يخشى الآلاف من المشردين في المملكة المتحدة الاضطرار إلى العودة للشارع بعدما استقبلتهم الفنادق الخالية من الزبائن بهدف تجنب إصابتهم بفايروس كورونا المستجد، تزامنا مع بدء تباطؤ انتشار الوباء في البلاد. وكما للثلاثينية ليزا التي كانت تعيش في الطريق، سمح لنحو 15 ألف شخص دون مأوى بالإقامة في فنادق مغلقة كإجراء طارئ، ضمن خطة غير مسبوقة وضعتها حكومة حزب المحافظين أواخر مارس للحدّ من تفشي وباء كورونا. وكانت الشابة، التي تعاني من مرض مزمن، مكتفية حتى الآن بفرصة للنوم من وقت لآخر في مراكز إقامة جمعية غلاس دوور. وتقول منظمة كرايسيز الخيرية لمساعدة المشردين أن تعداد الذين ينامون في شوارع بريطانيا يزيد على 8 آلاف، إضافة إلى نحو 9 آلاف مشرد ينامون في الخيام، والسيارات والقطارات والحافلات. وتعزو المنظمة أسباب الاضطرار إلى النوم في الشوارع إلى ارتفاع الإيجارات، وانخفاض العلاوات المنزلية والمعونات المحلية، فضلا عن انخفاض ميزانيات الرعاية الصحية، وتحديدا المتعلقة بالمشكلات العقلية. إذ تبين أن نحو 44 في المئة من المشردين يكابدون عناء هذه المعضلة وفق موقع حكومي. ولا يقتصر التشرد على البريطانيين، ففي لندن وحدها يشكل نصف المشردين (57 في المئة) من غير المواطنين، خمسهم تقريبا من الرومانيين، الذين يبدو أنهم فرّوا من ويلات الحروب وتدهور اقتصادات بلدانهم. ويعاني 41 في المئة من المشردين في المملكة المتحدة، (ما بين 25 و40 ألف شخص)، من أمراض مزمنة ويصل متوسط أعمارهم في إنجلترا وويلز إلى 45 عاما للرجال و43 عاما للنساء. وتشير الإحصاءات إلى أن المشرد أكثر عرضة 3 مرات للإصابة بمشكلات خطيرة في الجهاز التنفسي مقارنة بالآخرين. وقالت ليزا "إن إمكانية النوم في سرير كانت تشكل لي غاية السعادة". ولكن مع بدء الحكومة البريطانية في رفع الإغلاق المفروض تدريجيا، أصبح القلق يساور ليزا بشكل متزايد فلا يمكن لها الاحتفاظ بغرفتها في الفندق. وأشارت الشابة إلى أن البرنامج الحكومي منحها "بارقة أمل في إمكانية تغيير الوضع"، بينما "عندما نكون في الشارع، نشعر بأن الأمور لن تتغير أبدا". وتضيف "كلي ثقة في الجمعيات، إنها لن ترمينا في الشارع"، موضحة "ولكن إذا تعين علينا العودة إلى نفس نوع السكن المؤقت كما من قبل، فإن التاريخ سيعيد نفسه". وقال مشرد يدعى محمد سيسي (29 عاما)، "الناس مذعورون، لا يعرفون ماذا يفعلون حينما يعودون إلى الشوارع". وتقول الجمعيات الخيرية التي ترعى المشردين إن هناك المئات من المشردين مثل سيسي في العاصمة في وقت تعاني فيه مراكز إيواء المشردين من نقص في العاملين والإمدادات. ويحث القطاع الخيري الحكومة على توضيح نواياها إزاء المشردين المعرضين بشكل خاص لفايروس كورونا في هذا البلد الذي أودى فيه الوباء بحياة أكثر من 40 ألف شخص. وقالت لوسي أبراهام مديرة جمعية غلاس دوور إن "إعادة الأشخاص إلى الشارع ليست حلا، لكن الوقت ينفذ أمام إيجاد بديل". وأشارت بالبر تشاتريك من جمعية سنتربوينت للشباب دون مأوى إلى وجود "قصص لا تصدق عن أشخاص انتهزوا هذه الفرصة حقا وأظهروا أنه يمكنهم الاهتمام بمسكنهم"، مضيفة "لكن آخرين يحتاجون إلى دعم مكثف لا يمكن تأمينه إلا بوجود سكن ثابت". ويُخشى من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الحادة التي سببها الوباء وفقدان العديد من الوظائف كنتيجة طبيعية لذلك، إلى زيادة عدد الأشخاص دون مأوى، الأمر الذي يتطلب تدابير أوسع، وفقا للجمعيات. ورحبت الجمعيات في رسالة إلى الحكومة بالإجراءات التي اتخذتها السلطات معتبرة أنه "يجب فعل المزيد"، خاصة أنه لا يمكن استبعاد حدوث موجة ثانية من الإصابات. بعد سنوات من التقشف وتخفيض التمويل الحكومي المخصص للسلطات المحلية من أجل المساكن السيئة، تواجه المملكة المتحدة نقصا حادا في المساكن منخفضة الإيجار. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد المشردين بنسبة 141 في المئة في السنوات العشر الماضية، بحسب الجمعيات. وتعهد رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون، خلال حملة الانتخابات التشريعية في ديسمبر التي حقق فيها فوزا كبيرا، بالحد من التشرد في غضون خمس سنوات، عبر تخصيص ميزانية بقيمة 650 مليون جنيه إسترليني (731 مليون يورو) لهذه القضية. وجدد وزير الإسكان روبرت جنريك هذا الالتزام في مايو، وأعلن عن تسريع بناء ستة آلاف وحدة سكنية جديدة، ينجز أكثر من نصفها العام المقبل. وقال جنريك "هذه الحكومة لا تريد أن ينام أحد في الشارع بعد الآن، ولدينا الآن فرصة حقيقية لتطبيق هذا الالتزام الأخلاقي". ومدد الوزير لغاية شهر أغسطس منع عمليات الإخلاء القسري من المساكن التي يتخلف مستأجروها عن دفع مستحقاتهم. واعتبرت الجمعيات الإجراء غير كاف، حيث لا يستفيد الجميع منه على الرغم من تدابير الطوارئ المعمول بها، مثل السجناء الذين أطلق سراحهم مؤخرا ولم يتمكنوا من الحصول على غرفة في فندق. وأعربت ياسمين بسران من جمعية كريزيس عن خشيتها من حصر الحصول على المساعدات الحكومية بالمشردين من المهاجرين، الذي تم تعليقه أثناء الإغلاق. ونددت بسران "تم رفض تقديم المساعدة لبعض الأشخاص رغم استمرار الوباء، وهذا يضعهم في وضع خطير للغاية".