من أبرز الوجوه التي أنجبتها مدينة آزمور في المجال التشكيلي ، فنان يرفض لقب الفنان بقدر ما يعشق كلمة الإنسان ، إنه عبد الكريم الأزهر الذي رأى النور بعاشقة المجانين ذات يوم عيد أضحى من سنة 1954 فشب بين أحضان و دفء والدية ناعما بشغبه الطفولي بين الأزقة والدروب الضيقة بالمدينة القديمة و أسوارها حيث الألفة و الإخاء و التسامح و التعايش المتبادل الذي اختار له الورقة كأداة و وسيلة لتجسيده و كنوع من التمرد على المدرسة و جدران القسم و كذا المراقبة المنزلية ، فبدأ بتقليد أي شكل كان مجسدا أو مصورا من شاكلة إوزة معلقة على الجدار و نسخها على اللوحة بالطباشير ، لم يكن عبد الكريم أنه ذات يوم سيصبح رساما . عبد الكريم الأزهر ذاك المبدع المهووس بالبحث و التنقيب عما هو جديد في مجال الفن التشكيلي دؤوب في كفاحه من أجل إثباث وجوده و مؤمن بأن الطريق صعب في خضم التحولات العديدة التي يعرفها كل مجال ، يعيش حالة فن في حياته و يطالب المشاهد في كل عمل ينجزه أن يشاركه شخصيته ، سجله الفني مليء بالمعارض سواء الجماعية أو الفردية و التي تلقى الإقبال الكثير معارض ما أن تلجها حتى ترتمي في أحضان عالم سحري تتلاطم فيه المشاعر و الأحاسيس رفقة الألوان و الأشكال و الرموز ، عالم بلا حدود و ديمومة أحلام متوزعة وفق تقنيات مختلفة اعتمد عبد الكريم على المربع كنوع من التعددية و الحكي المتكرر لشخوص بدأت بملامح ثم اختزلت لتبقى هيأتها ليغيب الشخص و يحل محله الرمز المصاحب بالنافذة تارة و بالمربع أخرى كمحاولة للهروب به نحو متنفس يجد من خلاله ذاته نتيجة ما عايشه الفنان الإنسان من مرحلة قضاها بالمدينة الغول كما يسميها إنها الدارالبيضاء ذات المساحات المليئة لينتقل إلى الاشتغال على المثلثات و المعينات و أشكال أخرى ، محولا الشخص إلى ملف متداول على الرفوف تارة كرقم ما دامت حياة المرء أصبحت كلها أرقام و يأتي عبد الكريم في مرحلة أخيرة معتمدا على التراص و التنفيد معتمدا على الحركية النسقية و مدى فدرة اللوحة على مخاطبة مشاعر و روح و فكر المشاهد ، و أهم عناصر هذه القدرة هي الحرية التي يتعامل بها عبد الكريم الأزهر مع مفردات فنه من مواد مستخدمة في بناء و تكوين أعماله إلى التعامل المخلص و الحساس مع ما يرسمه من أشكال يمكن أن نصبفعا ضمن الاختراق لتقاليد الرسم و متمردا على المألوف بتعامله مع عناصر كونية كالوقت و المكان باعتبارها عناصر غير قابلة للامتلاك إلا لمن يجيد التعامل معها محاولا التخلص ما أمكن من دراسته الأكاديمية ، معتبرا الذاتية هي المرجع الأساسي لأعماله الفنية مع ما تحمله هذه الذاتية من آلام و أمال تتجلى من خلال اللون و الضوء و الدفء المخزول تحت تلابيب الرموز الناطقة . عبد الكريم الأزهر الإنسان المجتمعي و الاجتماعي الطبع قد تجلسه و كأنك لست مع فنان من المستوى الذي وصل إليه لتواضعه و تسامحه و مساعدته للغير و العمل مع كل من له الرغبة في الاشتغال الهادف و أحيانا تجده غارقا في ملكوته الفني بانزوائه اللطيف و التخاطب البليغ و هو سر كينونته أعماله رغم تباين مراحل سرياليتها و تنوع مجالات انشغالاتها ، و لربما عشقه الدفين لكل من « فان كوخ – غويا – جورجيومورا – « رائد المدرسة الميثافيزيقية في التشكيل كان له الأثر في بعض من شخصيته و جنوحه لهذه الطريقة من الاشتغال بالمكشوف ، إنه بكل بساطة عبد الكريم الإنسان الذي رسم فأبدع و نطق فأبلغ له أعمال كثيرة سواء على مستوى اللوحات أو الملصقات أو أغلفة الكتب أو على الجداريات …عبد الكريم ابن المدينة القديمة بعاشقة المجانين و واحد من العشرات الذين أنجبتهم هذه المدينة في مجال الفن التشكيلي منهم الممارسون أصحاب الشواهد و الديبلومات و منهم العصاميون أمثال الديباجي و قلمون و هبولي و الأمين و خلوق و رحول و العروصي والهاني و غيرهم كثير .