تحدي الانغلاق وتكريس الانفتاح والانتصار للتنوع الثقافي انطلقت، الجمعة الماضي، فعاليات مهرجان موازين/إيقاعات العالم الذي تنظمه جمعية مغرب الثقافات، في الفترة ما بين 20 و28 ماي الجاري. ويعود المهرجان في نسخته العاشرة إلى معانقة عاصمة البلاد ناشرا في فضاءاتها الرتيبة أجواء حارة وإيقاعات دافئة وملونة من دون حدود، وتبدو العاصمة وقد أعلت بيارق هويتها المعلنة في قيم الانفتاح والتسامح والتعايش وحوار الثقافات. فهل هناك أرقى من الموسيقى لحوار عميق بين الهويات المتنوعة...؟ جمهور من كل حدب وصوب تقاطر على المدينة، وأهاليها خرجوا تعلو محياهم علامات الفرح وملامح النشوة بمهرجان انتظروه بشغف وتحدٍّ. وأثثت فضاءات الرباط أضواء وديكورات أضفت على أحيائها وشوارعها رونقا وجمالا، وانتصبت منصات هنا وهناك لتتحول إلى أحضان تمنح الانتعاش والدفء، ولحظات سعادة غامرة.. هكذا استقبلت العاصمة مهرجانها الكبير، وانشرحت فضاءاتها لتسع الجميع. عروض تقطع الأنفاس، تشعل أحلام وفرح الناس الذين يتقاطرون على المنصات يومياً بالآلاف مساء، كل حسب ذوقه وهواه لملاقاة معشوقيه من موسيقيين عالميين، عرب ومحليين في أجواء ساهرة تؤجج نبض العاصمة وجمهور من كل الشرائح والأعمار مع طغيان الشباب تحديداً، حيث يكتمل شغف المدينة المكلل بالانفتاح والتواصل مع الفرح والحداثة وتحدي الانغلاق وتكريس الانفتاح والانتصار للتنوع الثقافي. وقال المدير الفني لمهرجان موازين، عزيز الداكي، إنه يتوقع في الأيام القليلة المقبلة أن «يصل جمهور المنصات الكبرى إلى نحو 70 ألف شخص»، مبرزا أن المنظمين يعملون على أن تمر العروض في ظروف جيدة، معربا عن اندهاشه لأعداد الجماهير التي تقاطرت على أمسية الافتتاح، قائلا: «لقد فوجئنا بأعداد الجماهير التي فاقت ما كنا نتوقعه لأمسية الافتتاح»، مضيفا أنه قلما شوهد في تاريخ المهرجان «هذا الكم الهائل من الجمهور بمنصة أبي رقراق التي تابع فيها 22 ألف شخصا عرض الفنان فيمي كوتي». لقد شكل مهرجان موازين- إيقاعات العالم وما يزال بعد تسع سنين، التجربة الأولى في إفريقيا والعالم العربي لمهرجان موسيقي بهذه الضخامة وبهذا العدد من الفنانين والموسيقيين المحليين، العرب والعالميين ونوعيتهم الوازنة. وهو فعلاً مهرجان دولي كبير استطاع عبر الموسيقى تمرير عنوان الهوية المغربية المتنوعة والمنفتحة والمتعايشة، واستطاع كذلك تمرير خطابه الرامي إلى توحيد القلوب والتوفيق المتناغم بين الأذواق وبين الأنماط الموسيقية المختلفة انطلاقا من كونها تحاكي الكوامن الحسية للإنسان أينما وجد على ظهر هذا الكوكب. ومن جهته اعتبر الرئيس المنتدب لجمعية مغرب الثقافات عزيز السغروشني «أن مهرجان موازين-إيقاعات العالم، الذي يتألق مع توالي الدورات ويحظى بمكانة مرموقة بين التظاهرات الفنية العالمية، يمنح الفرصة للجمهور المغربي لاكتشاف مختلف التعبيرات الفنية والثقافات الكونية.» مضيفا «أن المهرجان، الذي يكرس القيم المغربية النبيلة والسامية، يسعى إلى منح الفرصة للطاقات المغربية الشابة لتبادل الخبرات مع النجوم العالميين». هذا، وتتواصل فعاليات الدورة العاشرة من المهرجان الذي ولد كبيرا واستطاع منذ أولى دوراته جعل بلادنا تستضيف نجوما من العيار الثقيل من أمثال ملك البلوز الراحل بي بي كينغ أو العملاق ستيفي ووندر، إضافة إلى مطربين وعازفين يضيق المجال هنا عن ذكر أسمائهم، دون إهمال لمكانة الفنانين العرب والمغاربة، وفي دورته العاشرة، تستضيف الرباط الفنان الكبير كوينسي جونز الذي تم تكريمه عشية انطلاق الدورة إلى جانب فناننا الكبير عبد الوهاب الدكالي بالمسرح الوطني محمد الخامس، ليلة الافتتاح. وتستضيف الدورة أيضا روجي هودسون وهو أيضا أحد كبار المغنين وأحد العازفين المتألقين ضمن مجموعة سوبير ترامب الشهيرة، ناهيك عن مجموعة أورت ويند أن فاير، وصاحب الصوت الأجش المغني جو كوكر، وغيرهم كثير. بخصوص كوينسي جونز يجدر القول أن هذا الرجل / الفنان هو سيد الدورة بكل المقاييس كملحن نال أكبر عدد من الجوائز الرفيعة في أنحاء العالم، وفي بلاده الولاياتالمتحدة حاز 27 مرة جائزة غرامي، وكمنتج تعامل مع كبار الفنانين من أجيال مختلفة، كما يشهد التاريخ لهذا الرجل أنه كان وراء إنتاج وتلحين الأغنية الشهيرة «وي آر ذو وورلد « لمساعدة إفريقيا، وهي أغنية ضمت صفوة من الأصوات من بينها من يحضر هذه الدورة من موازين-إيقاعات العالم كليونيل ريتشي وجو كوكر. بدأ كوينسي مشواره كعازف على الترامبيت مع فرق عدة، ومع مجموعة من المطربين المشهورين في ذلك الوقت، وبالذات «راي شارلز» وفي عام 1956 انضم إلى فرقة «ديزي جليسبي» وقام بجولة عالمية شملت الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا.. وعلى الصعيد الخيري يدير كوينسي ومن أمواله الخاصة ثلاثة صناديق خيرية أولها يقوم ببناء المنازل للمحتاجين في جنوب إفريقيا، والثاني خاص بتطوير أمراض القلب، والثالث برعاية الأطفال المرضى. أما بالنسبة للبرمجة وبخصوص العروض الفنية لمساء يومه الاثنين، فسيكون جمهور المهرجان على موعد مع حفل يحييه الفنانان اللبنانيان كارول سماحة وفارس كرم بمنصة حي النهضة، فيما سيؤدي المغني البريطاني يوسف إسلام أجمل أغانيه في عرض فريد بمنصة السويسي. كما سيكون عشاق الطرب المغربي بمنصة سلا على موعد مع مولود مسكاوي، ومجموعة اتهران ومجموعة ازنزارن الشامخ، ومع مجموعة المحمدية للموسيقى الروحية بدار الفنون، أما بموقع شالة الأثري فسيلتقي جمهور المهرجان مع دانييل وارو من جزيرة لا رونيون. وبفضائي المنزه وأبي رقراق سيحمل الفنانون نحاس ومجموعة هوبا هوبا سبيريت، عشاق الفن الراقي إلى عوالم موسيقية متنوعة. وهكذا يبدو جليا أن مهرجان موازين، الذي يحرص منظموه في اختياراتهم الفنية على اعتماد المقاييس المتعارف عليها عالميا، يسعى كذلك لمراعاة عنصري التنوع والتعدد لإرضاء أكبر عدد من الأذواق. كما يؤكد على ذلك المنظمون. هذا وشهدت الأيام الثلاثة الأولى من المهرجان أمسيات فنية كبيرة أحيتها نجوم وازنة كالفنانة السورية ميادة الحناوي، والمجموعة الهندية باهاراتي، والفنانين المغاربة لطيفة رأفت، ليلى البراق، نعمان الحلو، وثريا الحضراوي، وأسماء المنور وكاظم الساهر.