تشترك المجلة الحائطية والفيس بوك، في خصائص متعددة أبرزها كتابة كل منهما على الحائط، وإن كان حائط المجلة عالم مادي فيزيقي، وحائط الفيس بوك افتراضي رقمي، ورغم اختلاف أزمنة نشأتهما ودعاماتهما، فإنهما يتقاسمان خاصية «الفعل التواصلي» الذي لا يقوم على تبادل المعلومات، وإنما يقوم بفعل التأويل لما يحدث ويستطيع بلورة القواعد والآليات التي تسمح بالعيش الجماعي، كما يذهب إليه المفكر الألماني يورغن هابرماس آخر عملاقة المدرسة النقدية. ليس الغرض، تفكيك «لغة» المجلة والفيس بوك، ارتباطا بسياقاتهما التاريخية والاجتماعية، ولكن إثارة الانتباه إلى أن المجلة الحائطية رغم محدودية إمكانياتها، كانت إحدى آليات التواصل والإخبار والتثقيف والترفيه في «الزمن الورقي» والكتابة ب «خط اليد» لجمعيات ومنظمات الشباب ولنشر مواقفها وتحسيس أعضائها وروادها بدور الشباب والتعريف بأنشطتها الثقافية والتربوية، وذلك قبل عصر «الزمن الرقمي» ووسائط التواصل الاجتماعي التي أنهت مرحلة وفتحت مرحلة جديدة في مجال التواصل ارتباطا بتشكيل الرأي العام وتوجيهه. التواصل بين حائطين واقعي وافتراضي وزمنين ورقي ورقمي فكما هو شأن «فيس بوك» اليوم، الذى أضحى «همزة التواصل» بين الأفراد والجماعات، فإن المجلة الحائطية، كانت في زمانها فضاء مفتوحا للحوار والنقاش حول العديد من القضايا التي كانت تستأثر باهتمامات الفاعلين التربويين والثقافيين، وجدالاتهم حول هموم الميدان التربوي والثقافي والفني الاجتماعي والبيئي، وهي السجالات التي كانت تحتضنها وتعكسها المجلة الحائطية التي كانت تعتمد «خطا تحريريا» منسجما مع أهداف وتوجهات أقلام الهيئات الناشرة لها. ويتولى على الصعيد التنظيمي، تصنيف مواد المجلة الحائطية وتحرير زواياها «كتاب مهنيون قارون» غالبيتهم من اللجنة الثقافية، ويشرفون أيضا على إخراجها في قالب فني بديع لاستمالة القراء. كانت المجلة الحائطية التي يعود له الفضل في تكوين رموز ثقافية وتربوية لها مكانتها حاليا في ميادين الإبداع والفكر والثقافة والعلوم، «ناطقا رسميا» لناشريها، وفضاء للتعبير عن الآراء حتى المتعارضة منها ووسيلة للتنشيط الفكري التربوي والثقافي، والتعريف بالثقافات الأخرى عربية ودولية، فضلا عن القيام بمهام التحسيس بالقضايا الوطنية والقومية خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي كانت تحتل مكانة متميزة وبفضل ذلك تحظى بزاوية قارة للتعريف بنضال الشعب الفلسطيني ومقاومته السياسية والثقافية، وصموده أبنائه ضد الاحتلال الإسرائيلي. فالمجلة الحائطية، كانت لا تقتصر على فضاءات دور الشباب، والمخيمات الصيفية فقط، لكن كانت أيضا حاضرة بالمؤسسات التعليمية الابتدائية والثانوية والجامعية التي كانت «مجالات حيوية» للجمعيات ل «استقطاب» روادها المستقبليين، حيث كانت تعرض بها مساهمات الأطفال والتلاميذ والطلاب، من أخبار ومعلومات وخواطر. ولا تتطلب المجلة «المعلقة» أية إمكانيات مادية اللهم حاملا خشبيا أو ورقيا تتكئ عليهما. وكانت توضع هذه المجلة مثلا على جدار داخل بهو دار الشباب، أو بمقار الجمعيات، في حين تكون بالنسبة للمؤسسات التعليمية، إما داخل الفصل الدراسي، فيطلق عليها حينذاك، «مجلة القسم»، أو خارج الفصل فتسمى بذلك مجلة المدرسة. المجلة الحائطية نافذة للإخبار والإبداع تجربة المجلات الحائطية، كما عاشها جيل السبعينات والثمانيات، كانت متنوعة، باختلاف وتنوع الجمعيات، فمثلا في ثمانينات القرن الماضي، نضجت مبادرة خلق المجلة الحائطية – في غياب أدوات نشر أخرى آنذاك – بفرع الرباط التابع للجمعية المغربية لتربية الشبيبة (لاميج)، وتمكنت من أن تصبح نافذة إضافية مشرعة لاستكمال النقاشات الجارية داخل هذه الجمعية التي تأسست سنة 1957 بمبادرة من المهدي بن بركة، وموئلا لاحتضان الأفكار الجنينية لمبادرات لم تستوعبها فترات التنشيط؛ يقول الأستاذ الجامعي حسن أميلي في بوح خاص استرجع فيه ذكرياته، حينما كان إطارا فاعلا بهذه الجمعية ب «دار الشباب غازية» الواقعة وسط الرباط بشارع المغرب العربي، والتي تحولت في الثمانيات إلى عمارة سكنية. لقد بدأت المجلة الحائطية بتبويبات أولى تتضمن مقالات وأخبارا تربوية خاصة بعالم الطفولة نظريا وتطبيقيا، وأخرى ثقافية متصلة أساسا بالشأن الفلسطيني، وفكرية مرتبطة بمناقشة بعض المبادئ الإنسانية العامة وصلتها بأسس وأفكار الجمعية وشعاراتها خاصة منها المتعلقة ب «مبدئية، تطوعية، تقدمية، مستقلة» وإبداعية من خلال بواكير قصائد شعرية وقصصية وأناشيدية، إلى جانب محاولات وتجارب في الرسم والتشكيل، يشير الأستاذ أميلي الكاتب العام السابق لجمعية (لاميج). غير أن الفكرة مع مرور الوقت ستتضح معالمها بصورة أعمق مع تزايد أعداد المنخرطين (بلغ سنة 1982 ما يفوق 100 عضواعاملا من الشابات والشبان)، في ملحق الرباط للجمعية (يضم المدينة العتيقة – منطقة حسان – حي المحيط)، وسعي المكتب ولجنه المتنوعة – مع انفتاحه على طاقات حتى من خارج الفرع (لجنة المرأة – اللجنة الثقافية – اللجنة السينمائية … إلخ) – إلى الدفع بمساهمة الجميع في المشاركة في إغناء المجلة والتي بعدما كانت شهرية تحولت إلى نصف شهرية، مع توازن اهتماماتها، وبإضفاء المرونة والحرية، بحيث لم تكن هناك رقابة إلا قدر ما يمليه الحد الأدنى من ضبط الصياغة. وزاد رونق المجلة مع التحسينات على مستوى الشكل واعتماد الصور والرسوم التي كانت من إبداعات أعضاء ومنخرطي الجمعية. وقال يمكن اعتبار 1984 التي تلت انعقاد المؤتمر التاسع للجمعية سنة 1983 وإقامة المخيم الوطني الأول (صيف 1984)، ونجاح ملحق الفرع في الحفاظ على توهجه بشكل أكثر عقلانية، سنة تثبيت للمجلة الحائطية، واحترامها للتنوع، واحتضانها لمناقشات عميقة متصلة بفلسفة الجمعية، ناهيك عما تركه تنظيم الأسابيع الثقافية وأنشطة اللجنة الثقافية (نشاط إبداع ونقد كل أسبوعين)، من بصمات إلى المشهد الفكري، والتحاق أقلام عالية المستوى في التحليق بها عاليا إلى درجة عدم قدرة مساحة المجلة على نشر كافة المواد، والتي كان العديد منها يظل ينتظر دوره. وانطلاقا من هذا الموسم تعززت المجلة بأخرى إضافية لها خاصة برفاق الجمعية (أي فئة اليافعين ما بين 15 و17 سنة)، مفتوحة أمام مبادرات هذه الفئة والتي لم يكن بعضها ليقل كعبه عن مقالات الشباب، بصورة يسرت تلاقح الأفكار، وتجذير مبدأ الإيمان بالاختلاف، وصقل الآراء المتباينة. كانت المجلة مرحلة مفصلية في تطور الفرع / الملحق، (فرع الرباط، كان يضم ثلاث ملحقات منتشرة بأكبر أحياء يعقوب المنصور والتقدم والمدينة العتيقة)، وهي نقطة خبت للأسف مع تنافي الشروط الملائمة جراء الانتقال «القصري» من دار الشباب غازية إلى دار الشباب المغرب العربي، ولا سيما مع فقدان الملحق لمكتبه ومقره الدائم من جهة، وبعد الموقع عن «مجال الاستقطاب التقليدي» وتغيير تركيبته الاجتماعية (المدينة القديمة – حسان – حي المحيط)، والذي زاد استفحالا مع «بروز التناقضات الفكرية» الناجمة عن بداية تغلغل الاستقطاب الحزبي، فكان لغياب المجلة أثر في انسداد شرايين تقريب وجهات النظر، خلال تلك المرحلة، في الوقت الذى ساهمت المجلة الحائطية إلى حد كبير في بلورة أفكار وتصورات جديدة أكثر عمقا في إدراك الماهيتين الثقافية والتربوية للجمعية، وهي نتاج التراكم الحاصل من جهة، والانفتاح على المبادرة، ناهيك عن توفر مكتب دائم للفرع، كل هذا جعل من النقاشات المتنوعة لا تتقيد بأزمنة محددة، وإنما بعملية متواصلة على مدار الأسبوع كما يحكي أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية. المجلة الحائطية وسائل بسيطة ودعامة تثقيفية هامة بيد أنه إذا كان هذا حال وضعية المجلة الحائطية، لنشطاء جمعويين بأحياء واقعة وسط الرباط، فإن أحد أطر نفس الجمعية هو عبد الرزاق الحنوشي الفاعل الجمعوي والحقوقي، اختار تناول الموضوع من زاوية أخرى عندما قال «عند الحديث عن المجلة الحائطية بحي يقوب المنصور بالرباط، تعود بي الذاكرة الى مرحلتين من حياتي خضت فيها تجربة المساهمة في الكتابة والنشر عبر هذه الدعامة البسيطة جدا من حيث فكرتها وما تستلزمه من وسائل عمل كانت في المتناول، لكنها من حيث المفعول التربوي والتثقيفي كانت لها آثار إيجابية بالغة الأهمية».. ففي التجربة الأولى – يوضح الحنوشي – كان الفضاء المدرسي وشروطه وضوابطه هي المؤطرة لمساهمتي في المجلة الحائطية والتي لم تكن تسمح بهامش كبير من حرية المبادرة في اختيار المواضيع، وكيفية تناولها انطلاقا من كون المجلة الحائطية استمرارا للعملية التعليمية، وما تفرضه من وجوب انضباط التلميذ للمدرس كسلطة معرفية وتربوية، وعلى الرغم من ذلك فقد مكنتني هذه التجربة من خوض غمار تعلم الكتابة الموجهة للجمهور (أي نظرائي من تلميذات وتلاميذ المؤسسة التعليمية) وكيف تبلغ أفكارك بالمختصر المفيد. لقد كان هذا هو أكبر تحد يواجه لا فقط المبتدئ ولكن يواجه أيضا مهنيي الصحافة والتواصل عموما، يضيف الحنوشي أحد مؤسسي منظمة «الوسيط للديمقراطية وحقوق الإنسان». أما في التجربة الثانية فتعود إلى مطلع الثمانيات، بدارالشباب يعقوب المنصور ضمن الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، حيث كان للمجلة الحائطية أدوار ورهانات أخرى، وكانت بالنسبة لي محكا حقيقيا تعلمت فيه الكثير كما هو شأن مجايليه (من شباب الدوار الاسم الذي كان يطلق على حي يعقوب المنصور)، في ذلك الزمن، لم يكن فيه البتة لا إنترنت ولا وسائط التواصل الاجتماعي، بل حتى المكتبات العمومية والمدرسية،عل ىنذرتها كانت تفتقر الى الكتب والمراجع التي من شأنها أن تلبي الفضول المعرفي والانشغال الثقافي والفكري للمرحلة التي عشناها كيافعين وشباب قبل الزمن الرقمي وحائط الفيس بوك. مواد المجلة عنوانا للاجتهاد وزاوية ثابتة للقضية الفلسطينية فالمجلة الحائطية – يشرح المتحدث ذاته – كانت إحدى الوسائط الهامة التي مكنتني شخصيا من تملك العديد من المهارات والمعارف وأستحضر هنا مثالا واحداً، حيث كانت المنافسة قوية بيننا نحن أصحاب المجلة الحائطية ب «لاميج» من جهة وأصدقائنا ورفاقنا في جمعية «الهدف» وكانت هذه المنافسة تدفع كل طرف إلى الاجتهاد والبحث المستمر لتكون مجلته هي الأفضل. فالمنافسة لم تكن تقتصر على المضامين فحسب، بل أيضا على الشكل واعتماد الصور والكاريكاتور والرسوم البيانية واختيار أجود الخطوط (إذ كانت كل المواد تكتب بخط اليد وكانت المجلة تجدد كل أسبوع). وذكر في هذا الصدد بالسجالات والمناقشات والردود فيما بين: (المعسكرين) خاصة حول القضية الفلسطينية، والجدل حول من يناصر استقلالية القرار الفلسطيني في ظل تدخل نظام سوريا الأسد في الشأن الداخلي الفلسطيني وإحداث انشقاق داخل حركة فتح في 1983، ومن يساند وجهة نظر مغايرة، وأيضا مواضيع أخرى لازال السجال حولها مستمرا الى اليوم، مثل علاقة الثقافي بالسياسي، وحقوق المرأة، ودور المثقفين ….إلخ. وقال «تعلمنا في تجربة المجلة الحائطية أيضا أن الكتابة للجمهور مسؤولية وكنا نحرص أن تكون لغتنا أنيقة وواضحة ونافذة، وتحترم المتلقي وضوابط ومبادئ الإطار الذي تصدرعنه. وفي الوقت الذي ركز كلا من أميلي والحنوشي على المجلة الحائطية بدار الشباب، في المقابل فضلت سعيدة واعيد الأستاذة والفاعلة النقابية والنسائية والجمعوية، تناول نفس الموضوع بعلاقته بالمؤسسات التعليمية، وقالت في هذا السياق إن المجلة الحائطية، شكلت أولى الخطوات في طريق الإبداع لكثير من المبدعين والمبدعات. وأضافت بأن المجلة الحائطية باعتبارها وسيلة للاتصال قبل زمن وسائط التواصل الاجتماعي، أتاحت الفرصة للناشئة كي تتغلب على الحاجز النفسي وتسمع صوتها لمحيطها. تنمية الوعي الفكري والنقدي وتسترجع سعيدة واعيد عضو المكتب التنفيذي للمركزية النقابية للكنفيدرالية الديمقراطية للشغل (ك د ش)، ذكرياتها في «هذا الزمن الجميل»، لتؤكد «كم كان اليوم الذي تتجدد فيه المواضيع، يثير الانتباه حيث يصطف التلاميذ والتلميذات بالمؤسسة لتتبع الجديد. يمكن أن أقول إنها أول منبر يعطيك فرصتك وأول معرض يسمح لك بعرض لوحات إن كانت لديك هواية الرسم».. ولدى تطرقها إلى سياقات وأهداف ومضامين المجلة الحائطية، أوضحت سعيدة واعيد عضو المكتب المركزي لجمعية المواهب للتربية الاجتماعية سابقا «فضلا عن الأهمية التي كانت لها بالمؤسسات التعليمية، فلا تفوتني الفرصة، للحديث عن الدور التربوي والتأطيري الذي كانت تضطلع به هذه المجلة، وكذا لها دور في التشجيع على الكتابة والإبداع بدور الشباب والمخيمات، كل هذا لم يكن لينجح لولا أطر تربوية سهرت على إنجاح هذه التجربة في التواصل في تنمية الوعي الفكري والنقدي» تختتم واعيد كلامها. تواصل اجتماعي بين فئة لها قواسم تربوية وثقافية مشتركة وبخصوص وسيلة الاتصال هذه قال الصحافي مصطفي بوبكراوي من جهته إن «الكتابة على «حائط» صديق أو مجموعة على فيس بوك ارتبط بظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، مع أن الكتابة على «الحائط» لمخاطبة مجموعة معينة كان متاحا قبل ظهور الحاسوب والشبكة، وربما قبل أن يعرف بعض ممن مارسوا هذه الكتابة التلفزيون نفسه». وفي هذا الصدد رجح بوبكراوي الرئيس السابق للقسم الثقافي بوكالة المغرب العربي للأنباء أن تكون المجلة الحائطية، الصيغة الحديثة الأولى للتواصل الاجتماعي بين فئة يجمعها اهتمام واحد، أو خصائص بيولوجية واحدة (أطفال، تلاميذ، شباب،……) ملاحظا أن دار الشباب كانت هي المكان الذي يتيح هذا النوع من الكتابة بسقف حرية كبير بمقياس بداية الثمانينيات وربما بمقياس ما بعد الثمانينيات بكثير. وإذا كانت تجربة المجلة الحائطية لكل من أميلي والحنوشي تهم مؤسسات دور الشباب بالرباطن وسعيدة واعيد بالدار البيضاءن فإن مصطفى بوبكراوي، جعل من الرشيدية فضاء للحكي وقال «إن حائط النشر هو أول ما يشدك وأنت تلج دار الشباب المدينةبالرشيدية (قصر السوق سابقا). لا أذكر إن كان الأمر يتعلق أيضا بمجلة حائطية أو فقط بسبورة للنشر. كان أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسنة الأولى أو الثانية إعدادي يخبرنا ببرمجة نشاط عن فلسطين بدار الشباب الوحيدة آنذاك، وكان في الغالب عرضا لشريط وثائقي عن مذابح الاحتلال الصهيوني (دير ياسين، تل الزعتر، ثم صبرا وشاتيلا…) وعن بداية التغريبة الفلسطينية عموما. كان يطلب منا التأكد من موعد العرض في دار الشباب وكان الإعلان غالبا مرفقا بالتذكير بالمذبحة وسياقها وبصور من صحف، عن هول جرائم الصهاينة. وكان كل ذلك ينشر تحت أو فوق أو إلى جانب رسم بألوان علم فلسطين. فيس بوك يأتي على الأخضر واليابس ومجلة حائطية قصة موت غير معلن مع مرور السنين – يضيف بوبكراوي مراسل لاماب السابق بالقاهرة – عرفت أن أستاذي ومن معه كانوا يخوضون معارك شرسة من أجل أن نشاهد نحن شريط فيديو عن فلسطين. ومع مرور السنين أيضا عرفت أنني ممتن لأستاذي ومن معه على هذا التطعيم المبكر والذي مكننا من مقاومة كل أساليب تزوير التاريخ والجغرافيا والتي ستشتد لاحقا وستنفق عليها المليارات لتغيير وجدان الشعوب أو على الأقل لصرف انتباهها عن أكبر قصة ظلم في التار(في إشارة إلى القضية الفلسطينية). ويختم الصحافي ابن الجنوب الشرقي بوحه القصير بالقول «ستظل سبورة دار الشباب، مع أنني لم أكن من روادها المنتظمين، أول احتكاك لنا كأطفال مع «الشأن العام» وكان شأنا يتجاوز «قصر السوق» المدينة الصغيرة والكبيرة بأحلامها، ليحتضن قضية فلسطين التي أصبحت قريبة جدا منا بفضل اساتذة مناضلين ومتطوعين، وأيضا بفضل «حائط» أتاح لنا أن نحدد موعدا مع فلسطين كان بداية وعي مبكر بالعالم المحيط بنا، وعي شقي، بدأنا اكتسابه بين واجب مدرسي ولعب طفولي. فعلى الرغم من مواصلة المجلة الحائطية صمودها خاصة بدور الشباب والمؤسسات التعليمية «وسط أعاصير» الرقمنة، فإن إغراء وسائط الاتصال، أرخى بظلاله الكثيفة في زمن التواصل والإعلام الرقمي، على فئة الشباب التي أشاحت بوجوهها عن سبورة هذه المجلة المعلقة، وانغمست في الإبحار في شبكة الإنترنيت الذي بلغ عدد المشتركين به 26.2 مليون عند نهاية شتنبر الماضي، يوازيه أزيد من هذا الرقم عدد صفحات فيس بوك بالمغرب فقط، 80 في المائة منها تعود للشباب، مما جعل المجلة الحائطية، تظل مجرد نوستالجيا لجيل وقصة موت غير معلن.