من يعتقد أنه في مأمن من حوادث التغير المناخي فهو خاطئ لا محالة، حيث لا نعرف أين ومتى ستكون الكارثة المناخية المقبلة. وقد أفقت من هذا الوهم عندما عشت تجربة الإعصار ساندي في نوفمبر عام 2012 حيث وصلت سرعة الرياح إلى 160 ميلا في الساعة، فاقتلعت شجرة معمرة ضخمة تزيد عن الثمانين مترا وقذفتها فوق زاوية البيت، فهدمت السور الخارجي والشرفة وإحدى زوايا البيت الأساسية فانتقلت للسكن في فندق قريب من الجامعة لمدة عشرة أيام حتى عاد التيار الكهربائي. كنت محظوظا يومها مقارنة بما ترك الإعصار من دمار وخسائر في الأرواح والممتلكات وإغراق آلاف البيوت والقرى والمدن والسواحل. أغلقت المطارات وحطمت كوابل الكهرباء، فانتشرت الفوضى والمشاجرات قرب محطات النفط وانشلت الحياة لنحو أسبوعين. وكتبت يومها مقالا في هذ الصحيفة تحت عنوان: «هشاشة الدولة الأعظم: إعصار ساندي وطوابير النفط». فالدولة الأقوى والأعظم ليست في مأمن من هذه الكوارث، فقد قتل إعصار كاترينا عام 2004 ما يزيد عن 1200 شخص، وترك خسائر بقيمة 200 مليار دولار. أما إعصار ماريا الذي ضرب جزيرتي بورتو ريكو وفيرجن آيلند عام 2017 فقد خلف 3057 قتيلا وخرابا يقدر ب91 مليار دولار. قمة العمل من أجل المناخ تذكرت إعصار ساندي بمناسبة التحضير لانعقاد قمة دولية في مقر الأممالمتحدة بنيويورك يوم 23 من الشهر الحالي تحت عنوان «قمة العمل الدولية من أجل المناخ». ولأن هذه القمة مهمة جدا وتتعلق بالحياة على الأرض، لا بد من تعريف القراء العرب بأهمية الموضوع. فقد وجدت من خلال رحلاتي إلى أرجاء الوطن العربي أن المعلومات عن التغير المناخي قليلة، وهناك عدم اهتمام بالموضوع ونادرا ما تجد مقالات أو بحوثا علمية باللغة العربية، أو مؤتمرات أو ندوات أو برامج تلفزيونية، تنبه لهذا الخطر الحقيقي والداهم، أو تقترح حلولا للإسهام في الجهود الكونية لعلاج مسألة انبعاث الغازات المسببة لرفع درجة حرارة الأرض، أو ما يسمى «الاحتباس الحراري» الذي أدى إلى التغير المناخي الذي نشهده الآن والذي يهدد ملايين البشر في أركان المعمورة. من المتوقع أن يشارك في القمة، التي تسبق افتتاح الدورة العادية للجمعية العامة الرابعة والسبعين بيوم واحد، أكثر من 100 من الرؤساء ورؤساء الحكومات، من أجل الدفع قدما بالخطط التي اتفقوا عليها في قمة باريس في 12 ديسمبر 2015 من أجل وقف التغير المناخي. وقد نبه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الرؤساء المشاركين إلى أن المطلوب منهم ليس إلقاء الخطب البليغة، بل العمل والمبادرة والالتزام والمساهمة في حماية كوكب الأرض. وطلب منهم أن يأتوا إلى القمة ومعهم خطط مدروسة وواقعية لتعزيز إسهاماتهم وطنيا، بحلول سنة 2020 تماشيا مع هدف خفض انبعاث الغازات بنسبة 45% في العقد المقبل، وانعدام الانبعاثات كليا سنة 2050. أخطار بلا حدود الظواهر الطبيعية العنيفة التي يشهدها العالم في السنوات الثلاثين الماضية، أصبحت تهدد مجمل الحياة على الأرض، فهي تضرب بدون إنذار، وباتت تتكرر بمعدلات غير مسبوقة من حيث العدد، ومن حيث قوة التدمير، فتترك وراءها أرضا بلقعا وقرى مغمورة بالمياه وآلاف الغرقى والموتى، سواء جاءت على شكل أعاصير أو براكين أو رياح عاتية، تقلع البيوت والأشجار، أو حرارة عالية غير مسبوقة، أو انهيارات جليدية وطينية، أو أمطار طوفانية كارثية، أو ثلوج تندف حمولتها حتى في الصحارى أو ارتفاع منسوب مياه البحر الذي يهدد بابتلاع دول بكاملها. لقد ارتفعت نسبة الكوارث الطبيعية منذ عام 1990 نحو 15%. ففي عام 1970 وقعت 78 كارثة طبيعية بينما في عام 2004 وصل الرقم إلى 384 حادثة. وبين عامي 2004 و2013 وقع 6873 كارثة طبيعية قتلت 1.350.000 إنسان، بمعدل 68 ألفا سنويا، كما شردت نحو 218 مليونا، وأثرت على حياة 2.3 مليار شخص أي نحو ثلث سكان الكرة الأرضية. والتغير المناخي ببساطة هو الخروج عن المألوف في حالات الطقس لمدة أطول من المعقول، ويكون التأثير سلبيا على الطبيعة والناس وعلى فرص الحياة والبقاء لكل شيء على كوكب الأرض. فتغير المناخ يؤثر على اقتصاد الدول وسكانها، كما هو الحال في جزر البهاماس أثناء كتابة هذا المقال، فالكوارث الطبيعية تهدم الكوابل وتدمر السدود وتطيح بالمباني الضعيفة، وتتلف المزروعات، وتغرق الأراضي الزراعية، وتجرف التربة وتقتل المساحات الخضراء، وتشعل الحرائق في الغابات (الأمازون حاليا) وتحطم الطرق السريعة والجسور وغير ذلك الكثير. كما أن الظواهر الطبيعية المدمرة تؤدي إلى هلاك مئات الألوف مرة واحدة، كما حدث في تسونامي المحيط الهندي يوم 26 ديسمبر 2004 الذي شمل 24 دولة، وترك آثاره المدمرة من سواحل الصومال إلى إندونيسيا مخلفا نحو 228000 ضحية في 14 بلدا، وخسائر تزيد عن 15 مليار دولار، علما أنه مدته كانت بحدود 8 دقائق. وهو من هذه الناحية أخطر من الأسلحة النووية التي يتحكم فيها أناس عقلاء، بينما تلك الكوارث تضرب فجأة بدون إنذار، ولا راد لها وخسائرها تشمل كل شيء من شجر وحجر وبشر وطير وحيوان وغيرها. أسباب التغير المناخي ومسؤولياتنا ما زالت الانبعاثات الغازية مستمرة وترتفع إلى مستويات غير مسبوقة ما يهدد بالفشل في منع حرارة الأرض الارتفاع بنسبة درجتين مئويتين، وهو ما يمكن أن يترك آثارا هائلة على تغير مناخي غير مسبوق يهدد الكون. لقد أقرت 196 دولة رزمة من الالتزامات القوية في قمة المناخ عام 2015. وتشمل تلك الالتزامات مجموعة محددة من الإجراءات السريعة على المستوى الوطني قبل نهاية 2020، وإجراءات أخرى على المديين المتوسط والبعيد، وصولا إلى عام 2050 انعدام الانبعاثات. والتعامل مع خطر التغير المناخي يبدأ من الفرد والعائلة والمجتمع المدني والقطاع الخاص وأصحاب الأعمال والمنظمات غير الحكومية. ودعني أمر على بعض النقاط التي يمكن لكل واحد فينا أن يعملها لحماية كوكبنا من هلاك محقق. – أول تلك الخطوات الوعي بالمشكلة، على مستوى الأفراد والعائلات والمجتمعات. فالأعمال الصغيرة عندما تصدر عن ملايين من البشر تؤثر كثيرا في صحة وسلامة كوكب الأرض. فلو امتنع كل فرد عن قذف البلاستيك وعن استخدام المحروقات قدر الإمكان، وحول الطاقة في البيت من البترول إلى الطاقة الشمسية، لساهم إذن في حماية كوكب الأرض. – ومن واجب الأفراد والجماعات الضغط على حكوماتها للالتزام بما اتفق عليه في باريس وتم التوقيع عليه، واستخدام وسائط الإعلام الحديثة للتوعية والدفاع عن الكوكب وشرح أساليب حمايته. – كما يقع على عاتق الدول أن تحسن إدارة القمامة والمواد الملوثة، بحيث لا تقذف عشوائيا في الشوارع أو البحار أو الأماكن المفتوحة. – تدوير (الرسكلة) البلاستيك والكرتون والمعادن، أصبح جزءا مهما من مسلكيات الدول المتحضرة، بينما لم أجد ولا دولة عربية دخلت عصر التدوير بشكل كامل لغاية الآن. – حماية الغابات والأحراش الموجودة، وزراعة مزيد من الشجر. وهذه مهمة بسيطة يستطيع كل إنسان أن يمارسها. وأخيرا علينا أن نعي أن هذه الكوارث في طريقها إلى الاتساع والشمولية، وزيادة قوة التدمير، بحيث تصبح الحياة نفسها مهددة، إذا لم يتم احتواء الانبعاثات الغازية الضارة، ووقف قطع الغابات، والتحول السريع نحو الطاقة الجديدة والنظيفة، بعيدا عن المواد الأحفورية. فهذه الكوارث من صنع البشر، منذ بدأت الثورة الصناعية، قبل 150 سنة، تستخدم المحروقات الأحفورية من فحم وبترول، وتترك تلوثا ونفايات لا حصر لها، مسببة حفرة كبرى في طبقة الأوزون، وفسادا في الطبقات الجوية الملامسة للأرض، بسبب ثاني أوكسيد الكربون الحابس للحرارة، ما أدى إلى ارتفاع حرارة كوكبنا بنسبة 1.2 درجة مئوية. فالبشرية الآن على مفترق طرق فإما حماية كوكب الأرض، ومنع ارتفاع حرارته بنسبة درجتين مئويتين، أو الهلاك الجماعي. وسكان الأرض لا يفنيهم مرة واحدة إلا الأسلحة النووية، إذا ما انطلقت مرة واحدة في كل اتجاه، وهذا أمر مستبعد جدا، وأما التراخي في حماية الكوكب وارتفاع نسبة الاحتباس الحراري. البشر كلهم الآن أمام خيار واحد، فلا توجد خطة «ب»، كما قال بان كي مون، الأمين العام السابق في قمة باريس. فإما تنفيذ اتفاقية باريس للتغير المناخي، أو الدمار الشامل. وهذه مسؤولية الحكومات كما هي مسؤولية الأفراد والجماعات، وعلينا في البلاد العربية التحرك بسرعة قبل فوات الأوان، وقبل أن نندم كثيرا على ما جنيناه على أولادنا وأحفادنا «ولات ساعة مندم». عبد الحميد صيام محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة “رتغرز” بنيوجرسي.