«....خلال سنتين، منذ أن غادرت مدار ألعاب القوى والمسؤولية لم يتصل بي أحد، وجدت نفسي معزولا في بيتي، وأتساءل هل يدفن الناس أحياء في هذا البلد؟...» هكذا تحدث البطل والإطار الوطني والمهندس لحسن صمصم عقا أمام الحضور في اللقاء الصحفي الذي نظمته جمعية المرأة، «إنجازات وقيم»، التي ترأسها البطلة العالمية نزهة بدوان، وهذا بعض ما جاء في مداخلة «السي لحسن» عندما فاجأته الجمعية وتلميذته نرهة بدوان واحدة من مواهب ألعاب القوى التي أشرف على تحظيرها وفكرت في تكريمه، ودعت وزير الشباب والرياضة وأشركته في الحدث. نعم اختارت البطلة العالمية نزهة بدوان أن تربط الوفاء والإعتراف والتقدير بتكريم الحاج لحسن صمصم عقا، بعرض السباق النسوي (سباق النصر) في نسخته الرابعة. وجاء الحدث محملا بالرسائل والدلالات، وجاء حديث الأب «لحسن» شبيها بنحيب مكتوم وهو يشير إلى الجفاء والعزلة والتنكر والجحود، وما يحسه بعيدا عن الأضواء، وعن رعاية المواهب وصناعة الأبطال، وعن حصد الألقاب. كان لحسن صريحا كما عهدناه، جدي يصدح بالحق كما عرفه الذين تتلمذوا على يديه من الأطر والعدائين. فكيف وهو من مواليد الأربعينيات في قبيلة «عين الشكاك» في منطقة قريبة من صفرو-مكناس- إيموزار كندر- فاس- الحاجب، مشبع بقيم مغربية أصيلة، رصعها في عائلة محافظة، وطنية، سكنه عشق الرياضة منذ الصغر، وتألق وسط أقرانه في التعليم الابتدائي في عدة أنواع رياضية: الكرة الطائرة، السباحة، كرة اليد، كرة السلة وغيرها، بفضل قوته الطبيعية ومؤهلاته البدنية. فهو «العملاق» بقامة طويلة 1.95م، وركام من العضلات يتجاوز 110 كلغ، حيث جمع بين الدراسة، حصل على دبلوم مهندس في الفلاحة والماستيرز في ميدان الرياضة، كما حطم رقما قياسيا في دفع الجلة، أنجزه يوم خامس ماي سنة 1972 ببلوغ 20.45 متر، وهو رقم لم يحققه أحد في المغرب خلال تسعة وثلاثين سنة. تألق لحسن صمصم عقا في أمريكا بطلا في المدار الجامعي، وتلميذا وطالبا لامعا في الدراسة، وعايش أبطالا أولمبيين أمريكيين، ودرب هناك، وساهم في بروز عدد منهم في محافل دولية. وارتبطت عودة السي «لحسن» بالفترة الذهبية لألعاب القوى المغربية في الثمانينات، حيث أسندت له الجامعة مهمة المدير التقني الوطني، ونجح في تأطير جيل نوال المتوكل، سعيد عويطة، اللهبي، المسكاوي شريفة، مولاي ابراهيم بوطيب، خالد السكاح، صلاح حسو، الحسنية الدرامي، سعاد ملوسي، فتيحي، عزيز صهير، نزهة بدوان وغيرهم من الأبطال. وساهم رفقة مجموعة من خيرة الأطر في صناعة أبطال من ذهب بتداريب مكثفة وهادفة، وبالتنقيب واكتشاف الطاقات ورعايتها، ولن ننسى الفترة الذهبية في الثمانينات حيث إقلاع ألعاب القوى الوطنية، وانتزاع الميداليات من المعادن الثلاثة ذهب، فضة، نحاس، وفي مناسبة التحضير للألعاب العربية والمتوسطية التي نظمت في المغرب، إضافة إلى بطولة العالم سنة 1987، ثم تحطيم 46 رقم قياسي مغربي في ألعاب القوى، والإنجاز فريد وغير مسبوق. لحسن صمصم هذا الإطار التربوي والرياضي الذي يحمل أيضا اسم والده «عقا» والذي ظل على امتداد أربعة عقود مثالا للمربي والمثقف وحامل هموم ألعاب القوى الوطنية لمدة ناهزت الأربعين سنة يوجد اليوم معزولا في بيته بالهرهورة كالغريب في وطنه. فما الذي ألقي به خارج أسوار مدار ألعاب القوى، في زمن يوجد الميدان في حاجة إليه وإلى غيره من القيم والكفاءات الوطنية؟ الوطن يعج بالأطر وذوي الخبرات، ولحسن صمصم عقا في قلب التاريخ الرياضي، والتاريخ يسجل، وذاكرة الجمهور لا تنسى.