بأرض تعاونية (تودرت) أي الحياة، تعيش السعدية أمرسال حياة ملؤها الشغف بمكونات الطبيعة، تستثمر في ثروة قوامها حب مكنون للنباتات والأعشاب العطرية والطبية.. تعاونية «تودرت» لإنتاج الأعشاب الطبية والعطرية بدوار آيت صليب التابع لجماعة إيمنتليت بإقليمالصويرة، أهدت للسعدية أمرسال ذات ال 38 ربيعا، جائزة أرض النساء المغرب، التي حصلت عليها خلال حفل تتويج نظمته مؤخرا مؤسسة «إيف روشي المغرب»، عرفانا بجهود هذه المرأة إلى جانب باقي نسوة التعاونية في تثمين إرث طبيعي تزخر به المنطقة، والحفاظ عليه من استغلال مفرط. ثامن مارس.. يوم جديد آخر تحت شمس التعاونية لا يختلف يوم ثامن مارس عن غيره من بقية أيام السنة، فبالنسبة للسعدية التي تكدح كل يوم من أجل تحقيق الذات, لا تتجسد معاني التكريم والاحتفاء إلا من خلال الأيادي المنهمكة في استثمار خيرات الأرض وحمايتها من أي استغلال مفرط.. فالذكرى المئوية لليوم العالمي للمرأة لم تزد هذا التاريخ إلا شبابا، من خلال النساء اللائي يزودنه بإكسير حياة صنعنه من كفاحهن اليومي لتوفير قوت اليوم دون إغفال الأهمية التي تحظى بها الطبيعة في حياتهم اليومية. «أمنيتي أن تتوفر جميع الظروف الملائمة لمساعدة عدد من النساء والفتيات القرويات على تلقي تكوين في مجالات متعددة تساعدهن على التعرف أكثر على الثروة الطبيعية المحيطة بهن، مما سيمكنهن من استغلالها بشكل أمثل»، كما تؤكد السعدية التي تؤمن بضرورة إشراك المرأة القروية في مسار التنمية البشرية.. لا تفتر السعدية عن تعداد منافع هذه النبتة أو تلك أو إعطاء بعض التعليمات للنسوة العاملات بالتعاونية بلغتها الأمازيغية، فجذوة الحماس التي تتلألأ في عيني السعدية لا تخبو رغم متاعب مهنة الأمومة التي تمتهنها من خلال تربية أربعة أبناء، فالإخلاص الذي توليه هذه الأم العاملة يمكنها من تحمل عدد من الصعاب التي تعترض طريق أي مشروع ناشئ يشق طريقه نحو المستقبل.. فبعين فاحصة، تلقي السعدية، التي تلقت تعليمها إلى حدود السنة الأولى بكلية العلوم بأكادير، تخصص الفيزياء والكيمياء، نظرة متمعنة لتشرح الفوائد الطبية لكل نبات عطري، فبين شتلة تساعد على الاسترخاء وأخرى تفيد في معالجة بعض الأمراض الجلدية، تسترسل السعدية بإسهاب في شرح كيفية الاستعمال والإمكانيات الهامة التي تزخر بها المنطقة.. «تاسلغا هي عبارة عن شجيرة نستفيد من أوراقها عبر تجفيفها ودقها فهي تساعد على التئام الجلد بعد تعرضه لجروح أو حروق» توضح السعدية بينما تنهمك في هدهدة رضيعتها آية التي لم تتم بعد ربيعها الأول. السالمية والخزامى وتاسلغا والزعيترة واليازير وغيرها من الأعشاب التي حبلت بها الأرض الخصبة، تشكل رأسمالا حقيقيا لنساء التعاونية اللائي يواظبن على تتبع نموها في الجبال إلى أن يحين موعد جمعها، لتدخل بعد ذلك مرحلة التجفيف والتقطير، آنذاك، يتم تسويقها إما في شكل نبات مجفف أو في صيغة زيوت أساسية تدخل في صناعة عدد من المنتوجات الطبية والتجميلية.. تؤكد السعدية أن استغلال النباتات العطرية بالتعاونية ينبع من تقاليد راسخة في الموروث الثقافي المغربي، إذ أن الطريقة التقليدية المتبعة ما تزال تحظى بمكانة متميزة وحيز هام في العلاج، ومن ثم تبرز أهمية تثمين هذا المؤهل الطبيعي لتمكين أجيال الغد من الاستفادة من منافعه الجمة. تقول السعدية «نحاول من خلال الدور الذي تضطلع به التعاونية، التي تأسست سنة 2006، وكانت ثمرة مشروع مؤسسة إندا مغرب للبيئة والتنمية، في الحفاظ على النباتات المهددة بالانقراض، أن نثمن إنتاج هذه النباتات ونساهم في تحقيق مدخول لعدد من النساء اللائي يشتغلن بالتعاونية»، مؤكدة على الدور الهام للتكوين في توعية نساء التعاونيات بشكل أفضل في مجال الحفاظ على النباتات والاستفادة من فوائدها دون الإفراط في استغلالها. التعاونيات النسائية.. فضاء المرأة القروية لتحقيق التنمية المحلية «أفوس أركان»، «تعاونية كاوكي»، «تيليلا»، «تامونت» وغيرها أسماء لعدد من التعاونيات النسائية التي يزخر بها إقليمالصويرة، تؤثث فضاءاته الغابوية، المصدر الرئيسي للثروات الطبيعية التي تستغلها هذه التعاونيات. منتوجات طبيعية من زيوت الأركان ومنتوجات العسل وجبن الماعز، كلها ثروات محلية تستغلها نساء مثل السعدية، في تحقيق استقلالية في الحصول على الموارد المالية التي تضمن لهن العيش الكريم، في وسط قروي تناضل فيه المرأة مع كل فجر جديد، لتستشرف مستقبلا واسع الأفق. المرأة الصويرية العاملة في الوسط القروي، نموذج للمرأة المغربية التي أدركت أهمية المساهمة في ركب تنمية مستدامة، تقوم على تثمين عناصر الطبيعة وخلق موارد مدرة للدخل. فالتنمية الحقيقية مشتل تعهدته المرأة القروية بعناية ليترعرع وتزهر بذوره ثمارا يانعة تؤكد أن النساء يحملن مشعل التنمية المستدامة، ويساهمن بشكل حيوي في ضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.