أجمع لقاء نظم مؤخرا بالدار البيضاء، أن السماع الصوفي المغربي وجه رفيع للهوية الإسلامية للمملكة، وأن الحضارة العربية قائمة في بعض جوانبها على التفاعل بين الإنسان والموسيقى. وتمحور هذا اللقاء الذي نظمته «مؤسسة مسجد الحسن الثاني» بالدار البيضاء، حول موضوع «التصوف وفن السماع». وأبرز محمد التهامي الحراق وهو أستاذ باحث في فن التصوف، أن فن السماع الصوفي المغربي روحي أصيل ويمثل وجها جماليا رفيعا من أوجه الهوية الإسلامية المغربية. ولاحظ الحراق في مداخلته بعنوان «فن السماع في المغرب، قراءة في خصائصه ووظائفه»، أن هذا الفن يصهر بين الأدب والطرب والتصوف، كما تجسد ذلك مجالس المديح النبوي وحلقات الذكر الصوفي المتجذرة في تاريخ ووجدان المغاربة، والمنتشرة في مختلف ربوع المغرب. ووقف، بالمناسبة، عند تطور مصطلح «السماع» الذي كان يقصد به في بداياته خاصة عند أهل التصوف، الاستماع إلى القرآن الكريم ثم تطور ليشمل الاستماع إلى كل قول حسن يتقرب به إلى الحق سبحانه، مضيفا أن هذا التعريف سيتوسع ليشمل الاستماع إلى كل شعر بطريقة منغمة تحمل دلالات روحانية وأهداف تربوية نبيلة. واستعرض المتدخل أهم المحطات التي عرفها تطور السماع، خاصة في القرنين السادس والسابع الهجري، مع تبلور التصوف في أبهى مراحله مع ثلة من أئمة التصوف الذين سيتغنون بأشعار ومدونات. وخلص إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف شكل مرحلة مهمة انتعش فيها فن السماع خاصة داخل الزوايا. ومن جهته، أبرز المكي التهامي وهو أيضا باحث في المجال في مداخلته بعنوان «تأثير الإنشاد الموسيقى على النفس والروح»، تفاعل الإنسان مع الموسيقى، مضيفا أن إسهامات الحضارة العربية لم تخرج عن هذا الاتجاه. وأشار إلى أن ذلك يتمثل بالأساس في بروز العديد من الشعراء والموسيقيين العرب الذين ساهموا في بناء هذا اللون الفني التعبيري والتواصلي من أجل تطهير الروح والسمو بالعقل البشري. وانطلق التهامي من قولة الإمام أبو حامد الغزالي «من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج وليس له علاج»، ليذكر بدور العديد من الأطباء العرب المعروفين في استعمال الموسيقى في علاج مرضاهم، من بينهم على الخصوص أبو بكر الرازي وابن سينا. وساهم في تنظيم هذا اللقاء الذي اشتمل على أمسية لفن المديح والسماع أحيتها «جمعية الصفا لمدح المصطفى» من مدينة وزان، الاتحاد المغربي للفنون و»جمعية وزان دار الضمانة».