقه من قبل مشغله خطأ جسيما يستحق معه الأجير تعويضا. و إنما تجب الإشارة إليه في هذه النقطة بالذات أن الأجير الذي تم سبه من طرف المشغل و تم الرد على المشغل بالمثل فإن الخطأ الجسيم في هذه الحالة لن ينسب للأجير، و أن الأخير يبقى محقا في التعويض عن الفعل الصادر من مشغله، و هو ما سارت عليه الغرفة الإجتماعية بمحكمة الإستئناف بالدارالبيضاء في قرار عدد 1382 بتاريخ 7 يناير 1983 في ملف عدد 3-966[11]. و إذا كنا نثمن موقف المشرع المغربي حين إعتبر أن السب الفادح الصادر من المشغل في مواجهة الأجير يعتبر خطأ جسيم تعتبر المغادرة المقرونة به فصلا تعسفيا، فإن ما يجب الإشارة له هو أن الأجير قد يجد صعوبة حقيقية حين يتشبث المشغل بكون الأقوال و التعابير التي تلفظ بها لا ترقى إلى درجة أن تعتبر سبا يمس بكرامة الأجير[12]، و لعل ما يجعل هذه المسألة قد تطفوا إلى حيز الوجود في كل حالة قد تعرض نازلة معينة بخصوص هذا الموضوع على القضاء، هو غياب و عدم تحديد أمثلة أو معايير في مدونة الشغل و القانون الجنائي تبين ما هي العبارات التي تعتبر سبا و بالتالي مسا بكرامة الأجير. هو ما يجعل القضاء عبر سلطته التقديرية هو الجهة الوحيدة القادرة على تكييف العبارات التي تلفظ بها المشغل على أنها سبا أم لا، و بالتالي إعتبار مغادرة الأجير بسببها يدخل ضمن مقتضيات المادة 40 أولا، و في سابقة قضائية إعتبر قضاء المجلس الأعلى أن عبارة"قود" عبارة كافية للإستفزار الأجير[13]. يتبين إذا أن السب ظاهرة تمس كرامة الأجير كما أنها تتخد عدة صور كالصراخ بإستمرار في وجه الأجراء أو تحقيرهم بصفة علنية وكذا نعتهم بعبارات نابية تقلل من اعتباراتهم، كل هذا يجعل الأجير يحس بخدش كرامته، غير أن السب في الحقيقة لا يعتبر المظهر الوحيد و الأ وحد الذي يمس الحق الشخصي في الكرامة بل إن هناك تصرفات أخرى قد يأتيها المشغل أو غيره أثناء قيام علاقة الشغل تجعلنا نقول أن كرامة الأجير تهتز مع هذه التصرفات و تشكل تهديدا لها و لعل أخطر هذه التصرفات هي التحرش الجنسي، كيف ذلك؟ هو ما سنحاول ؟إيزاحة الغموض عنه و بيان أنه يمس كرامة الأجير في العمق عبر ما سنتناوله في النقطة الموالية. الفقرة الثانية : اَفات التحرش الجنس تهد د كرامة الأجير. أصبحت ظاهرة التحرش الجنسي في أماكن الشغل تثير مسألة المس بكرامة الأجير التي هي حق من حقوقه الشخصية( رجلا كان أم إمرأة) ذلك لأن التحرش إهانة تختزل الإنسان عامة و الأجير على وجه الخصوص في مجرد جسد للمتعة لا أقل و لا أكثر، و هو إحساس كافي لتفشي المرض النفسي، وعامل يعثر الإنتاج و يحد من افاق المسار المهني للأجراء[14] و إذا كانت معظم الدول لم تعمد إلى تعريف المقصود بالتحرش الجنسي عبر تشريعاتها الخاصة بالشغل، فإن المشرع المغربي في مدونة الشغل لم يكلف نفسه أي عناء لتعريفه كذلك مكتفيا فقط بإعتباره مجرد خطأ جسيم من خلال المادة 40 من م.ش، و أمام هذا الوضع حاول الفقه أن ينسج تعريفا لتحرش الجنسي، إذ ذهب أحد الفقهاء[15] إلى القول بأن التحرش الجنسي " هو كل سلوك ذي طبيعة جنسية يصدر من الرجل أو المرأة تجاه الجنس الأخر دون رضاه أو رضاها سواء كان فعلا أو حركة أو إظهار لصورة أو كلام " في حين يعرفه البعض الأخر[16] بشكل مختصر و يقول " أن التحرش الجنسي عبارة عن ضغوط ذات طبيعة جنسية و يتناول كل ما قد يؤدي إلى أغراض ذات طبيعة جنسية". و من خلال هذين التعريفين وجب التأكيد أن التحرش الجنسي يختلف بإختلاف الديانات و الحضارات و الثقافات، فما يمكن اعتباره تحرشا جنسيا في دولة ما قد لا يعد كذلك في دولة أخرى، لأن الظاهرة مرتبطة بمستوى الوعي من جهة و لها محددات أخلاقية من جهة أخرى.[17] و لعل ما جعلنا نأكد في عنونة هذه الفقرة على كون ظاهرة التحرش الجنسي هي آفة تهدد كرامة الأجير هو أنه ما فتئت مختلف المنابير الإعلامية و كذا مجموعة من الجمعيات الحقوقية تأكد على أن انتهاك الحق في الكرامة عبر التحرش الجنسي يسجل جزء كبير منه داخل أروقة العمل. هكذا تأكد لنا يومية الأخبار المغربية[18] أن أزيد من 25% من المضيفات الجويات تعرضن للتحرش الجنسي قبل عامين – في سنة 2015- خلال فترات العمل و تضيف الجريدة على أن أبرز أصناف التحرش الجنسي جاء في شكل ملامسة جسدية قرص أو لمس أو على شكل نكات فاضحة ذلك ما يجعل كرامة الأجير في هذه الوضعية تعرف انتهاكا وا ضحا، و في نفس الإتجاه أو ضح بحث ميداني قامت به إحدى الجمعيات الحقوقية على عينة من الإناث ضم 330 أجيرة في مجال صناعة النسيج بالدارالبيضاء، توصلت من خلاله إلى أن %3,3 من هؤلاء الأجيرات يتعرضن لتحرش الجنسي في مكان العمل[19]. و بالإضافة إلى الإحصائيات السابقة فقد ذكر أحد الباحثين[20] أن في مؤسسة واحدة تعرضت حوالي 450 أجيرة إلى التحرش الجنسي من طرف رئيسها، الشيء الذي دفع بهن إلى شن إضراب جماعي ينددون من خلاله على أن حقهم في الكرامة قد تم المس به و للدفع بمشغلهم لإيقاف ممارسة مثل هذه الأفعال المخلة بالحق في الكرامة. و إذا كانت هذه الفئة قد فضلت تكسيرجدار الصمت فعلا و الذي يعتبر أحد العوامل التي ساعدت و تساعد على تفشي مثل هذه الظاهرة، فإن هناك فئة أخرى تفضل الصمت، و ذلك لكون أن معظم الأجراء الذين يعانون من ظاهرة التحرش الجنسي هم من فئة النساء الأجيرات، إذ أن الأجيرة في المجتمع العربي المحافظ في حالة تعرضها لتحرش جنسي فإنها تقع بين خيارين إما كتمان الأمر و الرضوخ لنزوات المتحرش حفاظا على منصب شغل، أو مواجهة الظاهرة وفي هذه الحالة إفتضاح أمرها و تلويث سمعتها في و سطها الإجتماعي الذي لا يرحم،[21] و قد يصل الأمر إلى فصلها من العمل أو تأخير ترقيتها هو ما يجعل ظاهرة التحرش الجنسي من الظواهر المسكوت عنها و لا يتأتى للقضاء بسط رقابته للحد منها. و من خلال ما سبق نتساءل عن : هل يرتبط التحرش الجنسي بالمرأة؟ أم أن للأجير الرجل حظ ينتهك معه كرامته؟ إن التحرش الجنسي يرتبط و قبل كل شيء بكرامة الإنسان و أدميته، فقد كرمه الله سبحانه و تعالى على بقية المخلوقات و إستخلفه في الأرض، و كرامة الإنسان ترتبط أشد إرتباط بمصدر رزقه و حقه في بيئة نظيفة و شعوره بالمساواة و تكافؤ الفرص[22]. من كل ذلك نقول أن ظاهرة التحرش الجنسي لا تخص المرأة دون الرجل بل إنها داء كما قد يمس الأنثى قد يمس الذكر، و لعل عمومية المصطلح الذي ذكره المشرع في المادة 40 من م.ش، لا دليل على هذا الكلام إذ أن المشرع قد نص على أنه " يعد من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير…التحرش الجنسي…" إذ أن مصطلح الأجير يفيد كل من الرجل و المرأة فكما قد تتعرض المرأة إلى التحرش قد يتعرض الرجل لذلك في الحالة التي تكون مشغلته أنثى[23]، و عليه فإنه لا يجب أن التمييز بين المرأة و الرجل بخصوص معاناتهما من ظاهرة التحرش. و يؤكد الأستاذ "عبد الفتاح بهجاجي"رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال و الناطق الرسمي بإسم الشبكة[24]، أن التحرش الجسني لا يرتبط بالنساء فقط بل إنه يطال الرجال أيضا في مواقع إشتغالهم، و يضيف أن الشبكة توصلت بحالات تحرش الجنسي كان ضحاياها رجال و أن أبطالها مشغلات نساء أرغمن أجراء ذكور على معاشرتهم تحت التهديد بالتبليغ عنهم في حالة رفض الطلب "و ذلك ما وقع مع سائق يشتغل لدى مشغلة إذ تحرشت به و طلبت منه مضاجعتها و إلا إتهامه بمحاولة إغتصابها، هذا الأمر الذي رفضه السائق المذكور و أرغم على الإستقالة من شغله"[25]. إلا أن هناك بعض المؤشرات و الدراسات تبين أن نسبة التحرش بالأجيرات أكبر بكثير من التحرش الجنسي الذي يسجل في صفوف الأجراء الذكور، ذلك ما أظهرته دراسة صادرة عن الإتحاد الأوروبي حيث تأكد أن %40 إلى%50 من النساء يتعرضن للتحرش الجنسي في مواقع العمل، و أن إمرأة من بين إثنين أو ثلاثة عرضة لذلك مقابل رجل من بين عشرة رجال يتعرضن لذات الأمر، كما أن منابر إعلامية و حكومية أمريكية قدرت أن %60 من النساء في أماكن العمل في الولاياتالمتحدة تتعرض لتحرش الجنسي و هذا مرده لعدة أسباب من بينها أن الرجال أكثر عددا خاصة في مواقع المسؤولية من النساء، كما أن نظرة الرجل وتقييمه لما يشكل تحرشا جنسيا قد يختلف عن تقييم المرأة أو شعورها به[26]. و لم يبقى إلا التأكيد على أن ظاهرة التحرش الجنسي تعتبر من الظواهر السلبية التي تجعل مكان الشغل مكانا تغيب فيه السلامة الأخلاقية، و هو أهم أنواع السلامة التي يتعين أن توفر للمرأة على الخصوص داخل مكان الشغل، إذ أن أغلب الأجراء عموما و النساء خاصة معرضات للمس بكرامتهن عن طريق التحرش الجنسي و الذي غالبا ما يبقى مستترا بشكل كبير بفعل إستغلال المشغلين أو من يقوم مقامهم وضعية الأجير و رغبته في الحفاظ على عمله، و أن عدم الإستجابة لنزوات هؤلاء قد يكون جزاؤه الفصل من الشغل أو النقل إلى شغل أقل ميزة أو تأخير الترقية و في جميع الحالات فإن السب و كذا التحرش الجنسي تصرفات تمس بشكل كبير كرامة الأجير و تخدش مشاعره وتضعف إحساسه بالأمن الأخلاقي. فهل جاء المشرع بمقومات تجعلنا نقول أن حق الأجير في الكرامة محمي تجاه الممارسات التي رأينا سابقا؟ ذلك ما سنتولى دراسته في النقطة الموالية. المطلب الثاني:الوسائل الحمائية لحق الأجير في كرامته بين الكفاية والمحدودية. سنتعرض في الفقرة الأولى لمعالجة مسألة الآليات الحمائية لحق الأجير في كرامته ثم نعرج لمناقشة مدى حماية كرامة عمال المنازل وحقهم للمطالب بها في الفقرة الثانية. الفقرة الأولى: الآليات الحمائية لحق الأجير في كرامته. قد تبين لنا أثناء مناقشة الممارسات التي تمس الحق في الكرامة أن كل من ظاهرتي سب الأجير و التحرش به جنسيا تشكلان إحدى أخطر الممارسات التي تنخر كرامة الأجير. و أمام هذا الوضع نتساءل إذاهل جاء المشرع المغربي بأليات من شأنها التصدي لهذه الممارسات الماسة بكرامة الأجير أثناء مزاولة الشغل؟ قبل بحث هذا الوضع بعد مجيء مدونة الشغل فإن ما تجب الإشارة إليه هو أن فترة ما قبل تبني مدونة الشغل لم يكن في تشريع الشغل أنذاك ما يسعف على القول بأن كرامة الأجير محمية من أي فعل يكون أساسه السب أو التحرش الجنسي لنيل منها، هذا و على فرض أن الأجير أراد أن يتابع مشغله مثلا جنائيا من أجل حماية حقه الشخصي في الكرامة فإن المشرع كان ينظم فقط جريمة السب[27] دون التحرش الجنسي كل هذا جعل الأجير في حيرة من أمره في كل مرة قد تمس كرامته عبر التحرش الجنسي، هذا الوضع جعل أحد الفقهاء[28] يتسائل عن ألم يكن و الوضعية هاته أن نستغل بعض النصوص القانونية القريبة من هذا الموضوع و المنظمة في القانون الجنائي كجريمة الإخلال العلني بالحياء[29] أو الإغتصاب[30] أو هتك العرض بدون عنف[31]، وذلك لحماية الأجير الذي مسة كرامته. إلا أننا نرى مع بعض الباحثين[32] أنه لا يمكن القياس على هذه النصوص إذ أن المبدأ في القانون الجنائي ينص على أن لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص و بالتالي حتى ولو كان الهدف هو حماية الأجير فإن الحل المقترح له علاقة بمجال سلب الحريات و أن المساس بها يقتضي بالضرورة و جود نص جنائي يقضي بذلك، و من تم يبقى حل القياس غير قابل لتطبيق في مثل هذه الحالات و أمام هذه الوضعية تدخل المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة[33] عبر مدونة الشغل و وضع كرامة الأجير من الأهداف الأساسية التي يجب حمايتها[34]، حيث ألزم في الفقرة 12 من دباجة المدونة المشغل بضرورة إحترام كرامة الذين يشتغلون لديه ليأكد ذلك في المادة 24 من نفس المدونة حيث تم تكليف المشغل بإتخاد كل التدابير لحماية كرامة الأجراء،وكذا السهر على مراعاة حسن السلوك و الأخلاق الحميدة و على إستتباب الأداب العامة داخل المقاولة[35]، و رغم كل هذه المجهودات الجبارة من المشرع لحماية حق الأجير في كرامته من ظاهرة السب و التحرش الجنسي، فإن هذه الحماية لم تكن لتتحقق لولم يتم إعتبارها بمقتضى المادة 40 من مدونة الشغل من الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل أو رئيس المقاولة و أن مغادرة الأجير بسببها تعتبر فصل تعسفي يستحق معه الأجير التعويض[36]. هكذا إذا و وعيا من المشرع المغربي بخطورة هذه الظواهر التي تمس الحق في الكرامة عمل على التصدي لها عبر مقتضيات مدونة شغل، في محاولة منه ليضمن للأجير ممارسة عمله في جو يسود فيه الإحترام بعيدا عن التصرفات التي من شأنها خدش كرامة الأجير و لعل ما يأكد نية و عزم المشغل لمحاربة مثل هذه السلوكات التي تحط من كرامة الأجير كإنسان، هو إذ خاله تعديلا على مستوى القانون الجنائي أضاف من خلاله مجموعة من المقتضيات كان الغرض منها الحد من ظاهرة التحرش الجنسي و ذلك عندما جعل هذه الظاهرة تشكل فعل جرمي معاقب عنه في اطار الفصل 1-503.[37] هذا و لن تفوتنا الفرصة لتأكيد على أن المشرع جاء بجهاز من شأنه أن يكفل حماية كرامة الأجراء إن هو مارس ما أسند له من مهام بشكل تفاعلي تجعل منه جهاز إيجابي يلطف جو ممارسة الشغل من الممارسة المنافية له، ويتعلق الأمر بجهاز مفتشية الشغل و الذي له الحق الإنتقال إلى المقاولة لإجراء معاينات و إستفسار الأجراء عن نوعية المعاملة التي تربطهم بمشغليهم من أجل رصد بعض الممارسات التي من شأنها المس بكرامة الأجير، لكن و للأسف أن الواقع أكد و لا يزال يؤكد على أن هذا الجهاز يوصف بكونه مشلولا و جامد بدون روح بالإضافة إلى إفتقاده للمصداقية. و علاوة على ما ذكر أعلاه فإن سلمنا أن المشرع في مدونة الشغل جاء بمقتضيات من ضمنها المادة 40 من م,ش رام من خلالها محاربة ظواهر تمس بكرامة الأجير، و لعل التحرش الجنسي الصادر من المشغل يشكل إحدى هذه الظواهر، فإن تمت هناك ملاحظة تستوقف أي باحث في هذا المجال عند قراءة و تحليل مقتضيات المادة 40 من م.ش مفادها هل تكون كرامة الأجير محمية في حالة ما صدر فعل التحرش من زميل في العمل أو زبون للمقاولة؟ خصوصا أن هناك تقرير كشفت أن 59 في المائة من التحرشات الجنسية في ميدان شغل مضيفات الطيران كان أبطالها الزبناء المسافرون وتكفل زملاء الشغل بتغطية 41 في المائة المتبقية[38]. يرى معظم الباحثين[39] أن المشرع المغربي عبر المادة 40 من م,ش تناول فقط التحرش الجنسي الصادر من طرف المشغل دون ذلك الذي قد يقع من زميل في الشغل أو الزبناء الوافدين، و هو رأي يرى عكسه أحد الباحثين[40] إذ يقول " إن مدونة شغل قد حمت اليد العاملة من الأفعال المخلة بالأخلاق و الأداب العامة و الماسة بشرفها سواء الصادرة من مشغلها، أو من قبل زميلا في العمل…"، غير أن الرأي الذي يبقى في نظرنا يقارب الصواب هو الرأي القائل بأن مدونة الشغل جاءت قاصرة بخصوص حماية كرامة الأجير عندما يتم التحرش به من طرف زميله أو زبون للمقاولة، و لعل ما يؤكد قولنا هو أنه و حتى إذا قلنا أن الزميل المتحرش بالأجير إذا ما تبث في حقه هذا الفصل سيلقى التوبيخ من طرف المشغل و ذلك ما تأكد بالفعل في إحدى القرارات النادرة و الصادرة عن محكمة النقض[41] عدما اعتبرت " أن قيام الأجير بتحرش الجنسي بزميلة له في مكان العمل و ذلك عبر إرسال لها رسالة هاتفية مخلة بالإداب يعد خطأ جسيم يبرر فصله من العمل …" فإن حالة الزبون المتحرش و لإنعدام علاقة التبعية بينه و بين المشغل إضافة إلى كون أن الواقع يأكد في حالات عديدة نادرا ما نتصور وقوف مشغل بجانب أجيرا أو أجيرة متحرش بها في مواجهة زبون المقاولة الذي يصدر عنه فعل التحرش الجنسي، ذلك لأن الكسب المادي سوف يجعل المشغل يغض الطرف عن هذا الفعل مخافة خسارة هذا الزبون في المستقبل. و هذا ما تنبه إليه المشرع الفرنسي من خلال مدونة الشغل الفرنسية التي تضمنت نصوصا و مقتضيات من شأنها حماية الأجراء و الأجيرات حينما يتعرضن لتحرشات ليس فقط من طرف مشغلهن بل من طرف أي شخص أخر و ذلك ما أكده المشرع الفرنسي بإعتماده صياغة" toute personne "في الفصل 1-1153 من مدونته[42] ولم يكتفي بهذا فقط فإمكانياتة فرض عقوبته حتى على الزميل إذا قام بها[43] كما مدد الحماية حتى للأجراء الذين يدلون بشهاداتهم في الموضوع حيث يمكنهم تقديمها دون الخوف على مستقبلهم داخل العمل[44]. هكذا فالمشرع المغربي خطى خطوات مهمة للقضاء على كل الممارسات (السب الفادح و التحرش مثلا…) التي تنسف حق الأجير الشخصي في الكرامة سواء من خلال مقتضيات جنائية[45] أو من خلال إعتبارها خطأ جسيما مع مقتضيات المادة 40 من م.ش فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما مدى تفعيل مقتضيات المادة 40 من م.ش على أرض الواقع و ذلك من خلا ل العمل القضائي؟ تختلف الظواهر التي تمس بكرامة الأجير و إذا كانت كل من السب و التحرش الجنسي إحدى نمادج هذه الظواهر فإنه تمت فكرة يجب التأكيد عليها و مفادها هي إذا كان الأجير (رجل أو مرأة) الذي تمس كرامته عن طريق السب سيلجئ للقضاء لا محال من أجل إنصافه فإن نفس الأجير لو مست كرامته عبر تحرش الجنسي فإن إحتمال عدم طرق باب القضاء و السكوت عن الفعل أمر وارد لا غبار عنه ذلك لوجود عدة معيقات إما اجتماعية أو نفسية تحول دون وصول الأمر للقضاء من أجل قول كلمته في النازلة و إنصاف الأجير المتحرش به إلا أنه و رغم هذه العراقيل فإننا نسجل أن القضاء لا يتوانى عن تطبيق مقتضيات المادة 40 من م.ش، في كل مرة تعرض عليه نازلة في هذا الموضوع. هكذا قضت محكمة النقض[46] في قرار عدد 822 بتاريخ 1 يوليوز 2011 على أن تعرض الأجير للسب و الشتم من مشغله أثناء قيامه بعمله يعد خطأ جسيما، يبرر إنهاء عقد الشغل من طرفه، مع استحقاق الأجير التعويض على الفصل التعسفي، و لا تعتبر مغادرته للشغل مغادرة تلقائية بل هي بسبب النزاع الذي حصل بين الطرفين" و بذلك يكون قضاء محكمة النقض قد أنزلت مقتضيات المادة 40 من م..ش على هذه النازلة بهاجس حماية كرامة الأجير من ظاهرة السب، وهو نفس الإتجاه الذي أكده القضاء في بعض البلدان العربية حيث ذهب مجلس العمل التحكيمي ببيروت إلى أن " المؤاجر يعتبر مسؤولا عن فسخ العقد في حالة إقدامه على مجرد شتم و تحقير أجيره"[47]. و إذا كان هذا هو موقف القضاء بخصوص مسألة السب و تأثيرها على كرامة الأجير، فإنه – أي للقضاء – نجده في مسألة التحرش بأجيرة و أثارها على كرامة الأجير يأكد على نفس التوجه و ذلك بإعتبار المشغل الذي الذي قد تسول له نفسه إستغلال سلطته من أجل التحرش بأجيرة لديه بشرفها من أجل تحصيل قوة أسرتها مرتكبا لخطأ جسيم ينتج عنه في حالة مغادرة الأجيرة لعملها تعوضها كما هو منصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 40 من م.ش، ذلك ما تأكد لنا مع حكم صدر عن إبتدائية الدارالبيضاء إطلاعنا عليه صدفتا، ولعل من بين ما يجعلنا نورد بعض حيثياته هو تأكيد فكرة أن القضاء الإجتماعي سعى و يسعى دائما إلى إعادة التوازن للعلاقة الشغلية كلما لاحظ غيابه من جهة و المحافظة على حقوق الأجير الشخصية كلما أتيحت له الفرصة من جهة أخرى. و في قضية عرضت على محكمة البيضاء الإبتدائية تتلخص و قائعهما[48] "من خلال جلسة البحث التي عقدتها المحكمة بتاريخ 21-12-2006 و التي حضرها الجميع، وكذا مترجمة المشغل لكونه فرنسي الجنسية و الأصل، حيث أكدته "نادية" أن وضع مكتبها أمام مرحاض إهانة عمدية لها بل صار "المشغل" يضع فوق مكتبها مجلات للخلاعة، و بعض الوثائق التي لا قيمة لها ثم أضافت أن مشغلها كان يمسكها من يدها و يتحرش بها جنسيا كلما حاولت أن تمده أو تسلمه بعض الوثائق، هو ما واجهه المشغل بنكران ما تدعيه "نادية" من أنه تحرش بها مدعيا أنها سيدة متزوجة كما أنكر و ضع مجلات الخلاعة في مكتبها. وعند الإستماع إلى الشاهد الذي كان يعمل بالشراكة ذاتها مدة 5 سنوات، أكد أن المدعية تشتغل ككاتبة للإدارة و متفانية في عملها مكلفة بإستقبال الزبناء و التنسيق، و أنه سمع أكثر من مرة المشغل يقول لها (شعرك جميل، ملابسك جميلة…)، و أنه لا يعلم ما يحدث عند دخولها لمكتبه، و أكد الشاهد أن ما يقوله المشغل "لنادية" لا يقوله إلى باقي العاملات. من خلال هذا كله إقتنعت المحكمة بقيام واقعة التحرش و اعتبرت أنه بعد تقييم أقوال الشهود المستمع إليهم و ما راج من نقاش الأطراف، أن التحرش الجنسي تابث و في حق المشغل، و بالتالي قضت المحكمة بتعويض المتحرش بها عن الإخطار : 4145 درهما، و عن الإنهاء 46720 درهما، و عن الفصل التعسفي 95000 درهم[49]. و إذا كان القضاء و قبل المشرع قد عمل على حماية كرامة الأجير من ظاهرتي السب و التحرش الجنسي، فإننا نأكد أن مسألة إثبات التحرش الجنسي أو السب قد تكون صعبة المنال خصوصا و نحن نعلم أن المشغل عندما يريد أن يوبخ الأجير فإنه يستدعيه لمكتبة، كما أن فعل التحرش الجنسي الذي قد يمارسه المشغل غالبا ما يعمل على إستدراج الأجير بعيدا عن باقي الأجراء ليقوم بفعله الشنيع إضافتا إلى ذلك و حتى لو سلمنا أن أحد الأجراء أراد أن يشهد مع زميله ضد مشغله لكونه تحرش به مثلا، فإن المشرع لم يوفر أي حماية لباقي أجراء المقاولة فإطار الإستماع لهم كشهود، و ذلك خلافا لنظيره الفرنسي الذي أكد على عدم إمكانية معاقبة أو فصل أي أجير بمناسبة الإداء بشاهدته على وقائع تشكل تحرش جنسيا، وإعتبر أن كل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلا[50]. الفقرة الثانية : عمال المنازل و حقهم في حماية كرامتهن. و مهما يمكن قوله على أن مسألة إثبات مظاهر الإعتداء على الحق في الكرامة تمتاز بالصعوبة و في بعض الأحيان بالإستحالة، فإنه تمت هناك فئة من الأجراء في حالات عديدة تمكنت و ستتمكن بمجهوداتها الخاصة من إثبات هذه الإنتهاكات، و ذلك لأن باب القضاء يبقى مفتوحا أمام كل أجير(رجلا كان أو إمرأة) لعرض مزاعمه عليه من أجل إقتضاء حقه، و لكن نقوها و نحن في قمة الحسرة أن هناك فئة أخرى تحرم من سلك طريق القضاء و الإحتماء بمقتضيات المادة 40 من م.ش لدفاع عن كرامتها،و يتعلق الأمر بفئة خدم البيوت أو كما يطلق عليها أيضا بعمال المنازل، إذ في كل مرة قد تمس خادمة في كرامتها[51] و تلجأ للقضاء من أجل الإحتماء به فإنه يتم الحكم برفض طلبها لكونها ببساطة بل و بوقاحة إرادة تشريعية تنبعث منها رائحة ضغوطات لوبيات مستفيدة من ذلك، لا تدخل ضمن فئة الأجراء المستفيدة من أحكام م.ش إذ تعلل المحاكم أحكامها في هذا الصدد و هي لا تلام على ذلك لكونها تطبيق القانون و تقول : " وحيث أن من الثابت من خلال مقال المدعية أن هذه الأخير خادمة و حيث إن الثابت و بمقتضى المادة 4 من م.ش أنه سيصدر قانون خاص يحدد شروط التشغيل و الشغل المتعلقة بخدم البيوت. و حيث لا يدخل في مفهوم الأجير الخاضع لمدونة الشغل خادمات المنازل، و بالتالي لا يستفيد هؤلاء من مقتضيات هذه المدونة… و حيث إن مقتضيات م.ش لا تسري على المدعية بإعتبار نوعية عملها، الأمر الذي يجعل طلبها غير مرتكز على أساس قانوني و يتعين الحكم برفضه[52] ". و من خلال ما جاء في حكم إبتدائية القنيطرة أعلاه فإننا نوجه سؤال للبرلمان المغربي بإعتبار هو السلطة التشريعية المختصة بالمغرب، ظل يأرق بال مخيلتنا بإعتبارنا باحثين في الميدان قانوني لم نجد مائدة مناسب لطرحه إلا هذه، هو : أإذا كان مفهوم الأجير يخص فئة دون فئة أخرى،فهل الظلم يخصم كذلك فئة دون أخرى؟ فهل من العدل أيها المشرع في شيء حرمان عمال المنازل من مقتضيات المدونة، ومن التقاضي في إطارها لكون هذه الفئة تعمل بجهدها و كدها لضمان لقمة العيش الكريم و حفظ كرامتها؟ كل ذلك يجعلنا نعيب على مدونة إقصائها لفئة عمال المنازل من الاستفادة من مقتضياتها،ذلك ما يمكن أن يستغله مشغليهم ليتحرشون بهذه الفئة وينتهكون حقها الشخصي في الكرامة، رغم ما يمكن قوله على أن المشرع في المادة 12 من قانون عمال المنازل رقم 19.12[53] قد ألزام المشغلين باحترام كرامة عمال المنازل أثناء مزاولة عملهم لكن لم يقرن ذلك بجزاء صريح لا في مقتضيات المادة 12 أو بمقتضى أخر في الباب الخامس المعنون بالمراقبة و العقوبات . إلى حين الإجابة عن سؤالنا هذا، لم يبقى لنا إلا التأكيد على أن صياغة القانون يجب أن يتم خارج التطاحنات السياسية من أجل نعته بكونه قاعدة سلوكية مجردة و إجتماعية و عادة تحكم جل فئات المجتمع بدون تمييز[54] . تلكم إذن كانت بعض المقتضيات التي حاولنا من خلالها رصد كيف عملت مدونة الشغل على حماية كرامة الأجير بإعتبارها أحد تطبيقات الحقوق الشخصية للأجير ذات الصلة بالممارسة الإجتماعية.
حيث جاء في ديباجته " لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية و بحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية و العدل و السلام في العالم".[1] تنص المادة1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:" يولد الناس أحرار متساوين في الكرامة و الحقوق و قد وهبوا عقلا و ضميرا…"[2] العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية…[3] سنقف عند هذا الأمر في النقطة الموالية.[4] جريدة " المساء اليومية" فضائح التحلرش الجنسي تهز شركة الخطوط الملكية الجوية" عدد 1381 بتاريخ مارس 2011 عدد1381 الصفحة 1[5] www.almassaa.ma/1381 تجدر الإشارة أن السب كذلك يعتبر أحد الأخطاء الجسيمة إذا صدر من الأجير طبقا للمادة 39 من م.ش [6] خديجة عاشور : "الحماية القانونية للمقاومات المادية المعوية للحقوق الشخصية الإنسانية "، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في القانون الخاص،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية أكدال – الرباط، السنة الجامعية 1998-1999،ص 61 و مابعدها.[7] " تجدر الإشارة أن المشرع يعتبر أن الأجير الذي يسب مشغله يعد مرتكبا لخطأ جسيم يبرر فصله طبقا للمادة 39 من م,ش من القضاء في [8] العديد من قراراته و أحكامه إعتبر أن السب الأجير للمشغل كرد على لسب هذا الأخير له، لا يدخل في عداد الأخطاء التي توجب الفصل مادام المشغل هو البادئ في السب,,," للمزيد بخصوص هذا الموضوع، راجع أسماء الشرقاوي م,س ، ص 117 و ما بعدها, عبد اللطيف النقاب : م.س الصفحة 104-105.[9] بلفلاح عبد الله : " حماية المقاولة في إطار علاقة الشغل الفردية" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية [10] و الإقتصادية و الإجتماعية السوسي الرباط- السنة الجامعية 2010-2011، الصفحة 50. [11] نفس المرجع أعلاه : الصفحة 50. [12] عبد اللطيف النقاب " الحماية القانونية لحقوق الأجراء الشخصية في القانون المغربي"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، مراكش السنة الجامعية 2010-2011 : ص 105 [13] محمد الشرقاني : " علاقة الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل"مطبعة دار القلم شارع النور 12-الرباط، الطبعة الأولى،السنة يناير 2003، الصفحة58. [14]Demont FREDERIC : le sexe élément de la dignité du salarie " : mémoire de D.E.A de doit social faculté des sciences juridiques, politique et sociales, université de Lille 2 année universitaire, 2000/2001, p 17 .voir le site internet : www.édoctorale 74.una.lille2.fr date d'accée 2016/07/23. عبد الكبير طبيح : أورده عبد اللطيف النقاب : م.س : صفحة 107.[15] [16] claud,rog, laustaunou أشارة له فوزية سربوت : " الحماية القانونية للحقوق الشخصية للأجراء في القانون المغربي"، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية – سطات – السنة الجامعية 2014-2015. : الصفحة 65 عبد الواحد موالدة : "حماية حق الأجير في ضوء الإتفاقيات الدولية، ومدونة الشغل" بحث نهاية تمرين الملحقين القضائيين الفوج 34 السنة[17] 2007-2009، الصفحة 24. جريدة الأخبار : م,س : ص 13[18] [19] محمد بنحساين : "حماية الحقوق الشخصية في قانون الشغل"، مطبعة تطوان ، طبعة سلسلة دراسات معمقة، الأولى سنة 2015 م,س، ص 82. [20] ذكر أحد الباحثين إحصاء يجعلنا نقول أن الصمت فعلا هو أحد العوامل المساعدة على تفشي هذه الظاهرة بشكل كبير قال أن %84,10 من الأجيرات المتحرش بهن يلزمن الصمت بينما اللواتي تكون لهن الجرأة و يقولون لا بصوت عالي مكسرين جدار الصمت فقط %15,90. [21] Philippe WAQUEt : "l'entreprise et lest les libertés du salarie du citoyen au citoyen salarie", Edition liaisons 2003, p 166 . [22] www.forum.ok-eg.com/new.php? Print =1&id=&id=21683.تاريخ الإطلاع : 23 –يوليوز 2016 [23] أسية المواق :" عقد الشغل وحقوق الأجير الشخصية"، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية ، أكدال الرباط، السنة الجامعية 2008 2009.: ص 34. [24] www.maghress.com/almassae/15860 مقال بعنوان : مشروع قانون جديد لتجريم التحرش الجنسي في المغرب تاريخ الإطلاع : 23-07-2016. للمزيد من التوضيح و الإطلاع على حالات أخرى راجع الموقع المشار إليه أعلاه.[25] [26] www.forum.ok-eg.com. (موقع تمت الإشاىة له سابقا.) راجع مقتضيات المادة 443 من ق.ج.[27] محمد بن حساين : " حماية الحقوق الشخصية في قانون الشغل" م,س ص 86-87,[28] ينص الفصل 483 : "من ارتكب اخلالا علنيا بالحياء، و ذلك بالعري المعتمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر [29] واحد إلى سنتين وبغرامة مالية من مائة و عشرين إلى خمسمائة درهم. و يعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر قاصر دون الثامنة عشر من عمره، أو في مكان قد تتظلع إليه أنظار العموم". ينص الفصل 486 :" الإغتصاب هو مواقعة رجل لأمرأة بدون رضاها، يعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشرة سنوات.[30] فإذا كان سن المجني عليه تقل عن خمسة عشر عاما فإن العقوبة هي السجن من عشرة إلى عشرين سنة" ينص الفصل 484 : " يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات هتك بدون عنف أو حاول هتك عرض قاصر يقل غمره عن خمسة عشرة سنة، سواء كان ذكر أو أنثى".[31] عبد اللطيف النقاب : م.س، ص : 113[32] + القانون المصري لشغل عبر المادة 90 منه[33] + القانون الجزائري لشغل عبر المادة 6 منه + امجلة التونسية لشغل غبر المادة 76 منها + القانون الفرنسي لشغل عبر المادة 1153-1 منه نوال الغرباوي : "المرأة الأجيرة بين مبدأ المساواة والمقتضيات الحمائية الخاصة في مدونة الشغل،" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية السنة الجامعية 2010 – 2011 ، ص 76.[34]
[35] رشيد مهيد : "ملائمة مدونة الشغل للإتفاقيات الدولية" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال –الرباط- السنة الجامعية 2012-2013 الصفحة 239. عبد الواحد موالدة : م.س : ص 27[36] الفصل 1-503 من ق,ج " يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين و بغرامة 5000 إلى مليون درهم، من أجل التحرش الجنسي…"[37] جريدة الأخبار : م.س ص 13.[38] + محمد بن حساين : م,س : ص 92[39] + نوال الغرباوي : م.س : 80. + رشيد مهيد : "ملائمة مدزنة الشغل للإتفاقيات الدولية" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية أكدال –الرباط- السنة الجامعية 2012-2013 ص 240 + عبد الواحد موالدة : م.س : ص 27 + منى سرتاني "الحماية القانونية للأم الأجيرة في القانون الاجتماعي المغربي دراسة مقارنة"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية الإقتصادية والإجتماعية الدارالبيضاء – عين الشق –، السنة الجامعية 2007 – 2008 . : ص 4. إدريس الرحاوي : ضمانات تشغيل اليد العاملة النسائية – دراسة مقارنة – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،جامعة محمد الأول ،كلية العلوم القانونية و الإقتصادية والإجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2007 – 2008 ص 32.[40] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 758 بتاريخ 02-06-2016، منشور في مجلة القضاء المدني، العدد 12 صيف/خريف 2015 صفحة 166 و ما بعدها .[41] [42] L'ARTICLE L1153-1 déclare que : les agissement de harcélement de toute personne dans le but d'obtenir des Faveurs de nature sexuelle à son profit ou au profit d'un tiers sont interdits. [43] L'ARTICLE L1152-5 déclare que : tout salarié ayant procédé à des agissement de harcélement moral est Passible d'une sanction disciplinaire. [44] L'ARTICLE L1153-3 déclaré que : aucun salarié ne peut étre sanctionné, licencie ou faire l'objet d'une mesure Discriminatiore pour avoir témoigné des agissements e harcélement sexuel ou pour les avoir relatés. المادة 1-503 ق ج، كما نشير أن وزارة الأسرة و التضامن في 2008 قد عملت على تقديم مشروع قانون يقضي بتجريم التحرش و لا زال لم [45] يرى النور إلى حد الأن. قرار صادر عن محكمة النقض عدد 822 بتاريخ 1 يونيو 2011 في ملف إجتماعي عدد 106-5-1-2010، منشور في مجلة محكمة النقض[46] عدد 74 في نشرة المتعلقة بالقرارات الإجتماعية، الصفحة 316. قرار رقم 432 ت 27-06-1950 بيروت، أشار له صادقين عبد المجيد م,س : ص 63,[47] حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بالبيضاء بتاريخ 07-05-2007 منشور على الموقع التالي : (تارخ الإطلاع 24-07-2016)[48] www.ensan.net/news/202/article/3749/2008-04-27.html لا بد أن نأكد أن المشرع نص على بعض التصرفات في المادة 40 من م,ش و التي تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة مرتكبة من طرف المشغل[49] إلا أن القضاء نجده في كل مرة تتاح له الفرصة يضيف تصرف أخر و يعتبره خطأ جسيم ينتج عنه في حالة مغادرة الأجير لعمله إستحقاق الأخير تعويض عن الفصل التعسفي و لعل من الأمثلة التي أقدم لنربهن على هذا الكلام : ذلك القرار الذي إعتبر فيه المجلس الأعلى أن الأجير مفصول تعسفيا حينما غادر شغله لسبب تغيير مشتغلته منصبه من مدير إلى عامل مكلف يغسل الأواني هو ما إعتبره القضاء هنا مستفز لشعور و كرامة الأجير، للمزيد أكثر حول هذا القرار راجع بشرى العلوي، م,س، ص 95. [50] DEMONT FRéDéRIC : " le sexe élément de la dignité du salarie " : mémoire de D.E.A de doit social faculté des sciences juridiques, politique et sociales, université de Lille 2 année universitaire, 2000/2001 .voir le site internet : www.memoireonline.com. ,p,21-23 بشكل شبه يومي نقرأ في الجرائد و المجلات و كذا عبر مواقع التواصل الإجتماعي قصة يتألم معها القارئ من كون كرامة خادمة بيت تنتهك[51] بدون حسيب و لا رقيب. حكم صادر عن ابتدائية قنيطرة عدد 529-08 بتاريخ 05-11-2008 غ.م أشار له عبد المجيد صادقين م.س الصفحة 64.[52] نفس الأمر قرره المجلس الأعلى في قرار عدد 90 على 781 بتاريخ 21-06-1989 في ملف مدني عدد 48/89، حيث أنكر صفة أجيرة على خادمة البيت، أشارت له دنيا أمباركة : " النظام الحمائي للمرأة العامة في التشريع الإجتماعي المغربي" مجلة المناهج العدد 1 سنة 2001 ص 44. [53] ظهير شريف رقم 1.16.121 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، جريدة رسمية عدد 6493 بتاريخ 18 ذو القعدة 1437 (22 أغسطس 2016)، صفحة 6175.
يكفي أن نشير إلى تلك الواقعة التي تناقلتها مختلف المنابر الإعلامية و المتعلقة بإحدى ربات البيت بمدينة الرباط التي ظلت تضرب و تجوع و تكوي خادمتها[54] الصغيرة إلى أن فارقت الحياة و هي في مقتدر العمر، كل هذا يجعلنا نستغرب اليوم قبل الغد لموقف المشرع عندما استثنى هذه الفئة من مدونة الشغل و ما هه الواقعة المذكورة أعلاه إلا شجرة تغطي غابة خدمات تمس كرامتهن و لا يجدون سبيلا للإحتماء به.