في إطار دعم مسارها الترافعي، نظمت فدرالية رابطة حقوق النساء، بتعاون مع برنامج الشراكة الدانمركية العربية، مؤخرا، ندوة إقليمية تحت عنوان: «من أجل قوانين أسرية دامجة لمقاربة النوع وقيم المساواة». استهلت أشغال الندوة بكلمة افتتاحية، لسميرة موحيا نائبة رئيسة الفدرالية، تطرقت فيها لسياق تنظيم هذا اللقاء الذي يأتي في ظروف استثنائية صعبة بسبب الجائحة التي وضعت الحكومات ومختلف القطاعات الصحية والاقتصادية والاجتماعية في امتحان صعب، كما ألقت بظلالها على وضعية النساء في بلدان المنطقة، وأشارت في هذا السياق إلى الأهداف العامة لتنظيم هذا اللقاء من أجل تبادل التجارب والاستفادة المشتركة من الدروس المستفادة من الجائحة، مختتمة مداخلتها بالتأكيد على أن الحركة النسائية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعمل على مواصلة النضال قصد تعزيز مزيد من الحقوق والمكتسبات وتحقيق التمكين الاقتصادي والسياسي للنساء، رغم كافة العراقيل الموجودة في القوانين والممارسات والذهنيات. انطلقت أشغال الجلسة الأولى المخصصة لتقديم «التجارب بخصوص التشريعات المحلية والحقوق الإنسانية للنساء على ضوء الجائحة»، بمداخلة تأطيرية للسيدة يسرى البراد عضو مكتب الفدرالية حول المسار التاريخي لتعديلات القوانين بالمغرب، والتي عرفت حضورا قوية للجمعيات النسائية في معركة الترافع من أجل قوانين ضامنة للمساواة بين الجنسين، تمثلت بالأساس في إقرار مدونة الأسرة سنة 2004، ومدونة الشغل، ومراجعة النصوص التمييزية في القانون الجنائي وإقرار قانون محاربة العنف ضد النساء. وأضافت المتدخلة أن النساء كن أكثر تأثرا بآثار الجائحة، حيث فقدن مورد رزقهن خاصة في القطاعات غير المهيكلة، واكتشف بعضهن عدم تسجيلهن في صندوق الضمان الاجتماعي، كما تعرضن للعنف وواجهن عدة صعوبات في التبليغ، وفي هذا السياق قامت الفدرالية بتوفير الدعم النفسي والقانوني للنساء واهتمت بالرصد من خلال إصدار بيانات وتصريحات صحفية والتواصل مع الرأي العام ومع المؤسسات المعنية حول القضايا المستعجلة من بينها استمرار ظاهرة العنف ضد النساء خلال فترة الحجر والطوارئ الصحية، واشكاليات الولوج إلى العدالة، ووضعية العاملات الزراعيات نتيجة ظهور البؤر المهنية. وتطرقت السيدة تركية بن خضرة الشامي نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات في مداخلتها للتجربة التونسية في مجال قانون الأسرة وإقرار المساواة بين الجنسين من خلال الواقع وتداعيات الجائحة، معتبرة انه وبالرغم من التقدم في الوضع الدستوري والتشريعي للمرأة التونسية من خلال الإصلاحات الجريئة لمجلة الأحوال الشخصية وإقرار قانون العنف ضد المرأة الذي جرم في أول سابقة العنف السياسي، لا تزال النساء التونسيات يواجهن إشكالية إنفاذ القوانين في ظل العقليات الذكورية التي تعتبر النساء مجرد خزان انتخابي. ووقفت السيدة نادية شمروخ المديرة العامة لاتحاد المرأة الأردنية عن التحديات التي تواجه تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين على مستوى القانون الأسري، من بينها غياب قانون موحد للأسرة، في ظل تعدد الطوائف، وغياب محاكم أسرة متخصصة في ظل استمرار القضاء الشرعي، والقضاء الكنسي، فضلا عن استمرار تزويج القاصرات بعلة حماية الحوامل منهن، واستمرار التمييز بين الجنسين على مستوى حرية الزواج والحضانة والولاية على الأبناء، مؤكدة على ضرورة توفر الإرادة السياسية لدسترة حقوق الإنسان للمرأة وإقرار الطابع المدني للدولة للقطع مع التأويلات المحافظة التي تشجع التطرف. وتطرقت السيدة نيفين عبيد عن مؤسسة المرأة الجديدة للتجربة المصرية، معتبرة أنه وبالرغم من قدم التشريع الأسري الذي تم تخليد الذكرى المائوية لصدوره، إلا أنه لم يستطع أن يلبي حاجيات المرأة المصرية، متوقفة عند الإشكاليات التي يطرحها دستور 2014، بخصوص مكانة الشريعة كمصدر للتشريع، فضلا عن غياب قانون موحد لمناهضة العنف، في ظل الاكتفاء بإصدار إصلاحات تشريعية جزئية تأخذ شكل قرارات وزارية لتهريبها من النقاش داخل البرلمان، مشيرة إلى بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال فترة الحجر الصحي، من بينها إقرار إجازة مدفوعة الأجر للنساء العاملات اللواتي لهن أطفال في الحضانة. وقدمت المحامية فتيحة شتاتو نائبة رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، التجربة المغربية، الجانب الحقوقي، قانون الأسرة وفق مقاربة حقوقية أوصت من خلالها بضرورة توحيد القوانين المطبقة وطنيا بشأن قضايا الأسرة وإغلاق الباب أمام الأعراف التي تكرس دونية المرأة . وتواصلت أشغال اللقاء خلال اليوم الثاني بجلسة ثانية خصصت لموضوع «الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للنساء بالمنطقة العربية على ضوء الجائحة». حيث قدم الدكتور محمد الزردة رئيس قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بطنجة مداخلة حول الجانب القانوني في التجربة المغربية من منظور التطبيق القضائي مستعرضا نماذج من الاجتهادات القضائية المبدئية في ظل الجائحة من بينها تلك المتعلقة بإشكالية الوكالة في التطليق نتيجة تعذر الحضور الشخصي لأحد الطرفين بسبب تداعيات الجائحة وصعوبات التنقل، فضلا عن قضايا مغاربة المهجر ونطاق تطبيق مدونة الأسرة من حيث الأشخاص. وقدم الأستاذ البشير الزناكي مداخلة حول تحليل وضعية النساء وربطها بثغرات قانون الأسرة وآفاق التمكين السوسيو اقتصادي والقانوني للنساء على إثر مخلفات الجائحة، طالب فيها بتوفير الاحصائيات المحينة وإتاحتها للعموم بشكل يسمح بالتشخيص السليم للأوضاع في إطار إنفاذ الحق في الوصول على المعلومة واعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في الاحصائيات الرسمية. وقدمت الدكتورة فريدة بناني مداخلة تناولت فيها إشكالية الحقوق الاقتصادية ما بين القوامة واكراهات الواقع، وقفت فيها على أن خروج المرأة للعمل لم يكن بدافع البحت عن الذات وإنما كان لدافع اقتصادي مشيرة إلى التعارض بين ما يستهلك اديولوجيا وما تعيشه النساء على مستوى الواقع، معتبرة أن تعدد الأدوار والتباين بين الأسرة القانونية ونموذج الأسرة الثنائية الأجرية الواقعية جعل منها امرأة موزعة، لتنتهي لضرورة تغيير القوانين وخلق بيئة مناسبة لمكافحة التمييز وتمكين النساء الاقتصادي . وقد وقفت المداخلات طيلة اليومين الدراسيين على القواسم المشتركة للإكراهات التي واجهت النساء في المنطقة خلال جائحة كوفيد 19 وعلى رأسها تنامي العنف ضد النساء وصعوبة الوصول إلى العدالة، نتيجة توقف العمل بالمحاكم، وتأخر تدخل الشرطة، وصعوبات التبليغ، وغياب الحماية الاجتماعية وعدم فعالية الإطار التشريعي القائم الذي يكرس لاستمرار مظاهر الهوة بين الجنسين. وخلص المشاركون إلى عدة توصيات أبرزها: أهمية مواصلة التشبيك لدعم الإصلاحات التشريعية الدامجة لمقاربة النوع الاجتماعي وتبادل التجارب بين بلدان المنطقة. أهمية الترافع من أجل إقرار مدنية الدولة، ومدنية قوانين الأسرة للقطع مع إمكانية التأويل الفقهي التي تتم غالبا على حساب حقوق الإنسان للنساء والفتيات. إقرار محاكم أسرة للقطيعة مع تعددية المحاكم، وتنزيل مبدأ المساواة أمام القضاء والقانون. محاربة التمييز بين الجنسين في مناهج التعليم وفي وسائل الإعلام وفي كافة وسائل التنشئة، ومحاربة الصور النمطية على مستوى التمثلات السوسيوثقافية. الاهتمام بتقريب خدمات الصحة الإنجابية والجنسية في زمن الأزمات والنهوض بالحق في الصحة بشكل عام. نشر الاحصائيات الرسمية واتاحتها للعموم بشكل دوري في إطار تنزيل الحق في النفاذ إلى المعلومة مع إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في جميع الإحصائيات. إعادة تكييف جذري للسياسات العمومية الاجتماعية والاقتصادية والمالية والضريبية بشكل تشاركي للقضاء على مظاهر التمييز والعنف ضد النساء، والتطبيق الفعلي للمساواة والمناصفة والعدالة الاجتماعية والمجالية والحكامة الجيدة. أهمية اعتماد المناصفة في مختلف مستويات المنظومة الانتخابية وعملياتها، وفي هياكل وأجهزة كل المؤسسات التشريعية. الاهتمام بالتكوين والتكوين المستمر في مجال حقوق الإنسان للقضاة والمحامين وكافة مهني العدالة. تشجيع الاجتهادات القضائية المبدئية في مجال إقرار حقوق الإنسان للنساء ونشرها وتعميمها. دور المجالس المحلية المنتخبة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للنساء ودعم التقاضي الاستراتيجي في المجال. تسريع وثيرة رقمنة المحاكم، وتسهيل المساعدة القانونية والقضائية كرافعة للوصول إلى العدالة لجميع الفئات وبالأخص الهشة منها. إقرار ثقافة الولوج إلى المعلومة لمواجهة ثقافة الكتمان. إعطاء أولية للحقوق المعنوية إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.