بعد تسجيل أولى الحالات لما بات يعرف بفيروس “كورونا” أو COVID-19 في المملكة المغربية، هذا الفيروس الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بأنه جائحة، وهو الفيروس الذي وضع مفهوم النظام العام الصحي في قلب الاهتمامات وفي صلب السياسات العمومية لمختلف دول العالم، ونفس النهج سارت عليه المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، بحيث تفاعلت جل المؤسسات الرسمية المغربية بكل أطيافها وبمختلف درجاتها بدء من جلالة الملك إلى كل طاقم وأفراد المؤسسات العمومية وباقي مؤسسات المجتمع والقطاع الخاص والمهن الحرة، وكل فئات المجتمع تفاعلت إيجابيا مع جميع المبادرات التي اتخذت من أجل محاصرة هذه الجائحة نظرا لما تشكله من خطورة على الوضع الصحي العام لمكونات المجتمع المغربي، الشيء الذي دفع بالسلطات المغربية الرسمية المسؤولة المتمثلة في وزارة الداخلية إلى اتخاذ قرار فرض “حالة الطوارئ الصحية” في مجموع التراب الوطني، الذي ابتدأ من السادسة مساء من زوال يوم الجمعة 25 رجب 1440 الموافق ل 20مارس 2020، تحت طائلة المتابعة الجنائية لكل من سولت له نفسه عدم الالتزام بحالة الطوارئ وفق الشروط التي حددتها وزارة الداخلية، بحيث اشترطت هذه الأخيرة مغادرة مقرات السكن بعد استصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة، وفق حالات معينة، مشيرة إلى أن التنقل سيقتصر على الأشخاص الضروري تواجدهم بمقرات العمل، شريطة أن يتم تسليمهم شهادة بذلك موقعة ومختومة من طرف رؤسائهم في العمل، والتنقل من أجل اقتناء المشتريات الضرورية للمعيش اليومي في محيط مقر سكنى المعني بالأمر، أو تلقي العلاجات الضرورية أو اقتناء الأدوية من الصيدليات… ومنع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص، وإغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة. وبعد هذا الإعلان، طرحت عدة تساؤلات حول الصيغة القانونية التي يتم اتخاذ من خلالها هذه القرارات، وقد زادت حدة النقاش القانوني بالمغرب مباشرة مع إعلان حالة الطوارئ من لدن وزير الداخلية، حول سند التجريم والعقاب في حق الأشخاص المخالفين للتدابير التي اتخذتها السلطات العمومية في إطار حالة الطوارئ الصحية، وانقسمت الآراء فيما يخص السند القانوني للتجريم والعقاب إلى فريقين، الفريق الأول استند على مقتضيات البند 11 من الفصل 609 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه: “يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية: من خالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه..”. أما الفريق الثاني فذهب إلى كون الأفعال المخالفة لمقتضيات القرار الخاص ب “حالة الطوارئ الصحية” تتسم بخطورة بالغة، وهو ما يستوجب أن تكون العقوبة المقررة لها أقوى وأشد من أجل تحقيق الردع العام حتى تتحقق الغاية من إصدار القرار المذكور. وفي هذا السياق ارتأى أنصار هذا الرأي إلى ضرورة تفعيل مقتضيات الفصل 308 من القانون الجنائي على اعتبار أن أي خرق لما يقتضيه تنفيذ قرار “حالة الطوارئ الصحية” يدخل في خانة العصيان ويشكل صورة من صوره، وفي خضم النقاش الرائج بخصوص سند التجريم والعقاب في حق الأشخاص المخالفين للتدابير التي اتخذتها السلطات العمومية في إطار حالة الطوارئ الصحية، أصدر مجلس الحكومة يوم الأحد 27 رجب 1441 الموافق ل 22 مارس 2020 بلاغا مفاده المصادقة على مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.292، هذا المشروع الذي حسم النقاش المثار بين مختلف الهيئات في شقه المتعلق بالسند القانوني للتجريم والعقاب في حالة مخالفة التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية في إطار حالة الطوارئ الصحية، وعلى إثر مصادقة الحكومة على مرسوم القانون رقم 292.20.2 طرحت العديد من التساؤلات من مختلف المهتمين والباحثين في الشق القانوني، أغلبيتها تنصب على مدى احترام الشرعية الدستورية على إثر إصدار الحكومة لمرسوم القانون رقم 292.20.2؟؟ استنادا للفصل 70 من الدستور الذي يمنح للبرلمان حق ممارسة السلطة التشريعية كقاعدة عامة. وعليه نشير إلى أن المشرع الدستوري، قد أورد على هذه القاعدة استثناء من حيث الممارسة طبقا للفصل 81 منه، الذي جاء نصه كما يلي: “يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية”. ويستشف من هذا الفصل، أن للحكومة صلاحية ممارسة العملية التشريعية خارج دورات البرلمان، بمقتضى مراسيم تحل محل القانون، ضمانا منها لواجب الدولة – بمفهومها العام – في سن قوانين لا تحتمل التأخير وانتظار عقد الدورات المذكورة.. واستنادا لهذا الاستثناء، يتضح جليا أن مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.292، متسم بالشرعية الدستورية. وبتاريخ 24-03-2020 يكون مرسوم القانون 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية دخل حيز التنفيذ بأثر فوري ومستقبلي، واستنادا للمادة الرابعة من هذا القانون، فكل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية ولم يتقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية أو عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون، عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو بالإكراه أو قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة، بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية، وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض، يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة مالية تتراوح ما بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، بحيث إذا اقترنت هذه المخالفات بأفعال جرمية أخرى، كجريمة العصيان أو إهانة الموظف العمومي المنصوص عليها في الفصول 263 و300 إلى 308 من القانون الجنائي، أي إذا اقترنت تلك الأفعال الواردة بالمادة الرابعة من القانون 2.20.292 بأفعال جرمية أخرى تشكل جريمة في التشريع الجنائي المغربي كالتي أشرنا إليها، لا يتم الإخلال بهذه العقوبة الأشد، ونظرا لكون مبدأ الشرعية الجنائية يشكل أبرز القيود التي ترد على إقامة الدعوى العمومية طبقا لما نص عليه المشرع المغربي في الفصل الثالث من القانون الجنائي بحيث لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون، ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون، فإن كل فعل مخالف للتدابير اللازمة التي تقتضيها تلك الحالة كان قد ارتكب قبل هذا التاريخ، يعد مشمولا بمنطقة العفو التشريعي، ولا يمكن معاقبته لانتفاء الصبغة الجرمية عليه، احتراما لمبدأ الشرعية الجنائية المقررة في الفصل 3 من القانون الجنائي شريطة ألا تقترن هذه المخالفات بأفعال جرمية أخرى تشكل جريمة في التشريع الجنائي المغربي، كتلك المنصوص عليها في الفصول 263 و300 الى 308 من القانون الجنائي. *منتدب قضائي باحث في العلوم القانونية