سبق أن لفتنا هنا إلى أنه في فترات التحول بالمغرب يخرج علينا من يصر على جرنا إلى الخلف، واستحضرنا فترة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ثم التصريحات الأخيرة للمغراوي بخصوص زواج الطفلة ذات التسع سنوات. البيان الأخير ل»بيت الحكمة» يضع الأصبع على المعطى المذكور، وينبه إلى توظيف التطرف الديني الأعمى من أجل فرملة الانتقال الديمقراطي، كما يحذر من تقديم خطابات التطرف الديني والتكفير عبر الصحف ومواقع الانترنيت كما لو أنها شيئا عاديا، ويجوز طرحها وتعميمها هي الأخرى كمناقشات وآراء حول الإصلاح الدستوري. عندما نتابع تصريحات المغراوي مثلا، وأيضا تصريحات الفيزازي، وعندما نسمع كثير أخبار عن تعبئة جمعيات دينية متطرفة لكي تمطر لجنة مراجعة الدستور بالمقترحات والمطالب بحجة مواجهة «الهجوم العلماني»، وعندما نطلع على هذا الترويج المكثف لفتاوى وأحكام المتطرفين عبر الصحف والمواقع الالكترونية، من حقنا أن نتساءل عما إذا كنا بصدد اصطفاف جديد في الأوساط المتطرفة بغاية إفشال مسلسل الإصلاح الدستوري تماما كما حصل في مرحلة خطة المرأة. إن خطابات المتطرفين تركز هذه الأيام على تقديم المغاربة كما لو أنهم يعيشون حربا بين المسلمين والكفار، وحتى الحديث السياسي والقانوني عن الفصل 19 من الدستور يعتبرونه «تهجما على الإسلام واستهدافا للشريعة»، وعندما لا يعود المغراوي قادرا على كضم غيضه من اليسار، يعمد إلى الصراخ بأن «كل دولة سلط عليها اليساريون فكأنها قنبلة هيروشيما تأتي على البلد بالفقر المدقع الدائم، وبالخراب الأخلاقي، وبكل سيئة يحمل رايتها إبليس، فليحذر المسلمون في بلد المغرب وغيره من دعاة الإلحاد واليسار، فلا بارك الله فيهم وفي دعوتهم». وفضلا عن وسائل إعلامية معروفة، فإن للمتطرفين حلفاء وأبواق وخدم هم الذين يركزون اليوم على رفض التنصيص الدستوري على سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات الوطنية، ورفض دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، ورفض التنصيص على المساواة بين الجنسين، علاوة على مطالبتهم بدسترة مجلس العلماء ورفع دوره لكي يكون رقيبا على مختلف القوانين، وهم أيضا يوجهون الاحتجاجات والمسيرات الشبابية إلى المطالبة بمنع المهرجانات الفنية، والتهديد باحتلال منصاتها و...بالطوفان. إن كل هذا الهجوم التكفيري يسعى إلى إيقاف دينامية التغيير الديمقراطي في بلادنا، وبالتالي الحيلولة دون أن تنجح المملكة في امتلاك وثيقة دستورية ترتفع بها إلى مصاف البلدان الديمقراطية بالمعنى الكوني. اليوم نحتاج جميعا إلى مزيد من اليقظة والانتباه تفاديا للتراجع وإنقاذا لبلادنا من أغلال المتطرفين، وهي رسالة لكل الديمقراطيين والتقدميين وجهها «بيت الحكمة» ونعيد نحن هنا توجيهها للجميع وننخرط فيها دفاعا عن مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وضد كل الغربان.