كباقي الأشياء، فإن الواقع يلعب هو الآخر دورا في تغيير الأجواء، هذا لسان حال الرياضة الوطنية، خصوصا كرة القدم التي شهدت في الآونة الأخيرة موجة من التأجيلات طالت عدة مباريات في بطولة القسم الأول. وكانت مدينة الدارالبيضاء -وبنسبة أقل الرباط- المسرح الوحيد للتأجيلات التي قامت بها الجامعة الوطنية لكرة القدم، تأجيل جاء لأسباب أمنية كما أعلنت الجامعة، وطالت فقط المباريات التي أحد أطرافها قطبا العاصمة الاقتصادية: الرجاء أو الوداد، لقد أجلت مباراة الرجاء ضد الماص، ومباراة الوداد ضد الكوكب المراكشي، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة. مع هذه المشاكل بدأت الجامعة المغربية لكرة القدم مرتبكة في طريقة برمجتها للمباريات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمباراة مقامة بالدارالبيضاء، وقد تكون مدن أخرى في الطريق هي الأخرى لتأجيل إحدى مباريات الفتح أو الجيش، أو المغرب الفاسي، والحسيمة وغيرها، كل ذلك بسبب الأجواء العامة التي يعرفها العالم العربي والتخوفات من استغلال الرياضة في إثارة أعمال شغب أو احتجاجات بمدينة تحوي أعلى نسب المتابعة الجماهيرية بالمغرب كالدارالبيضاء، لكن الخطير أن الجامعة اتخذت إجراء احترازيا يقوم على أن أي مباراة تلعب على أرضية مركب محمد الخامس سواء للرجاء أو الوداد لن تجرى في نهاية الأسبوع أي يومي السبت والأحد. قلة تعلم أن ظهور حركة 20 فبراير كان له تأثير على الكرة المغربية، حيث أربكت مسيرات هذه الحركة برمجة مجموعة من المباريات بتشاور مع وزارة الداخلية، التي كانت على علم أن هناك جهات قد تستغل الرياضة في إثارة الشغب، ورغم ذلك لم تسلم الجرة من بعض الشقوق وما زالت ظاهرة الشغب لصيقة بملاعبنا ولا يبدو أنها ستزول... لم تنتبه الجامعة إلى خطورة التأجيل، فهي حينما قررت تغيير برمجة مباريات الرجاء والوداد بقلب البيضاء، تسببت في خسارات مالية فاضحة للفريقين جراء إجراء المباريات وسط الأسبوع، وبالتالي خسارة مهمة لعائدات بيع التذاكر وتقلص نسب المشاهدة، ومباراة الرجاء والماص كانت نموذجا عن مساوئ التأجيل غير المدروس من طرف الجامعة، وتكبد الرجاء خسائر جمة من الناحية المادية، ناهيك عن أن التأجيل لعب هو دورا في خسارته الصدارة، وإن لأمد قصير... أضف إلى ذلك، مدربين يشتكون من كيفية برمجة اللقاءات، في آخر دورة دخل برنامج البطولة قفص الاتهام، فاخر والسلامي يشتكيان من تقديم مباراة الرجاء والحسنية عن وقتها المحدد، وهو ما تسبب في العديد من المشاكل للفريقين سواء الرابح أو الخاسر. مباراة الوداد تؤجل رغم أنها مؤجلة أصلا، بسبب أن طاقم الجامعة لا يستطيع التعامل مع البرنامج الإفريقي فيكتفي بإيقاف البطولة للسماح لأنديتنا الوطنية، عن الدورة 19 التي خاض فيها الفريق الأحمر تحديا في الأدغال الإفريقية، عانى خلالها الحمر الأمرين، وها هو يجد نفسه أمام تحد إفريقي آخر لكن مع مباراة تم تأجيلها إلى موعد لاحق... ما زلنا غير قادرين على التحكم في عشاق الكرة، وأن حمى الشغب بملاعبنا مستمرة وعلى الجامعة التدخل لإيقاف هذه الظاهرة، بدل الاكتفاء بتغيير توقيت إجراء المباراة إلى موعد لاحق، ولتحاول أن تنهج في برمجتها للمباريات النماذج الأوروبية التي تراعي حرمان أنديتها وتساعدها دوما بتقديم جو مناسب لخوض مباريات على عدة جبهات، وتخرج بأقل الأضرار. على الجامعة الملكية لكرة القدم، أن تبدأ في سن سياسة جديدة إن كانت مقتنعة أنه يجب على أنديتنا الوطنية الولوج إلى عالم الاحتراف، بدل أن تستنجد الجامعة بغيريتس لتسوية ملف المباريات المؤجلة، ليجد هذا الأخير نفسه مجبرا على استدعاء لاعبين فقط من أحد فرق البطولة، وعليها أيضا أن تفكر في تعويض الأندية الوطنية من الناحية المادية عن خسائرها بسبب التأجيل؛ لأنه ليس من المعقول أن تتحمل الأندية وحدها تبعات التأجيل بشتى أضراره المادية والتقنية في مثل هذه الظرف الطارئ، فيما الجامعة تكتفي بإقرار التأجيلات على حساب مصالح الفرق كأن شيئا لم يكن.