ثقوب طبعا، الثقوب أحجام. من الصعب تحديد أصغرها أو أكبرها. ولتبسيط ذلك تم تقسيمها إلى عدة أنواع، حسب من يرصدها. فإن كان من يرصدها محاسبا كانت «ثقبا في الميزانية»، وإن عالما «ثقبا أسود»، وإن مهندسا «ثقبا في السد»، وإن تقنيا إعلاميا «ثقبا في النظام». ولا شيء أمتع من الحصول على ثقب يحشر فيه المرء نفسه. الثقوب الكبيرة، لأنها بادية للعيان، ذات طبيعة عابرة. ذلك أن عددا كبيرا من الناس يتطوعون لسدها أو هم مجبرون على القيام بذلك. أما الثقوب الصغيرة، فيمكن أن لا ينتبه إليها أحد لآلاف السنين، فتستمر في الكبر شيئا فشيئا، دون أن تظهر، بينما الجميع منشغل بملاحظة الثقوب الكبرى. لهذا السبب، يجب عدم استبعاد فرضية أن العالم يعج بها؛ إنها، بالتأكيد أكثر عددا من الثقوب الكبيرة. وعددها يعادل قدر ما في الإسفنج من ثقوب. لذلك، عندما يتم اكتشاف ثقب صغير، يجب الإمساك به في الحال، قبل أن يراه شخص آخر، ويأخذ في نبشه ببطء إلى أن يصير كبيرا بما يكفي ليمر عبره. فقط بهذه الطريقة تُقطع العلاقة مع العالم، الكثير الثقوب أصلا، قبل أن يمتصنا انطلاقا من كل واحد من مسامِّه ومسامِّنا. حامل الإرساليات بدأت عملي كحامل إرساليات. أقضي يومي في أخذ الأظرفة، والطرود البريدية أو أحجام أخرى، ونقلها عبر الممرات والأزقة إلى أن أسلمها إلى وجهتها. يوما بعد يوم، اكتسبت خبرة في هذه المهنة، فأصبحت متفوقا لدرجة أنني حصلت على العديد من الجوائز. كنت أشهر حامل إرساليات في المقاولة، التي كانت تتوفر على عدد كبير منهم. والمقاولات، كالعادة، تكاد تتشكل بالكامل من حاملي إرساليات. كان الزملاء يراقبونني ويتجسسون علي، محاولين الكشف عن السر أو تقليد التقنية، لكني أظن أنهم لم ينتبهوا أبدا لعامل النجاح الحاسم. إذا كنت أتحسن أكثر من أي واحد منهم، فإن ذلك يُعزى لكوني أتصرف مثل بهلوان أو راقص لا يتحركان تماما. بعد أن آخذ الشيء الذي سأسلمه، أكتفي باستقبال الثقل الجديد وضبط توازني معه، ثم أنساق عبر الممرات والشوارع، دون مقاومة، إلى أن أبلغ وجهتي. لا توجد طريقة أسرع من هذه للوصول إلى أي مكان. عندما أصل، وأسلم السلعة، أصبح فجأة أقل وزنا، أستعيد توازني ثم أعود يحملني الجزر البحري. هكذا تعلمت أن لا أحد يذهب في الحقيقة إلى أي وجهة. مرآة امرأة عرفتُ امرأة كانت، عندما تنظر إلى وجهها في المرآة لتعتني بشكلها، تقول مخاطبة نفسها، بدل أن تتساءل إن كانت أجمل، إن الانعكاس يشوه صورتها. كانت تعاني من حساسية المرايا. قررتْ أن تتخلص من كل المرايا التي تصادفها. سحبتها من غرفة النوم، والحمام، والحقيبة، وأبواب الدولاب، والبهو، والسيارة. لم تعد تستعمل المصعد الذي يتوفر على مرآة، وغيرت زجاج النوافذ العاكسة... كم كان ذلك مضنيا! لم تنتبه قط لكل هذا العدد من المرايا، إنها كانت تعيش في عالم مرآوي. مرت أيام تحت نظام بصري صارم، كانت خلالها النظرات الخاطفة للمرايا شيئا ممنوعا. ذات مرة، بما أنها لم تستطع أن تكتم فضولها، سألتني، ولم أكن أعرف بعد حكايتها مع المرايا، كيف أجدها، وهو ما أجبت عليه قائلا: - إنني أراك شعثاء بعض الشيء وشاحبة، يا عزيزتي. دخلت في نوبة من البكاء، تتأسف لأنها لا تجد حلا، نظرا لحساسيتها المرآوية. إنها بحاجة لرؤية صورتها المنعكسة لترتب هيئتها، دون الحديث عما يتسبب فيه لها ذلك من مشاكل في التنقل... فأجبتها، محاولا أن أواسيها: - إنك تعجبينني بطريقة لا تراها المرايا. أوقفت شكواها. تزوجنا شهرا بعد ذلك. إنني مدين بزواجي للميتافيزيقا.