أرفض أي مقارنة بين أعمالي وأعمال الشعيبية يتضح جليا الانعطافة التي عرفتها التجربة التشكيلية للفنانة العصامية مليكة مسرار، من خلال المعرض الفردي الذي تقيمه بفضاء كاتدرائية القلب المقدس بالدارالبيضاء. وتتجلى هذه الانعطافة في عملية الانزياح التي وسمت محتويات لوحاتها، بشكل يتيح قراءات متعددة لها، سيما وأن صاحبة هذه اللوحات، لم تعن بوضع عناوين لها حتى لا تأسر المتلقي في دائرة محدودة من المعاني والدلالات التي تحبل بها كل جزئية من جزيئات اللوحة،مع التذكير بأن الأجسام البشرية والحيوانية وعناصر الطبيعة وأشياء الحياة، تندغم مع بعضها البعض، لإيصال رسالة ليس بالضرورة على شكل موعظة أو ما إلى ذلك، لكنها رسالة فنية وإبداعية قبل أي شيء آخر. * لماذا اختيار شهر مارس لإقامة معرض للوحاتك، وكيف كانت ظروف إعداده وإخراجه إلى حيز الوجود؟ - الحقيقة أنني كنت أرغب في أن أقيم هذا المعرض في رأس السنة، لعدة أسباب، من بينها ما له علاقة بسهولة الترويج، وازدهار السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء، في هذه الفترة بالذات، غير أن القيمين على هذا الفضاء الثقافي، كانت لديهم برمجتهم الخاصة التي كان من الصعب علي أن أقنعهم بإعادة النظر فيها، للسماح لي بالعرض خلال الفترة المذكورة. ويبدو أنني غير محظوظة، كوني أعرض خلال هذه الأيام، التي تعرف انشغال المواطنين بالمسيرات الاحتجاجية سواء داخل الوطن أو خارجه، إلى حد أنه لم يسمح لهم بالتفكير في زيارة معرض كهذا. أما عن ظروف تحضيره، فقد كانت شاقة ومكلفة. وبالنظر إلى محدودية إمكانياتي المادية، كدت أن أعرض اللوحات دون أن أعمل على تأطيرها، لكن المسؤولين عن المعرض، فرضوا علي أن أضع الإطار للوحات، وهو ما ضاعف من التكاليف التي تحملتها لوحدي. وبقيت نقطة أخرى لا تخلو من إزعاج، وهي المتعلقة بثمن اللوحات، فقد كنت مترددة بين أن أرفقها بها، أم لا، ثم كيفية تقدير التكلفة، سيما وأنني أعرف ضعف الإقبال على الاقتناء، وهو ما جعلني أقتنع في النهاية بأن ألصق الأثمنة بشكل واضح لا لبس فيه أسفل كل لوحة على حدة، وأن أحصر السعر ما بين أربعة آلاف وعشرة آلاف درهم، علما بأن هناك لوحات كبيرة الحجم، وهي بالضرورة مكلفة. * ممارستك التشكيلية تصب في خانة الفن الساذج أو الفطري، وهي تحيل على أعمال المرحومة الشعيبية طلال، ما مدى التقاطع بين تجربتك وتجربة هذه الفنانة العصامية مثلك؟ - أنا أرفض أي مقارنة بين أعمالي وأعمال الشعيبية، فهناك من شرح لي أن السبب في تشبيه لوحاتي بلوحات الشعيبية، هو أنني أوظف اللون الأصفر مثلها، لكن اللون الأصفر أو غيره من الألوان ليس في ملكية أحد. هل يجب علي أن أحذف اللون الأصفر من لوحاتي، حتى لا يتهمونني بمحاولة التشبه بالشعيبية، هذا غير معقول. أنا أرسم بدون أن أضع في تفكيري أنني يجب أن أتبع هذا الاتجاه أو ذاك، هناك من يقول إن ما أمارسه هو فن انطباعي، وأن هذا موضة، وأنه علي أن أسير على هذا النهج، لكن هذا لا يهمني. فمثلا لا يمكن أن نرغم فنانا يصنع الزرابي، بأن يمارس الطرز بدل ذلك. المهم هو اللحظة التي أبدع فيها، والأحاسيس التي أنقلها على القماش، وعلى فكرة، فلوحاتي كلها مرسومة على القماش. الفن هو هواية وميولات. غير أنني أحرص على عدم السقوط في النمطية أو جعل لوحاتي تشبه بعضها البعض، إلى حد أنها تبدو كأنها مستنسخة. * ما هي الحوافز التي تدفعك إلى الرسم؟ - تستهويني الحياة اليومية للإنسان في تفاعله مع محيطه. يمكن أن تجد الموسيقى حاضرة في بعض لوحاتي، سواء من خلال حالة الرقص، أو بحضور جلي لإحدى الآلات الموسيقية، وهذه حالة إنسانية، لا يمكن أن نفصلها عن محيطها. * هل تنظيم معرض تشكيلي أمر يسير؟ - على الإطلاق، فهناك شبه غياب للقاعات، وحتى بالنسبة لما هو متوفر، فإن أصحابه يضعون شروطا تعجيزية، أمام من يريد العرض، وهناك من يرفض فتح الباب أصلا. * ما مدى دعم وزارة الثقافة للفنانين التشكيليين، وهل لمست هذا الدعم بصفتك الشخصية؟ - لا ليس هناك دعم ملموس، وبهذه المناسبة،أريد أن أتوجه بالسؤال إلى وزارة الثقافة، لماذا لا تهتم بالتشكيل، مثل اهتمامها بالكتاب ومهرجانات الغناء وما إلى ذلك؟ فمثلا كان من الأفضل لو يتم تخصيص ركن للأعمال التشكيلية، داخل فضاء المعرض الدولي للكتاب الذي يقام سنويا. ينبغي أن لا يتم تضييق الخناق على الفنان التشكيلي. أنا لدي مشاريع أخرى غير التشكيل، حيث أنجزت كتابا توثيقيا عن مدينة الدارالبيضاء خلال فترة ما قبل الاستقلال، ووضعته لدى وزارة الثقافة، غير أنه لم يتم دعمه هو الآخر، وهذا أمر يصيب بالإحباط.