توصل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الخميس الماضي إلى اتفاق تجاري، في ختام عشرة شهور من المفاوضات المكثفة من شأنه أن يخفف حدة الصدمة الاقتصادية الناجمة عن بريكست. وبفضل الاتفاق، لن تواجه المملكة المتحدة رسوما على التجارة عبر المانش عندما تغادر السوق الأوروبية الموحدة يوم رأس السنة، رغم تخليها عن نصف قرن من الشراكة المتينة. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون "استعدنا السيطرة على قوانينا ومصيرنا. استعدنا السيطرة على كل صغيرة وكبيرة من قواعدنا بشكل كامل ومن دون عوائق". وبدورها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين "في نهاية رحلة ناجحة من المفاوضات أشعر عادة بالسعادة. لكنني اليوم لا أشعر إلا برضا هادئ وبصراحة، ارتياح". ولكنها حذرت "ستكون السوق الموحدة منصفة وستبقى كذلك"، في ظل الاتفاق الذي يحميها من منافسة بريطانية غير منصفة. كما حضت الأوروبيين البالغ تعدادهم 440 مليونا في الاتحاد الذي يضم 27 دولة على طي صفحة السنوات الأربع التي شهدت العديد من الأحداث منذ استفتاء بريكست والتطلع إلى المستقبل. وأفادت "أقول إن الوقت حان لطي صفحة بريكست. مستقبلنا مصنوع في أوروبا". وغادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسميا في يناير بعد استفتاء أحدث انقسامات عميقة في 2016، فكانت أول دولة تنفصل عن المشروع السياسي والاقتصادي الذي ولد تزامنا مع إعادة بناء القارة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولكن لندن بقيت ملزمة بقواعد الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الانتقالية التي تنقضي منتصف ليل 31 دجنبر، عندما تغادر المملكة المتحدة سوق التكتل الموحدة واتحاده الجمركي. وتأخر إقرار الاتفاق النهائي المكون من ألفي صفحة جراء خلافات في اللحظات الأخيرة بين الجانبين بشأن تفاصيل حول حق وصول الصيادين الأوروبيين إلى المياه البريطانية بعد نهاية العام. وقالت فون دير لايين إنه على الرغم من أن المملكة المتحدة ستصبح "دولة ثالثة" إلا أنها ستبقى شريكا موثوقا. من جهته، أصر جونسون، الذي وصل إلى السلطة عبر تعهده "إنجاز بريكست"، على أن الاتفاق "جيد لكل أوروبا ولأصدقائنا وشركائنا كذلك". وتابع من داونينغ ستريت في تصريحات وجهها إلى الاتحاد الأوروبي "لن يكون أمرا سيئا برأيي أن تكون هناك مملكة متحدة مزدهرة ومرنة وراضية على عتبتكم". وسارع قادة من أنحاء القارة للإشادة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في اللحظات الأخيرة ويزيح الخطر من إمكانية خروج بريطانيا من التكتل من دون قواعد متابعة بعد 47 عاما من التاريخ المشترك. وقال رئيس الوزراء الايرلندي مايكل مارتن الذي كان بلده العضو في الاتحاد الأوروبي سيتأث ر بشد ة في ظل سيناريو بريكست بدون اتفاق، إن الاتفاق يعد "النسخة الأقل سوءا من بريكست التي يمكن تحقيقها". وتابع "لا يوجد +بريكست جيد+ بالنسبة لإيرلندا. لكننا عملنا بجد للتقليل من العواقب السلبية". من جهتها، أعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن "ثقتها" بأن الاتفاق "نتيجة جيدة" للمفاوضات في وقت سيتعين الآن على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إقراره. كما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ب"وحدة وحزم" الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن ذلك أثمر عن النجاح في التوصل إلى الاتفاق. وبعد الإعلان عن الاتفاق السياسي، سيكون على المفوضية الأوروبية إرسال النص إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي ال27. ومن المقرر أن يجتمع مندوبوها الجمعة وبأن يقضوا ما بين يومين وثلاثة لتحليل الاتفاق واتخاذ قرار بشأن إن كانوا سيقرون تطبيقه المؤقت. كما سيتعين على البرلمان البريطاني قطع عطلة نهاية العام للتصويت على الاتفاق في 30 دجنبر. وسيتم تمريره بسهولة على الأرجح نظرا إلى أن حزب العمال المعارض أكد أنه سيدعمه. وإذا سار كل شيء وفق المخطط، فسيكون فريقا التفاوض أبرما اتفاقا ضخما في مدة قياسية. ومع خروج بريطانيا من السوق الموحدة ومنطقة الاتحاد الجمركي، سيتعين على المتعاملين التجاريين عبر المانش التعامل مع مجموعة من القواعد الجديدة والتأخيرات. ويتوقع خبراء اقتصاد بأن يتضرر كلا الاقتصاديين اللذين أضعفهما بالفعل وباء كوفيد-19، مع تعطل سلاسل الإمداد وازدياد التكاليف. ولكن التهديد بالعودة إلى الرسوم الجمركية أزيل، وستبقى العلاقات بين الشركاء السابقين على أسس راسخة. وستسعى جميع الأطراف لإضفاء بعض الإيجابية على الاتفاق حتى لا يظهر أي طرف على أنه قدم العديد من التنازلات. ولكنه سيعتبر انتصارا بالنسبة لجونسون ونجاحا كذلك لفون دير لايين وكبير المفاوضين عن التكتل ميشال بارنييه الذي قاد نحو عشرة شهور من المحادثات المكثفة مع نظيره البريطاني ديفيد فروست. وبعد استفتاء عام 2016، الذي اختار فيه الناخبون البريطانيون مغادرة الاتحاد، تفاخر مؤيدو خروج بريطانيا من التكتل بأنهم يمكن أن يظفروا ب"أسهل صفقة تجارية في التاريخ". وكانت وجهة نظرهم هي أنه بعد ممارسة الأعمال التجارية وفقا لمعايير ولوائح الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة، ستكون الاقتصادات متناسبة مع بعضها البعض. ولكن العواصم الأوروبية كانت قلقة من أنه إذا قام منافس تجاري كبير يقف على أعتابها بتحرير صناعته، فإن شركاتها ستواجه منافسة غير عادلة. وأصرت بروكسل على أن الطريقة الوحيدة لإبقاء الحدود البرية بين أيرلندا والمملكة المتحدة مفتوحة هي إبقاء أيرلندا الشمالية، وهي مقاطعة بريطانية، ضمن اتحادها الجمركي. ورفضت الدول الأعضاء التخلي عن حق الوصول إلى مياه الصيد البريطانية الغنية بالثروة السمكية، حيث تستفيد فرنسا وبلجيكا والدنمارك وأيرلندا وهولندا منها بشكل كبير. وظهرت مسألة الثروة السمكية كآخر حجر عثرة في وقت متأخر هذا الأسبوع عندما رفضت الدول الأعضاء – بقيادة فرنسا- عرضا من المملكة المتحدة. وحاولت لندن خفض حصة أساطيل الصيد في الاتحاد الأوروبي البالغة قيمتها السنوية نحو 650 مليون يورو بأكثر من الثلث، بحيث تدخل التغييرات حيز التنفيذ على مراحل على مدى ثلاث سنوات. وأصر الاتحاد الأوروبي، ولاسيما البلدان التي لديها أساطيل صيد شمالية مثل فرنسا والدنمارك وهولندا، على 25 في المئة على مدى ست سنوات على الأقل. وفي نهاية المطاف، استقر الاتفاق على الرقم الذي حدده الاتحاد الأوروبي لكنه خفض مدة الفترة الانتقالية إلى خمس سنوات ونصف، وفق مسؤول أوروبي. بعد تلك المدة، سيتم التفاوض على الوصول إلى مياه الصيد البريطانية على أساس سنوي.