ظهر فيروس كورونا المستجد لأول مرة في الصين في أواخر عام 2019، ويمكنه أن يتسبب في اضطراب اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال أربع قنوات متميزة: بشكل مباشر من خلال انتقال العدوى، وبشكل غير مباشر من خلال التأثير على أسعار النفط وسلاسل القيمة وحركة السياحة. وكما يشرح هذا المقال، فإن قناتي العدوى وأسعار النفط هما الأكثر تأثيراً، وقد انتشر الفيروس حتى وصل إلى إيران وبلدان أخرى في المنطقة، وهوت أسعار النفط 20 دولارا في البرميل منذ اكتشافه. في 31 جنبر 2019، تلقت منظمة الصحة العالمية أول تحذير بشأن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من السلطات الصينية. وقد تتسبب الإصابة بهذا الفيروس الجديد في ظهور أعراض تشبه الإنفلونزا، ولكنها أشد حدة، واحتمال أن تؤدي إلى الوفاة أكبر من فيروسات كورونا المعروفة الأخرى. واتسعت رقعة انتشار الفيروس حتى وصل إلى 95 بلدا وإقليما وبلغ عدد حالات الإصابة به أكثر من 100 ألف والوفيات قرابة 3500 حتى 6 مارس 2019. ومن الممكن أن يتسبب فيروس كورونا في اضطراب حاد في الأنشطة الاقتصادية العالمية. وفي هذا المقال، وهو عبارة عن فصل في مطبوعة جديدة على الموقع الإلكتروني لمطبوعات مركز بحوث السياسات الاقتصاديةVoxEU/CEPR وعنوانها الاقتصاد في عصر فيروس كورونا المستجد. نتناول من خلال هذا المقال القنوات التي قد يؤثِّر هذا الفيروس من خلالها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. انتشار عدوى الإصابة بفيروس كورونا من الممكن أن ينقل المسافرون من الصين وكوريا وإيطاليا وبلدان متضررة أخرى عدوى الإصابة بفيروس كورونا إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد وصل الفيروس بالفعل إلى إيران وبلدان أخرى في المنطقة. وحتى 6 مارس، أفادت إيران بوقوع أكثر من 4500 حالة إصابة بالفيروس وما لا يقل عن 43 حالة وفاة. ومن المحتمل أن تؤدي الزيادة السريعة لحالات الإصابة هناك إلى اضطراب الإنتاج والتجارة في هذا البلد. ومع انتشار الفيروس في إيران، أغلقت السلطات المدارس، وألغت الفعاليات والمناسبات الفنية والسينمائية، وأغلقت بلدان مجاورة حدودها البرية مع إيران. وقد أعلنت بلدان أخرى في المنطقة أيضا عن اكتشاف حالات إصابة بالفيروس. وحتى 6 مارس، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن 28 حالة إصابة بالفيروس، والعراق عن 40 حالة، والبحرين عن 60 حالة، وأعلنت الكويت عن 58 إصابة بالفيروس. كما أعلنت مصر ولبنان وقطر عن اكتشاف أول حالات إصابة بالفيروس لديها. وتتوقف القدرة على احتواء الفيروس على قوة أنظمة الصحة العامة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتُصنِّف منظمة الصحة العالمية معظم بلدان المنطقة في مراكز مرتفعة نسبيا بين النظم الصحية في 191 بلدا في العالم، مع استثناءات قليلة مثل اليمن التي يحل في المركز 120 وجيبوتي في المركز 157 (تاندون وآخرون، 2000). بيد أن بعض بلدان المنطقة قد تواجه صعوبات في مكافحة انتشار الفيروس. ومن المؤكد تقريبا أن الحروب في سوريا واليمن ستعوق سلامة أداء النظم الصحية لوظائفها في البلدين. ووفقا لما ذكره الدكتور عبد الناصر أبو بكر من المكتب الإقليمي لمنطقة شرق البحر المتوسط في منظمة الصحة العالمية، فإن الحظر الأمريكي قد يضر بقدرة إيران على شراء التكنولوجيا اللازمة لإنتاج التجهيزات والأدوية الأساسية. أسعار النفط نظرا للاعتماد الشديد لبعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على صادرات النفط والغاز، من المتوقع أن يكون تراجع أسعار المنتجات المتصلة بالبترول أبرز القنوات لانتقال تأثيرات فيروس كورونا إلى بلدان المنطقة. ومنذ اكتشاف الفيروس الجديد وحالات الإصابة به في الصين في بداية عام 2020، هوت أسعار النفط بشدة. وهوت سعر نفط برنت من 68.90 دولار للبرميل في 1 يناير إلى 50.5 دولار في 28 فبراير. كما هوت العقود الآجلة للنفط الخام نحو 20 دولارا في البرميل في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط تحسبا للتأثير السلبي على الطلب على النفط من جراء تفشي الفيروس. ومع أن ثمة عوامل أخرى ربما أسهمت في هذا الهبوط، فإن فيروس كورونا كان على الأرجح أكثر العوامل تأثيرا، ويرجع ذلك في جانب كبير منه إلى الانخفاض الكبير في الطلب من الصين حيث أغلقت السلطات منشآت الإنتاج في إطار جهودها لاحتواء انتشار الفيروس. ووفقا لتقرير سوق النفط لشهر فبراير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، تبلغ نسبة الطلب على النفط في الصين حاليا 14% من الطلب العالمي، ويشكل معدل نمو الطلب على النفط في الصين حاليا أكثر من 75% من النمو في الطلب العالمي (وكالة الطاقة الدولية، 2020). علاوةعلى ذلك، في ضوء الأهمية المتزايدة لدور الصين في الاقتصاد العالمي، فإن أي انتكاسات للاقتصاد الصيني من المتوقع أن تكون لها تأثيرات سلبية غير مباشرة على الاقتصاد العالمي (أرزقي ويانغ، 2018). ومن المرجح أن تتضرر القرارات الاستثمارية في الصين وفي البلدان الأخرى بسبب مشاعر الخوف وعدم اليقين التي أثارها انتشار الفيروس على الصعيد العالمي، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التراجع لأسعار النفط. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض الطلب العالمي على النفط بمقدار 435 ألف برميل يوميا بمعدل سنوي في الربع الأول من عام 2020، وهو أول انكماش فصلي في أكثر من عشر سنوات. ومن المتوقع أيضا أن يهبط الطلب العالمي على النفط في عام 2020 كله بمقدار 365 ألف برميل يوميا، وهو أسوأ أداء للطلب منذ عام 2011. وقد دفع الخطر الذي أثارته أزمة تفشي كورونا بلدان منظمة أوبك والمنتجين من خارجها إلى دراسة إجراء خفض إضافي لإنتاج النفط مقداره 600 ألف برميل يوميا كتدبير طارئ زيادةً على 1.7 مليون برميل يوميا تعهدوا بالفعل بخفضها (وكالة الطاقة الدولية 2020). وسيتوقف تعافي أسعار النفط على نجاح الصين والبلدان الأخرى في السيطرة على انتشار الفيروس، الذي أصبحت تأثيراته عالمية على نحو متزايد. ومع أن الغالبية العظمى من حالات الإصابة كانت في الصين، فإن كوريا وإيطاليا وإيران شهدت زيادة كبيرة في حالات الإصابة وسجلت بلدان أخرى كثيرة بعض الحالات. سلاسل القيمة حينما تضطرب منظومة الإنتاج في الصين، تتأثر على الأرجح البلدان التي تربطها بالصين سلاسل قيمة قوية. وهذا مبعث قلق خاص لكثير من بلدان آسيا التي تربطها بالصين سلاسل قيمة مهمة، لكنه قد يكون أقل إثارة للقلق لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد مشاركة محدودة في سلاسل القيمة العالمية. لكن اضطراب سلاسل القيمة العالمية قد يؤدي إلى تفاقم الهبوط في أسعار النفط الذي أحدثه تراجع طلب الصين. السياحة والسفر من المحتمل أن يؤدي فيروس كورونا إلى تقليص حركة السياحة من الصين إلى المنطقة بطريقتين. الأولى هي عامل الجذب: فكثير من بلدان المنطقة تفرض الآن قيودا على السفر على المواطنين الصينيين. علاوةً على ذلك، علَّقت السعودية دخول المعتمرين إلى الأماكن المقدسة، وهو ما قلَّص بدرجة أكبر حركة السياحة إلى الشرق الأوسط. والثانية هي عامل الطرد: فالتباطؤ الاقتصادي في الصين يُنبِئ بتراجع أعداد السياح الذين يسافرون إلى بلدان أخرى، ومنها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المحتمل أن تشهد منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ أكبر هبوط في أعداد السياح الصينيين. ومن المتوقع أن يكون أثر الركود الاقتصادي في الصين على السياح القادمين إلى المنطقة أضيق نطاقا. لكن انخفاض حركة السياحة العالمية سيؤدي إلى تفاقم هبوط أسعار النفط.