احتضن المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط أول أمس الثلاثاء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أمسية فنية تحت شعار «مسارات نسائية»احتفاء بثلة من الفاعلات النسائيات اللائي ساهمن بعطائتهن في مجالات مختلف في إبراز دور ومكانة المرأة المغربية. وقد شكل هذا الحدث الفني الذي تنظمه إدارة المسرح الوطني محمد الخامس بشراكة مع القناة الأولى لحظة أساسية للاعتراف بإسهامات المرأة المغربية من خلال تكريم أربعة فعاليات نسائية وطنية ساهمن بعطائاتهن في مجالات متعددة وهي أيضا لحظة أساسية دالة على واقع المرأة المغربية التي استطاعت بفضل نضالها المستمر وإصرارها المتزايد في إثبات ذاتها في المجتمع، وأن تحقق تطورا ملحوظا في شتى المجالات حيث أصبحت اليوم مندمجة وشريكة في مسلسل التنمية وتتولى مهام مختلفة كانت في وقت سابق حكرا على الرجل فقط كالمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. «مسارات نسائية» وإن ارتبطت بلحظة فنية وإبداعية خالصة، هي أيضا دعوة صريحة للتحدي ولكسب رهان المساواة في الحقوق والوجبات دعوة صاغتها صوات وأنامل فنانات مغربيات أثثن خشبة المسرح الوطني محمد الخامس خلال هذه الأمسية التي تألقت فيها تاء التأنيث على كل حروف الأبجدية التي تحيل على واقع ذكوري ظل لعقود مضت يكبح عجلة التقدم التي لا يمكن أن تسير وتستقيم إلا بواو المعية الذي يصر على ضرورة مصاحبة المرأة للرجل من أجل البناء والعطاء، ويؤكد على المكانة التي تستحقها المرأة المغربية باعتبارها طاقة لا محدودة في العطاء. فخلال هذا الحفل تم تكريم الإعلامية ماريا لطيفي التي تتولى إدارة القناة الرابعة منذ سنة 2005 وصاحبة العديد من البرامج الثقافية الناجحة في القنوات الوطنية مثل برنامج «نماذج» الذي كانت تقدمه على شاشة القناة الثانية، كما تم تكريم الدكتورة حكيمة حميش التي كسرت طوق الصمت على اللامفكر فيه من الأمراض المنقولة جنسيا وخاصة مرض السيدا، ، بالإضافة إلى تكريم الفنانة المقتدرة عائشة ساجد التي اقترنت منذ أزيد من أربعين سنة بفرقة البدوي التي أغنت الريبرتوار المسرحي الوطني. لطيفة المسكيني الشاعرة الواعدة والمجددة في الشعر المغربي الحديث، كانت حاضرة هي الأخرى لحظة التكريم الذي يشكل اعترافا بنبل الكلمة وجمالها ودلالة معانيها المنبثقة من رحم مجتمع عاش مراحل مخاض عديدة من أجل إنجاب بنونة شرعية تعترف للمرأة المغربية بعسر المخاض الذي صاغت كل آهاته في قصائد نسجت علائق هذا المجتمع الذي يتطلع لمزيد من المساواة بين الجنسين، باعتبار أن الكلمة هي مجال للتعبير بامتياز عن واقع معيش وعن واقع محتمل أيضا. الشاعرة لطيفة المسكيني حاصلة على جائزة الديوان الأول الممنوحة من بيت الشعر بالمغرب سنة 2003 عن المجموعة الشعرية الأولى «السفر المنسي» (منشورات وزارة الثقافة)، إلى جانب جائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر سنة 2008 عن المجموعة الشعرية الثالثة «حناجرها عمياء» (عن منشورات توبقال). فقد شكل هذا التكريم دليلا جوهريا على أن المشهد الثقافي والفني والإعلامي المغربي يحفل بأسماء نسائية برعت في تقديم أعمال متميزة بلغة حية ترفض الانصياع لما هو تقليدي وسائد، وفي تطلع دائم إلى تجاوز كل ما هو عادي ومألوف، فالأسماء المحتفى بها هن مبدعات كل واحدة في مجال تخصصها، لا تخطئهن ذاكرة المواطن المغربي، فقد راكمن عبر مسارهن الفني والإبداعي والإعلامي وفي المجتمع المدني أعمالا تظل راسخة في المخيال الجمعي للمغاربة. وقد شارك في إحياء هذا الحفل، الذي ربطت بين فقراته الفنانة ضحى الأزمي، الفنانة إلهام الوليدي والفنانة فاطنة عبيد اللائي أمتعن الحضور بوصلات من الفن الأوبيرالي الراقي من روائع الأوبيرا العالمية، إلى جانب تقديم عرض فكاهي من ال «وومن شو» للفنانة فاطمة وشاي. كما عاش جمهور مسرح محمد الخامس الذي حضر لمشاركة المرأة المغربية عيدها الأممي، لحظة إمتاع ومؤانسة بمعناها الصوفي مع مجموعة رحوم البقالي للحضرة الشفشاونية التي أضفت على أمسية «مسارات نسائية» طابع جماليا وروحيا امتزج بإيقاعات مركبة ومزوجة بأصوات نسائية راقية تحيل على الصفاء وطهارة الروح بما أن فن الحضرة النسوية هي تراث روحي يحمل سمات الموروث الثقافي الصوفي الذي كان يؤثث رحاب الزاوية بالمغرب والتي تمثل مدينة شفشاون إحدى أمكنتها المتميزة، وقد تمكنت هذه المجموعة القادمة من هذه المدينة العريقة والتي ألهبت حماس الجمهور الذي تفاعل معها من نسج لوحة فنية رائعة بإيقاع رفيع.