في ظل مخاض “البريكست” الذي تعيشه بريطانيا، والذي أدى الخلاف حوله إلى أزمة سياسية محصلتها الجديدة مصادقة مجلس اللوردات على قانون يمنع الحكومة من الانسحاب من الاتحاد الأوربي دون اتفاق، باتت في المغرب تطفو بوادر نقاش حول مدى تأثير ما بعد البريكست عليه، وما مضمون التداعيات وكذا الإيجابيات التي يمكن أن يحملها هذا التغيير على العلاقات بين البلدين. وفي هذا السياق، قال الاقتصادي محمد الشيكر، رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث، إن “العلاقات الثنائية بين المغرب وبريطانيا ممتدة في الزمن، حيث تتجاوز 800 سنة، لكن العلاقات بين البلدين لما بعد البريكسيت تحتاج الكثير من العمل خاصة من الجانب المغربي”، مبرزا أن بريطانيا عملت خلال السنوات الأخيرة على إيفاد عدد من مسؤوليها بغاية بحث الإمكانيات المتاحة لتطوير التعاون الثاني بين البلدين في إطار علائقي جديد تحضر لبنائه المملكة المتحدة، وتتوق من خلاله أن يكون له موطئ قدم في منطقة المغرب الكبير. وأوضح محمد الشيكر في تصريح لجريدة “بيان اليوم”، أن هذا الطموح البريطاني عبر عنه أحد المسؤولين البريطانيين خلال زيارته للمغرب قبل فترة، حيث حرص على عقد لقاءات مع عدد من الفاعلين المغاربة من مختلف المجالات والقطاعات، وعبر خلال لقاءاته عن طموح لندن لمعانقة آفاق جديدة في علاقاتها مع الرباط ببعث دينامية في العلاقات الثنائية، والاستفادة مما يمثله المغرب من امتداد في القارة الإفريقية ليكون همزة وصل وجسرا يسلكه قطار العلاقات البريطانية نحو بلدان القارة السمراء. وأفاد أن خارطة الطريق للعلاقات الجديدة التي تعمل بريطانيا على بنائها، وفق ما تم استنتاجه من اللقاءات التي جمعت المسؤول البريطاني مع عدد من الفاعلين المغاربة، تشمل مختلف المجالات، ليس فقط التجارة أو الجانب الاقتصادي ولكن أيضا السياسة والتربية والثقافة والرياضة، مشيرا إلى وجود حوار استراتيجي بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة قد انطلق منذ أكثر من ثلاث سنوات أي منذ انطلاق الحديث عن البريكسيت بغرض تعميق وتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة. وأضاف أن بريطانيا في إطار هذا التأسيس للإطار الجديد للعلاقات الخارجية، شرعت بشكل مسبق، خاصة مع المغرب، في إرساء وتعزيز اللبنات الأولى عبر بوابة الثقافة، وهو ما يترجمه فتح مؤسسات تعليمية بريطانية بمراكش، علما أن بريطانيا تعمل في اتجاه تطوير أكبر للعلاقات الاقتصادية والرفع من مبادلاتها التجارية. وأبرز الاقتصادي الشيكر، أن معطى ما بعد بريكسيت يطرح العديد من التحديات بالنسبة للمغرب، أبرزها أن المغرب بات مطالبا ببذل جهود كبيرة من أجل تعزيز حضوره وتطوير علاقاته الثنائية مع بريطانيا وعدم الارتكان للعلاقات التاريخية ولو أنها توصف بالمتينة، وهذا الأمر يقول رئيس مركز عزيز بلال “يتطلب بذل جهود مضاعفة خاصة على مستوى التمثيلية الدبلوماسية للمغرب ببريطانيا، إذ أن الأمر بالغ الأهمية ويتعلق في جانب منه بالتنافس حول الريادة في منطقة المغربي الكبير، وكذا حول مسألة التمكن من جذب الاستثمارات البريطانية التي ستبحث عن أسواق جديدة مع انحصار العلاقات داخل الاتحاد الأوروبي”. وأبرز أن بريطانيا تنظر للعلاقات من جانب القيمة المضافة التي ستحققها لاقتصادها، ومن تم فإن المغرب بالتوجه الاستراتيجي الذي تباه في علاقاته مع بلدان القارة يجعل منه طرفا مهما في المعادلة، فضلا عن ما يمكن أن يحققه المغرب من خلال تركيزه على تطوير مكثف لعلاقاته الاقتصادية مع لندن، بعقد اتفاقات جديدة تعتمد مبدأ “رابح – رابح” تهم المجال الفلاحي والصيد البحري، والصناعات الجديدة خاصة في مجال الطيران. وأوضح أن بريطانيا على وعي بما يقدمه المغرب من فرص، خاصة وأن المغاربة الذين يتعلمون اللغة الإنجليزية سواء لأغراض عملية أو للإستئناس في تزايد مستمر، مشيرا أن ترتيبا كانت قد وضعته بريطانيا حول إتقان التحدث بالإنجليزية في البلدان العربية، كان قد رتب المغرب في المرتبة الرابعة (4)، هذا كما أن المغرب تمكن خلال السنوات الأخيرة من إقامة بنيات قوية وحديثة، ووضع استراتيجيات ديناميكية اتجاه بلدان جنوب الصحراء بإفريقيا، من شأنها المساهمة في تقوية موقع المغرب وفرضه كطرف جدير بلعب دور حيوي على مستوى انطلاق العلاقات الاقتصادية نحو بلدان جنوب المتوسط بل وجنوب الصحراء أيضا.