نقص الحديد عند الطفل.. مشكل صحي بسيط قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تعاني نسبة كبيرة من الأطفال عموما في سن ستة أشهر إلى 7 سنوات من فقر الدم الذي تسببه عوامل متعددة على رأسها سوء التغذية ونقص الفيتامينات والحديد. وفي المغرب تقدر نسبة الأطفال المصابين بهذا النقص ب30%. ويعد فقر الدم الناتج عن نقص الحديد أكثر الأنواع شيوعا. ويسبب هذا النقص الذي قد يكون خفيا في أكثر الأحيان أعراضا متفاوتة حسب كل طفل، لكنه يؤدي في كل الأحوال إلى تراجع في نمو الطفل وصحته العامة. وفي حالات أكثر حدة، وخاصة عندما يكون الطفل لم يتجاوز سنته الأولى، قد يؤدي فقر الدم الناتج عن نقص الحديد إلى مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة. و يعرف مرض نقص الحديد لدى الأطفال باسم «الأنيميا» وهو نقص مادة الحديد بخلايا الدم الحمراء أو الهيموغلوبين، وأهم علاج له هو الزيادة في تناول مادة الحديد بالحمية الغذائية. الأعراض تظهر على الطفل المصاب بهذا المرض آثار الشحوب والاصفرار. - يعاني من التعب والإرهاق -وهن عام- وقلة الحركة أو على العكس طفرة فيها. - يتصف بسرعة الغضب والنرفزة والهيجان، وربما تكون هناك تغيرات عصبية ونفسية أخرى. - وقد لا يظهر عليه أي أثر من تلك الآثار التي ذكرناها، ولكنه يكون مصاباً بهذا المرض. الأسباب يتعرض الطفل في سن مبكرة لمثل هذا المرض، وهو أكثر انتشاراً بين الأطفال، لأنهم عادة لا يتناولون مادة الحديد بما يكفي احتياجاتهم إليها، مما يعرضهم للإصابة بذلك المرض. ومن المعروف أن الطفل حينما يولد، يخرج بكامل هيأته وصحته، وليست هنالك ثمة مخاطر من تعرضه للإصابة بهذا المرض خلال أشهره الثلاثة الأولى، ولكنه حينما ينمو قليلاً يصبح عرضة للإصابة بهذا المرض الخطير. وتتراوح كمية الحديد الإجمالية في جسم المولود الجديد حديث الولادة ما بين (1/2 إلى1) غرام، بينما تبلغ هذه الكمية في البالغين ما بين (4.5 إلى 5) غرام، أي ما يكفي لصناعة مسمار متوسط الحجم والطول. ولكي يبني المولود الجديد هذا النقص في الاحتياطي من مادة الحديد يلزمه يومياً ما يعادل (1إلى 1.5) ملغ من هذه المادة ، وذلك طيلة فترة حياته، وبما أن عشرة بالمائة فقط من الحديد الذي يصل إلى الأمعاء يتم امتصاصه، لذلك وجب أن تكون الوجبة الغذائية لأي طفل تحتوي على كمية من الحديد لا تقل عن (10 إلى 15) ملغ/ يومياً. ويتم امتصاص الحديد في الجزء الأنسي من الأمعاء الدقيقة، ثم يتوزع في الجسم على الأماكن التالية على خضاب الدم الأحمر (الهيموغلوبين) الذي يشكل ثلثي حديد الجسم تقريباً، وكذا مخازن الحديد (الفيريتين)، وهي على نوعين: 1- مخازن متحركة: وهو نوع خاص من البروتين، يحمل الحديد ويكون مرتبطا به، متوسط تركيزه في الدم (35 ng/ml)، ونقصه يعتبر واحداً من أهم دلالات نقص الحديد المختبرية. 2- مخازن ثابتة: وتتوزع في الكبد ونخاع العظم، ونقص أو غياب هذه المادة من نخاع العظم هو أهم وأبكر علامات فقر الدم بعوز الحديد أيضاً. العلاج تعتبر أملاح الحديد التي تعطى عن طريق الفم هي المفضلة في العلاج ، فهي غنية بالحديد، وسهلة الامتصاص، ورخيصة الثمن، وقليلة الأعراض الجانبية. وتتوزع الجرعة اليومية على جرعتين إلى ثلاث بعد الأكل (قطرات للرضع، وشراب للأطفال). ويستمر العلاج حتى تعود معطيات الدم إلى الطبيعي، ثم نضيف فترة 4 إلى 6 أسابيع لملء المخازن الفارغة. آخر من تأثر بنقص الحديد (وهي الخمائر) هي أول من تنتعش بالعلاج، ويتم ذلك في غضون 12 إلى 24 ساعة، حيث تتحسن الشهية، وتتلاشى الأعراض العصبية. ثم تبدأ معطيات الدم بالتحسن، ويستغرق ذلك فترة تتراوح من 36 ساعة إلى شهر. فتزداد خلوية نخاع العظم، ويرتفع الهيموغلوبين في الدم، وتأخذ الكريات الحمراء صفاتها وأشكالها الطبيعية. ثم تبدأ المخازن الفارغة بالامتلاء، وهذه آخر مرحلة في العلاج، وقد تستغرق 1 إلى 3 أشهر. ارتباط نقص الحديد بالنشاط المفرط في الأطفال وتأخر الأداء الدراسي أظهرت دراسة فرنسية حديثة أن نقص الحديد في الأطفال قد يساهم في ما يسمى بالنّشاط المفرط وتشتت الانتباه (اضطراب السلوك) في الأطفال، وهي حالة تتصف بزيادة الحركة الشديدة والتهور في حركة الطفل مع قلة الانتباه إلى ما يجب أن ينتبه إليه. وأضاف الباحثون أن نقص مستوى الحديد عند الطفل المصاب بالنشاط المفرط مرتبط بزيادة شدة الأعراض. من ناحية أخرى هناك ارتباط بين نقص الحديد وبين متلازمة السيقان المتعبة عند النوم. ويرى الباحثون أن إضافة الحديد لغذاء الأطفال المصابين بالنشاط المفرط ونقص الحديد قد تفيد في تخفيف الأعراض، بل قد تكون ذات تأثير فوريّ وكبير هؤلاء الأطفال. وأظهرت البحوث السابقة أيضا أن نقص الحديد في مرحلة الطّفولة قد يؤدي إلى تباطؤ نموّ المخّ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأخر الأداء الدراسي للطفل فيما بعد. قامت الدراسة بقياس مستويات بروتين ال «فِيريتين» (ferritine) في دم 53 طفلاً مصاباً بالنّشاط المفرط و27 طفلاً غير مصاب بالنّشاط المفرط، لكنّه يعاني من ضعف خفيف في المطالعة في المدرسة. فتبين أن مستويات ال فِيرِّتين منخفضة بشدّة لدى 84% من الأطفال المصابين بالنّشاط المفرط، مقارنة ب 18 % من الأطفال بدون النّشاط المفرط. وقد لاحظ الباحثون أن الأطفال الأكثر نقصاً في مستويات الحديد كانوا أكثر حركة وقلة في الانتباه. مما جعلهم يستنتجون أن انخفاض مخزون الحديد في الفِيرِّتين قد يشرح ما نسبته 30% من شدة الإصابة بالنّشاط المفرط. والفِيرِّتين هو البروتين الموجود في الجسم، لأداء وظيفة تخزين عنصر الحديد. ويستخدم كمقياس على كمية الحديد المخزونة في الجسم. يقول الباحثون أنّ سّبب انخفاض مستويات الحديد في الأطفال المصابين بالنّشاط المفرط غير واضح، إذ لم يكن لدى الأطفال في الدّراسة دليل على سوء التغذية المؤدي إلى انخفاض مستويات الحديد لديهم. لكنه من المعروف أن نقص مستويات الحديد في المخّ قد يغيّر من نشاط هرمون الدوبامين (dopamine)، وهي مادّة كيميائيّة مشتركة في التحكم في الحركة. وهو ما يمكن أن يشرح الرابطة الملاحظة بين مخزون الحديد في الجسم والنّشاط المفرط. إلا أن البعض يشكك في أن نقص الحديد يشترك في إصابة الأطفال بالنشاط المفرط، بل يمكن أن يكون وراء نسبة بسيطة من الحالات. وفي الوقت الذي يبدو فيه مبكرا أن يكون للدراسة تأثير فوريّ على علاج النّشاط المفرط، إلا انه من الصحيح أن تصحح مستويات الحديد المنخفضة لدى الأطفال خصوصا الذين يعانون من النشاط المفرط.