المرأة نسجت خيوط بساط الحضارة الانسانية إلى جانب الرجل وهيأت ظروف الاستمرار على كل الجبهات والواجهات، وساهمت في إقامة الصرح البشري على اختلاف العصور وحقب التاريخ، وفي كل المجالات. والرياضة كظاهرة حضارية، لم تقتصر على الرجل وحده، بل دخلت المرأة هذا المجال بثقة ووعي ومسؤولية، لا لتزاحم الرجل، بل لتعمل بجانبه على تكوين صحي للجسم، سعيا وراء تحقيق الهدف الأسمى للرياضة، والمتمثل في تربية بدنية سليمة وتركيز دعائم صرح ثابت لعقل أكثر سلامة وعطاء وإبداعا. وقد كانت المرأة ولا تزال صانعة الأمجاد والبطولات على مر التاريخ، فارضة ذاتها بإصرار في كل حقل وحلبة، منافسة الرجل، فهي في المحاكم تمارس القانون في الإدارة تسير شؤونها، معلمة وأستاذة و... و... ورياضة متألقة. فحين حققت البطلة العالمية نوال المتوكل ذهبية 400 متر حراجز في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلس سنة 1984، لم تكن فقط المرأة العربية المسلمة الأولى التي تدخل السجل الذهبي الأولمبي، ولكنها أيضا فتحت الباب على مصراعيه أمام عداءات أخريات لتسجيل أسمائهن في نفس السجل، فجاءت بعدها حسيبة بلمرقة الجزائرية، وغادة شعاع السورية، وعلى المستوى المغربي توالى نجاح ألعاب القوى النسوية، مع تألق عداءات أخريات فرضن وجودهن داخل المضامير العالمية. فاطمة عوام، نزهة بيدوان، زهرة واعزيز، حسناء بنحسي والقائمة طويلة، مما فتح الباب للفتيات لاقتحام عالم الرياضة بكثافة، بل أن البطلة نوال المتوكل التي استطاعت اقتحام كراسي اللجنة الأولمبية، وتبوأ منصب وزيرة فتحت الباب لتألق أخريات في رياضة أخرى، فتألقت منى بنعبد الرسول في التكواندو، وتمكنت من الحصول وانتزاع إحدى ميداليات بطولة العالم، كما حازت لقب أفضل رياضية مغربية لسنة 2002؛ كذلك بطلة الجمباز الشهيرة نعيمة الغواتي وما حصلت عليه من ألقاب عديدة، عربية، إفريقية وعالمية، قبل اضطرارها للاعتزال جراء الحادث المؤلم الذي أودى بحياة عائلتها، وأصيبت على إثره بكسور بليغة؛ كذلك بهية محتسن في مجال التنس، وفي الشطرنج أسماء تألقت وفرضت نفسها عالميا، كوفاء العمري وهند بهاجي، وإذا ما استعرضنا قائمة المغربيات اللواتي تألقن في الميدان الرياضي فسوف تطول، وبالمناسبة نعتذر إن أغفلنا إحدى البارزات لأن الذاكرة قد لا تستوعب كل الأسماء. رغم أن إنجازهن موشوم بمداد فخر واعتزاز في السجل الرياضي المغربي، وسنظل نعتز به على الدوام. تبقى الرياضات النسوية الجماعية بعزوفها عن المشاركة القارية والدولية في حاجة إلى تأهيلها ودعمها حتى تكون في المستوى الذي يسمح لها بالحضور في الدورات القارية والأولمبية، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود منهجية للعمل القاعدي مع التخطيط والتأطير المعقلن، وذلك بوضع آليات للاشتغال ومعرفة الحاجيات الحقيقية التي تحتاجها الرياضة النسوية الجماعية. إن المغرب، ولله الحمد، يتوفر على المادة الخام المتمثلة في المواهب الشابة والطاقات الواعدة التي بإمكانها صنع التألق، لو توفرت له الإمكانيات المادية والدعم المعنوي اللازم، فالمدن المغربية قادرة على إنجاب فرق في شتى أنواع الرياضة الجماعية، وبالتالي تطعيم المنتخبات الوطنية بالأسماء المتألقة، ولأجل هذه الغاية، لابد من النهوض بأحوال المرأة وتحفيزها على البذل والعطاء. وأكيد أن ذلك سيسهم في صنع منتخبات نسوية للرياضات الجماعية، يتألقن عالميا على غرار الرياضات الفردية، وما وصلت إليه من الدرجات السامية عالميا.