نسف موضوع برنامج مستودع الذي تقدمه قناة الرياضية ما تبقى من مصداقية إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ليظهر بوضوح وأمام الملأ حقيقة تسيير مؤسسة تشرف على قطاع عمومي بالغ الأهمية. ففي هذا الموضوع بالذات، تأكد الجميع بلا مجال للشك أن العلاقات الخاصة والمصالح المشتركة والولاءات، تبقى المنطلق والأساس في كل ما يهم هذا القطاع الذي أخرج من مستنقع الداخلية ليدخل مستودع الزبونية والصفقات. فالعرايشي الذي أنزل بالمظلة مباشرة فوق بناية دار البريهي، ليس لأنه إطار كبير عمل لسنوات في قطاع التلفزيون، أو يتمتع بخبرة واسعة وسط أجناس الإعلام المختلفة، بل قربه من الأوساط العليا هو الذي أهله لهذا المنصب الحساس، وقصد إظهار بصمته، عمل على تفريخ القنوات دون أن يكون القطاع مؤهلا لا تقنيا ولا ماليا ولا بشريا لقفزة غير محسوبة. ضمن هذا التوجه ظهرت «الرياضية»، وكان طبيعيا أن يسلك العرايشي نفس المسلك الذي جاء به إلى (SNRT)، إذ لم يتردد ولو لثانية في تعيين قريبه العلمي على رأس القناة المتخصصة، وهو الذي لا تربطه أدنى علاقة لا بالتلفزيون ولا بالرياضة، وعلى نفس النهج تم تعيين طارق ناجم كمدير للبرامج والأخبار، هو إطار بنكي لا علاقة له لا بالإعلام التلفزي ولا بالشأن الرياضي، كما يفتقد لخاصية أساسية يتطلبها هذا الميدان، ألا وهى التواصل مع محيطه. نفس الطريقة الذي جاء بها ناجم، جاء بها أسامة بنعبد الله، طبيب الأسنان (وهى ليست سبة كما يعتقد هو نفسه)، وهو المسير والمنخرط السابق بنادي المغرب الفاسي، والذي هجر عيادته الخاصة، ليتجه نحو الصحافة الرياضية، حيث أصدر مجلة رياضية تحت اسم «لوجورنال دي سبور» وأقام مع الوزير الحالي منصف بلخياط، الذي كان على رأس شركة ميدتيل مسابقة «أونز دور» ذات طابع تجاري محض، تركت الكثير من القيل والقال وسط الرياضيين والمهتمين. من بين البرامج الذي جاء بها مهندسو القناة الجديدة، كان هناك برنامج حواري تحت اسم «مستودع»، وكان طبيعيا أن يمنح المدير العلمي صديقه أسبقية اختيار البرنامج الذي يريده ويرتاح له، ليظهر أسامة على الشاشة كمقدم لهذا البرنامج التلفزي الحواري، قدم خلال السنة الأولى على شكل حلقات أسبوعية، ليتحول بعد ذلك إلى أربعة أيام في الأسبوع، ليس لكونه كان ناجحا خلال السنة الأولى، بقدر ما تبين الربح المادي الكبير الذي يجنى من ورائه. بعد سنة خرج البرنامج من ملكية القناة، لينتقل بقدرة قادر إلى ملكية شركة إنتاج خاصة، أنشأت على عجل من طرف أسامة ومن وراءه، لكن مع استمرار القناة في إنتاج البرنامج بالكامل، وارتفاع التكلفة المالية، حيث أصبحت الخزينة تؤدي 7000 درهما مقابل كل حلقة، وقد نشرت بعض الصحف الوطنية مؤخرا، وثيقة رسمية تفيد بأن مقدم المستودع يتقاضى ما بين 14 إلى 20 مليون سنتيم في الشهر. أمام هذا التسيب اعتقد أسامة أنه فوق الجميع، ليزج بالبرنامج في تصفية الحسابات، والتدخل كطرف في خلافات الأندية والأشخاص، وعمت الزبونية في اختيار الضيوف، ومارست الحلقات دورا سلبيا في تسميم العلاقة بين الصحفيين الرياضيين، كما استغل مقدم البرنامج سلطة التلفزيون، بصفته وكيلا للاعبين ليتدخل في صفقات الانتقالات سواء تلك الخاصة باللاعبين أو المدربين. وبعد أن بلغ السيل الزبى، وأمام الضعف الواضح للإدارة ارتفعت أصوات مطالبة بوقف مجموعة من البرنامج في مقدمتها مستودع، برامج ظهر بالواضح أنها تخدم أشخاصا وجهات معينة عوض خدمة الرياضة الوطنية، كما لم تتمكن من إضافة أي شيء يذكر للمشهد التلفزي، رغم ما تؤديه خزينة الدولة مقابل ذلك من ميزانية مهمة. ولتقوية «الرياضية» عمد الرئيس المدير العام، إلى قتل المادة الرياضية بالقناة الثانية، كما عمل على إضعاف نفس المادة بالقناة الأولى، همش سعيد زدوق الذي يشهد له الجميع بالكفاءة والخبرة والتجربة الغنية، أدخل الطاقم الصحفي بالقناتين في عطالة مفتوحة، منح مولوده الجديد حقوق تقديم تظاهرات دولية مهمة كجائزة الحسن الثاني للتنس والغولف، ضاربا عرض الحائط التجربة الغنية التي راكمها الزملاء طيلة سنوات من العمل التلفزي. وقصد امتصاص غضب المهنيين والأوساط الرياضية والمتتبعين للقطاع، عمد العرايشي إلى تعيين زدوق كمسؤول عن الأخبار والبرامج، كما أصدر قراره بتوقيف مستودع، بعدما تم منذ بداية السنة الحالية، توقيف بث حلقات الضيف الخامس، إلا أن المفاجأة المدوية تكمن في عودة مستودع للظهور، رغم تأكيد خبر التوقف من طرف صاحب البرنامج نفسه، ومعه المدير طارق ناجم. حسب مجموعة من المصادر المتطابقة، فإن ضغوطات مورست على العرايشي، مباشرة بعد مأدبة عشاء بالدار البيضاء خصصها أسامة لمناقشة مستقبل «المستودع»، حضر المأدبة ضيوف خاصين في مقدمتهم وزير الشبيبة والرياضة، الزبون السابق لأسامة بمؤسسة ميدتيل، بالإضافة إلى أشخاص لهم يد طولى بجامعة كرة القدم. ليستمر إذن مستودع، وتستمر معه الأسئلة حول هدر المال العام بقناة أنشأت لخدمة الرياضة، لتتحول إلى خدمة أشخاص وجهات معينة...