في خضم تفشي جائحة كورونا، وبمبادرة سامية من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تم اعتماد خطة محكمة للحد من انتشار فيروس كورونا-كوفيد 19 ببلادنا وحماية المواطنات والمواطنين. وقد اتخذت في هذا الإطار عدة إجراءات احترازية ووقائية، تجلى، بسرعة، وقعها الإيجابي في الحد من عدد الوفيات والإصابات بهذا الوباء الخطير. وسعيا في الرفع من مردودية كل الإجراءات، فإننا مطالبين بالتقيد بكل ما تفرضه هذه الوضعية من تدابير وقائية. في هذه الظروف التي تفرض المزيد من الالتزام والتضامن، ننوه بالتعبئة اللامسبوقة للعاملين في القطاع الصحي ولكافة أفراد السلطات العمومية بمختلف أجهزتها الأمنية والإدارية. ومن ضمن الإجراءات الوقائية التي اتخذت في إطار حالة الطوارئ الصحية، قرار إعلاق جميع المؤسسات التعليمية. وينطبق هذا الإجراء على جميع المؤسسات العمومية والخصوصية، كما يشمل جميع الأسلاك التعليمية، وذلك تفاديا لانتشار الفيروس، وحفاظا على سلامة الطلبة والتلاميذ والعاملين في القطاع. وتفاعلا مع هذا الإجراء، وسعيا وراء إنقاذ السنة الدراسية، بادرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلى اتخاذ إجراء استثنائي يتمثل في اللجوء إلى التعليم عن بعد. وسيتم الاختصار على التطرق لتداعيات هذه المبادرة بالنسبة للتعليم المدرسي العمومي بالخصوص «ابتدائي – ثانوي». وقد استبشر الجميع حينه لانطلاق هذه المبادرة سواء تعلق الأمر بآباء وأمهات التلاميذ أو بهؤلاء أنفسهم، أو بالأطر التربوية والادارية العاملة في القطاع، وذلك لكونها تمكن من استمرار الدراسة والتحصيل. ومن الاستعداد لمختلف الاختبارات وبالخصوص الإشهادية منها. ولقد لجأت السلطات التربوية منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية الى استغلال القنوات التلفزية وشبكات التواصل لتمكين التلاميذ من الاستفادة عن بعد من الدروس المتبقية من مقررات مختلف المواد الدراسية. وإلى جانب تثمين هذه المبادرة، والسرعة التي اعتمدت بها من طرف السلطات التربوية، بعد إغلاق المؤسسات التعليمية، لا بد من الإشادة بأطر التدريس والإدارة والتأطير التربويين، والتنويه بتجندهم لتعبئة كل ما توفر لهم من امكانات واجتهادهم لابتكار شتى الطرق والتقنيات لضمان توسيع الاستفادة لأكبر عدد من التلاميذ من التجربة. كما تعبأ التلاميذ و الآباء وعدد من فعاليات المجتمع المدني ومتطوعين لنفس الهدف، ومن المنتظر تقويم نتائج المبادرة من طرف الوزارة للوقوف على مدى مردودية التجربة ونجاعتها. وذلك لا يمنعنا من التذكير أن السلطات تتحدث عن مؤشر حول نسبة إنجاز المقررات التي قد تبلغ ما يقارب 80%. وفي انتظار تأكيد هذه النسبة، من خلال تقييم مبني على معطيات موضوعية، يبقى المؤشر المذكور جد مشجع، خصوصا إذا اتخذ بعين الاعتبار عامل المفاجأة، حيث لا أحد كان ينتظر وصول الأزمة إلى هذا المستوى من الخطورة، الذي فرض إغلاق المؤسسات التعليمية لمدة طويلة، وذلك دون أن تكون السلطات التربوية، قد تمكنت من الاستعداد المادي والمعنوي الضروري، للدخول في هذه التجربة وتوسيعها دفعة واحدة على الصعيد الوطني. الحذر من التفاؤل وبقدر ما نأمل أن يجسد المؤشر المذكور النسبة الحقيقية لإنجاز البرامج ، بقدر ما يبدو لنا من اللازم الحذر من الافراط في التفاؤل، وذلك نظرا لعدة عوامل، تجعلنا لا نؤيد التسويق الاعلامي لهذا المؤشر دون اعتبار عدد التلاميذ المستفيدين. وبالنظر إلى الوضعية الاجتماعية والاقتصادية لأعداد هامة من الأسر، خصوصا بالقرى والمناطق الجبلية، وبالأحياء الهامشية للمدن الكبرى وبالتجمعات السكنية المعزولة، فإن معظم التلاميذ المنحدرين من هذه الأسر يفتقرون للتجهيزات الضرورية «حواسب محمولة، هواتف نقالة، لوحات إلكترونية…» للاستفادة من التعليم عن بعد. فكيفما كانت الجهود المبذولة من الأطر الادارية والتربوية لإعداد منتوج لتقاسمه مع المتعلمين، فستبقى تغطية هؤلاء ضعيفة، ويستفيد فقط المتوفرين عن الأجهزة المطلوبة وتبقى ربما التلفزة، هي الجهاز المتوفر لدى أكبر عدد من الأسر نسبيا، باستثناء الأسر القاطنة بدواوير ومداشر غير مشمولة بشبكة الكهرباء. وتجدر الإشارة أيضا، إلى غياب معطيات حول مدى انخراط الفاعلين التربويين في هذه المبادرة التي فاجأت العديد منهم كذلك، حيث لم يسبق لهم الاستعداد الملائم للجوء للتعليم عن بعد، خلال مدة تتجاوز ثلاثة أشهر، مع تغطية جميع المواد الدراسية، وما يعادل تقريبا ثلث المقرر السنوي لكل مادة. فما هي نسبة الأطر التربوية والادارية التي تمتلك ولو نسبيا المهارات التقنية والبيداغوجية الأساسية للتعليم عن بعد ؟. في هذا المجال، لا بد من استحضار ما نصت عليه الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي ربطت محدودية المردودية الداخلية للمدرسة المغربية بستة عوامل أساسية منها ‹›الولوج المحدود للتعليم عبر التكنولوجيات التربوية» «الصفحة 6 من وثيقة الرؤية»، ولذلك تأثير أيضا على المردودية الخارجية للنظام التعليمي يتجلى في ‹›صعوبات الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي للخرجين»، وأيضا في ‹›تكلفة باهظة تتحملها البلاد في تحقيق المشروع المواطن والديمقراطي والتنموي، وفي الانخراط الفاعل في مجتمع المعرفة والابتكار والتكنولوجيا «الصفحة 7». انطلاقا، من هذا التشخيص، نصت الرؤية الاستراتيجية في إطار الرافعتين 19 «تأمين التعلم مدى الحياة والمساواة»، و20 «الانخراط الفاعل في اقتصاد ومجتمع المعرفة» على حزمة من التوجيهات والإجراءات لكسب رهان استدامة تعميم المعرفة والمعلومات والتربية والتعليم للجميع والاستثمار بشكل أفضل في تنمية الرأسمال البشري وذلك من خلال تبنى استراتيجية شمولة للتعليم مدى الحياة من طرف المجتمع. ومن العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية. توسيع الخريطة المعرفية للبرامج والمقررات التعليمية والتكوينية، بإدماج البرمجيات التربوية الالكترونية، وتعزيز التعلمات المستندة إلى البرامج الرقمية وتوفير الفضاءات متعددة الوسائط. التعزيز التدريجي لصيغ التعليم الحضوري، بالتعليم عن بعد، عبر اعتماد برامج ووسائط رقمية وتفاعلية، وتكوين مكتبات، وموارد تربوية الكترونية. نشر تكنولوجيا الاعلام والاتصال بمؤسسات التعليم ومراكز تكوين الأطر. وتوسيع شبكة المكتبات ومراكز الموارد وطنيا وجهويا. وتعرض وثيقة الرؤية الاستراتيجية، من خلال الرافعة 20، كل ما يلزم من إجراءات لإدماج ناجع لتكنولوجيا الإعلام والتواصل بالمدرسة، ثم كل ما يتعلق بتوفير الظروف للتعليم عن بعد وللتعليم الذاتي. التذكير بهذه المعلومات يفرض نفسه علينا في هذه الظروف لكي نتساءل جميعا عن مدى بلورة الإصلاحات المذكورة على أرض الواقع. لا بد إذن كما سلف الذكر، من تقييم موضوعي للتجربة التي بادرت وزارة التربية الوطنية بإطلاقها لإنقاذ السنة الدراسية، وبالتالي الوقوف على مردودية ونجاعة كل ما تم إنجازه في ميدان إدماج التكنولوجيات الحديثة للإعلام والتواصل في التعليم، وكذلك تقييم مدى انخراط العاملين في القطاع والتلاميذ والأسر في هذا الورش الهادف إلى تدعيم دور المؤسسة التعليمية في تكوين الناشئة وتهيئها للاندماج في اقتصاد ومجتمع المعرفة. ما بعد كورونا إلى جانب الالتزام بالتقيد بإجراءات الحجر الصحي، لابد من التفكير أيضا في مرحلة ما بعد جائحة كورونا. السلطات التربوية تنكب حاليا بالأساس على إعداد خطة لإجراء الامتحانات وانهاء السنة الدراسية بأقل ما يمكن من الأضرار، وذلك باتخاذ الإجراءات التنظيمية والبيداغوجية الكفيلة بضمان الشروط الضرورية لسيرورة دراسية عادية للتلاميذ وتهيئيهم للسنة الدراسة المقبلة. ماذا الآن عن تدبير القطاع مستقبلا ؟ من المنتظر أن الجائحة ستتسبب لا محالة في تحولات قد تكون جوهرية في جميع المجالات، فلنركز على التفكير في منظومتنا التربوية، وبالخصوص فيما سيتم اعتماده من توجهات في تدبيرها لمواجهة تحديات المستقبل. لا بد في أول الأمر التأكيد على أن السبيل الوحيد الأنجع لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة هو وضع الانسان كمحور أساسي لأي مقاربة تم اعتمادها، مما يستوجب وضع القطاعات الاجتماعية، التعليم والصحة بالخصوص، في صدارة الأولويات لكل مشروع مجتمعي. بالنسبة لبلادنا، بعد القضاء على فيروس كورونا واستقرار الوضع الصحي، سيتعبأ جميع الفاعلين لإعادة فتح مختلف الأوراش التي تعطلت أو تعثرت نسبيا بسبب الجائحة، كما سيتم بالتأكيد فتح أوراش جديدة في مرحلة لاحقة في جميع الميادين لانعاش النشاط الاقتصادي والاجتماعي. ستتم إعادة فتح المؤسسات التعليمية، ويتطلب هذا الظرف الاستثنائي التعبئة والتضامن والالتزام الجماعي لإنقاذ السنة الدراسية والاستعداد لتنظيم الدخول المدرسي المقبل في أحسن الظروف. وحين تستقر الأمور لا بد وأن يتم التفكير والشروع في إعطاء شحنة مستجدة للإصلاح التربوي الذي نحن بصدده منذ اعتماد الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2030-2015. ومن حسن الحظ، بخلاف بعض القطاعات الاجتماعية التي تتطلب، ربما إصلاحات جذرية لتحديات المستقبل، فإن قطاع التربية موضوع إصلاح حديث العهد، إصلاح تم الشروع في انجازه باعتماد رؤية استراتيجية للإصلاح 2030-2015، والقانون الاطار الذي يؤسس لإلزامية القيام بتنفيذها. وستبرز لاحقا التحولات التي ستميز مرحلة ما بعد كورونا، وذلك من خلال تقارير اللجنة الخاصة للنموذج التنموي الجديد. سيتم لامحالة الافصاح عن الاختيارات والمقاربات البديلة لتلك التي ميزت النموذج التنموي المعتمد إلى حد الآن، والذي برهنت كل المعطيات والمؤشرات أنه قد تجووز. ولن تغيب في هذه التقارير تجليات تأثير الأزمة الصحية في التوجهات الجديدة للسياسة التنموية التي أضحى من اللازم أن تضع الانسان في صلب العملية التنموية. وانطلاقا من ذلك فإن الركيزة الأساسية الأولى للنموذج التنموي الجديد هي إعطاء دفعة جريئة لإصلاح وتنمية منظومة التربية والتكوين، وتعبئة كل الطاقات والوسائل الممكنة في اتجاه الاستثمار في اقتصاد المعرفة وفي التربية والتكوين سعيا وراء القضاء على الأمية وتأهيل المتعلمين للاندماج السوسيو ثقافي والمهني، وتحسيس قدرات النظام التعليمي الوطني، خاصة العمومي، والاعتماد على المدرسة العمومية المجانية بمقومات التفوق والجودة، ثم الارتقاء بالبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ليصلا تدريجيا إلى المستوى الذي بلغاه في الدول الصاعدة «مذكرة حزب التقدم الاشتراكية حول النموذج التنموي الجديد». التركيز على المدرسة العمومية ناجم عن كونها الأداة الرئيسية لتقليص الفوارق الاجتماعية و بالتالي الأداة الناجعة لتحقيق تكافؤ الفرص والانصاف، مما لا يعني النقص من دور التعليم الخصوصي ومساهمته في توسيع فرص التمدرس والارتقاء بنوعية التعليمات. ويعتبر القطاع الخصوصي شريكا في هذا المجال، فيما يبقى للدولة، كما في القطاعات الأخرى، دور استثماري وتأطيري وتوجيهي أساسي، ودور كذلك في مجال إعداد مخططات تنمية القطاع، وتحديد الأهداف والآفاق مع توضيح أدوار مختلف الفاعلين، وضرورة تدقيق آجال إنجاز مختلف المشاريع لكي تتحكم في عامل الزمن الذي يجب أن تستحضره على الدوام، نظرا لأهميته في نجاعة ومردودية الخطط التنموية. أولويات الإصلاح ونتطرق فيما يلي لبعض الأوليات ولو باختصار في أي خطة لإصلاح المنظومة التربوية في إطار استئناف تنشيط الأوراش التنموية بعد استقرار الوضع الصحي، وذلك من منطلق الاقتناع بأن «رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030 ‹› تبقى خطة ناجعة في حال بلورتها على أرض الواقع، بشرط اتخاذ عامل الزمن بعين الاعتبار، مما يعني تنفيذ برامج عمل في أفق مقبولة لاستدراك التأخير الذي تم تسجيله منذ 2015، أي منذ اعتماد ذات الرؤية كخريطة طريق حظيت بأجماع وطني للرقي بالمنظومة التربوية. وحول قيمة ما سيعرض من بعض الإجراءات ذات الأولية لانطلاق إصلاح فعلي للمنظومة، فهي إشارات تعبر عن اقتناعات شخصية، بينما من المؤمول أن تتوفر لدى المسؤولين عن القطاع إرادة سياسية حقيقية لإطلاق هذا الورش التنموي الوطني وفتح قنوات للحوار والتشاور مع مختلف الفاعلين وتجنيد لجنة تقنية من كفاءات وطنية مؤهلة لإعداد خطة عمل قابلة للتنفيذ، تعتمد من طرف الحكومة كمشروع تنموي. ومن ضمن الأولويات، الاجراءات ذات الطابع المادي والمتعلقة ببنيات الاستقبال التي تستهدف توفير شروط التطور الكمي للمنظومة عبر التراب الوطني، إلى جانب الاجراءات ذات الطابع التنظيمي والبيداغوجي والكفيلة بالارتقاء بنوعية التعليم والنجاعة الداخلية والخارجية للمنظومة التربوية. بالنسبة للصنف الأول، يتعلق الأمر بإعداد برنامج يكتسي درجة نسبية من الاستعجالية يمتد تنفيذه لخمس سنوات على الأقل، لاستدراك النقص الحاصل في مجال الطاقة الاستيعابية. وتلي هذا البرنامج خطط سنوية تنجز لسد الحاجيات التي تحددها الخريطة المدرسية. وتهم هذه البرامج والخطط، إحداث مؤسسات جديدة للتعليم الابتدائي ومن ضمنها مدارس جماعاتية عند الاقتضاء، ومؤسسات للتعليم الثانوي الاعدادي، ومؤسسات للتعليم الثانوي التأهيلي، زيادة على انجاز برامج لتوسيع المؤسسات المتواجدة من أجل استقبال أعداد إضافية من التلاميذ، وبناء سكنيات للأطر الادارية و التربوية خصوصا بالمناطق القروية. إضافة لبرامج الإحداثيات، تنجز دراسة على مستوى كل أكاديمية جهوية لاعتماد خطة خماسية لتأهيل المؤسسات التي تستلزم ذلك لاستقبال التلاميذ والأطر الادارية والتربوية في ظروف ملائمة. وموازاة مع إنجاز برامج البناءات والتأهيل، يتم بالطبع توفير جميع التجهيزات، والوسائل التربوية والمعينات الديداكتيكية الضرورية «الأثاث، تجهيز المختبرات، تجهيز وتأثيث ملائمين للقاعات الدراسية المخصصة للتعليم الأولي بالمؤسسات الابتدائية، تجهيز قاعات متعددة الوسائط بجميع المؤسسات وربطهما بشبكة الانترنيت، تجهيز الملاعب الرياضية…». بالنسبة للإجراءات المرتبطة بالجانب البيداغوجي والتنظيمي، فمن اللازم الاستمرار والإسراع في تنزيل الإصلاحات المنصوص عليها في وثيقة الرؤية الاستراتيجية والرامية إلى إرساء أسس «مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء››. فعلى المستوى المتعلق بالتنظيم والتدبير، يجب المضي المتسارع في تطوير الحكامة الجديدة المؤسسة على اللاتمركز واللاتركيز، مما يتطلب الاستمرار في دعم دور الأكاديميات والمديريات الاقليمية، وذلك بتوسيع صلاحياتها ودعمها بالموارد البشرية، والامكانات المادية الكفيلة بتمكينها من تحسين مستوى نجاعة إدارة وتدبير شؤون القطاع على المستوى الجهوي والاقليمي والمحلي، علما أن هذه المقاربة لن تأتي أكلها بالمستوى المنشود طالما لم تشمل تسيير المؤسسات التعليمية. والعديد من هذه الأخيرة لا يتوفر على الحد الأدنى من الموارد البشرية المؤهلة والوسائل المادية الملائمة والكافية للتسيير والتأطير. وبالتالي يتوجب الرفع من دعم المؤسسات لتمكينها من الاضطلاع بدورها من خلال التعبئة والانخراط بكل قوة في تحقيق أهداف التعليم، وبذلك ستتوفر الشروط لمأسسة ‹›مشروع المؤسسة›› كأداء تمكن المدرسة من تنظيم أنشطتها على شكل خطط عمل، يتم تنفيذها بالتزام جميع المتدخلين من طاقم إداري وأطر للتدريس والتأطير التربوي. وبخصوص الجانب البيداغوجي، يتعلق الأمر بالإجراءات المرتبطة بالعملية التعليمية، وهي عديدة وتشمل عدة ميادين تصعب الإحاطة بها في هذه المساهمة المتواضعة. وذلك لا يمنع من الاشارة إلى بعض المواضيع بإيجاز نظرا لأهميتها مع التأكيد على أولويتها في الرفع من نجاعة الاصلاح التربوي. منها؛ اعتماد عدة بيداغوجية ملائمة للتعليم الأولي تأخذ بعين الاعتبار حاجيات وخصائص المتمدرسين بهذا السلك، إضافة إلى توفر الأطر المنوطة بالتدريس، بهذا المستوى على التكوين والمهارات الضرورية. دعم إدماج تكنولوجيا الإعلام و الاتصال، وذلك بالإسراع في اعتماد وتطبيق الإصلاح والإجراءات التي تنص عليها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030. ضمان جودة التكوين الأساسي لأطر التدريس والتأطير والإدارة التربوية واعتماد برامج منتظمة للتكوين المستمر لصالحهم، قصد تحسين مهاراتهم وإلمامهم بالمستجدات البيداغوجية، وطرق التدبير الإداري، مما يفرض استفادتهم أيضا من تكوين أساسي ومستمر في مجال استعمال تكنولوجيات الإعلام و الاتصال. تجسيدا لمفهوم مدرسة الإنصاف، يتوجب بلورة الإجراءات المنصوص عليها في وثيقة الرؤية الاستراتيجية 2030-2015، في اتجاه ‹›تأمين التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة››. ويتم ذلك من خلال ‹›وضع مخطط وطني» ينجز على المدى المتوسط ويشمل كل الجوانب من تكوين مدرسين مؤهلين لتأطير هؤلاء الأطفال، وإعداد مناهج إلى غير ذلك. درس كورونا وفي الختام، وحتى تتوفر فرص النجاح لهذه الإصلاحات، لابد من الاستفادة من أهم درس استخلصناه من انتشار وباء كورونا، وينطبق ذلك أيضا على الأقطار الأخرى، وهو تكلفة عدم وضع الإنسان كمحور أساسي للسياسات التنموية، حيث لم يتم الاهتمام وايلاء الأولوية للقطاعات الاجتماعية، وبالخصوص قطاعي الصحة والتعليم. وبالتالي وجب علينا في ما بعد انتهاء هذه الأزمة الاستعداد لفتح آفاق جديدة تمكننا من استدراك العواقب السلبية لهذه المقاربة الخاطئة التي اعتمدت منذ سنين، رغما عن أنفنا. ولكن ما يدفع للتفاؤل، هو هذه الأجواء التي خلفتها اللازمة الصحية، أجواء التضامن والالتزام وتفكير الجميع في ضرورة التغيير، وباختصار الوعي الجماعي بأهمية الاهتمام بالإنسان، وبالتالي رد الاعتبار لتلك القطاعات الاجتماعية ولنعتبر بأن ظروفا ملائمة ستتوفر قريبا حيث يعود الاستقرار وامكانية انطلاق حقبة جديدة يعاد فيها النظر في عدة أمور لا محالة. وستنطلق اصلاحات في شتى الميادين، وتبرز مقاربات مستجدة للتنمية البشرية بالخصوص عبر العالم، ولما لا في بلادنا. واستعدادا لذلك وفي أول خطوة لدعم المدرسة العمومية، لابد من القيام بمبادرة جماعية لصالح الموارد البشرية المشتغلة بها، يتجند لها جميع الفاعلين من سلطات حكومية وتنظيميات تمثيلية للعاملات العاملين في قطاع التربية والتكوين، وفتح حوار وطني وصريح للمساهمة في استرجاع الثقة وروح التضامن والالتزام والمسؤولية، وقتها يتم القيام بتقييم موضوعي لأوضاع هذه الشريحة من العاملين في القطاع (أطر للتدريس، والتأطير، والإدارة التربوية) دون استثناء أي فئة منهم، ثم إعداد مقاربة شاملة وناجعة تضمن توازنا مقبولا بين الحقوق والواجبات لكل الأطراف مع إعطاء الأولوية للصالح العام. وبالنظر إلى الدور الأساسي لهذه الشغيلة في أي خطط تنموية أو اصلاحات للمنظومة التربية، فإن التوافق على أي مقاربة لإصلاح الأوضاع، وضمان السير العادي والمستمر لهذا المرفق العمومي الحيوي، يجب أن يرتكز عن المنطلقات الآتية: رد الاعتبار لهذه الشغيلة ولدورها ووظائفها النبيلة وجسامة مسؤوليتها في الارتقاء بالمنظومة. تحسين الأوضاع المادية للعاملات والعاملين في القطاع وتطوير أنظمتهم الأساسية في اتجاه توحيدها وانسجامها مع مختلف أنظمة مختلف وظائف القطاع العمومي. تطوير مؤهلاتهم عن طريق إصلاح مناهج تكوينهم الأساسي والمستمر لضمان إلمامهم بكل المستجدات البيداغوجية والتدبيرية مع تعميم تأهيلهم أيضا لاستعمال التكنولوجيات الحديثة في التدريس والتدبير الاداري. اتخاذ اجراءات تحفيزية لتشجيع مبادراتهم الفردية والجماعية الهادفة إلى تجويد الخدمات التربوية وانفتاح المؤسسات التعليمية على محيطها الاجتماعي والثقافي. * عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية- منسق قطاع التربية والتكوين بالحزب