فرجة مبهجة عارمة أبعدت المتلقي عن الرتابة وفق نظرة إخراحية ذكية، نجح في تركيبها المخرج المغربي أمين ناسور، في احتفاليته المسرحية “النمس”، التّي أسالت مداد العديد من النقاد العرب. الناقد المسرحي الجزائري حليم زادم أبرز، في ورقة نقدية قدمها على هامش عرض المسرحية المغربية ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي، المنعقد بالأردن، أنّ “ناسور استعمل أدوات فنية اعتمد فيها على الفضاء المفتوح مكنه من التحكم في فكرة “العالم الافتراضي” مع خلق تجانس لعناصر العرض من خلال سينوغرافيا رمزية متحركة وموسيقى حيّة مرافقة لقصص شخصية “النمس” والشخصيات المحيطة بها. وأضاف الناقد المسرحي: “عشنا احتفالية مغربية وفرجة مسرحية، مستوحاة من فنّ الحلقة، لكن برؤية معاصرة تجعل الجمهور يتفاعل مع الممثلين خلال مجريات العرض، دون الوقوع في الابتذال أو السهولة في الطرح، مع إدماج الموسيقى والأغاني التراثية بأصوات حيّة يستجيب لها الجمهور ليجعله أحد عناصر العرض”. وشكلت السينوغرافيا الرمزية، حسب حليم زادم، صورا بصرية ممتعة وذكية ساهمت في بناء اللوحات، وتعزيز المشهدية المسرحية من حيث الحركات والألوان المقترحة وإضاءة صاخبة أعطت تكاملا جماليا للفرجة المرجوة. وقدم السينوغراف الشاب طارق الربح رؤية فضائية للعالم الافتراضي، وهندس الفضاء الركحي عبر أشكال توحي بالثنائية في فضاء مفتوح بعوالم واقعية متنوعة الأشكال، معتمدا أسلوبا حديثا يستجيب للوظيفة الدراماتورجية في العرض، وأعطى للفرجة التراثية بعدا جديدا مستحدثا”، يورد الناقد الجزائري. وخلص المتحدث نفسه إلى أنّ “نص العرض الذي كتبه المؤلف عبد الإله بنهدار كما قّدمه الممثلون على الخشبة، كان مكتوبا بلغة شعبية وبأسلوب فكاهي سلس قريب من الجمهور، وكان النص يبدو مصمما خصيصا للتمثيل، مبنيا على أسس درامية وسردية أعطت حرية أكثر للمخرج الذي عمل على الشخصيات مع الممثلين بورشة مفتوحة تقوم على الارتجال والبحث عن المفردات، والأغاني الشعبية للوصول إلى الفرجة المسرحية”. من جهته، اعتبر الناقد الأردني محمد جميل خضر أنّ “تناوب العربية الفصيحة واللهجة المغربية بالإضافة إلى اللهجة البيضاء، أبعدت المتلقي عن رتابة اللغة الواحدة”، مؤكدا أنّ “مسرحية “النمس” اعتمدت على عناصر مسرحية مهمة، اتخذ فيها العالم الافتراضي مساحة أساسية”. واستمد المخرج أمين ناسور مسرحيته “النمس” من فن الحلقة والرواية الشعبية، واستعان بأفكار ورؤى معاصرة لتعرية مساوئ معضلة العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، وسخر من النفاق السياسي الذي يعشيه المغرب ودول العالم العربي بمشاهد كوميدية. ويرتكز العمل المسرحي، على شخصية رحال العوينة، بطل رواية “هوت ماروك”، الذي يحمل لقب “النمْس” في المسرحية؛ وهو، كما جاء في تقديم العمل المسرحي، “شخصية تعيش انفصاما داخليا، وصراعا مع الذات منذ الطفولة في الأحياء الشعبية التي نما وترعرع فيها مع أقرانه، مرورا بسنوات الجامعة وحصوله على شهادة الإجازة، إذ سيجد نفسه بعد ذلك عاطلا عن العمل، ليعمل في مقهى إنترنيت، وعبره يريد أن ينتصر في معاركه التي كان دائما منهزما فيها على أرض الواقع.