لا شك أن الجريمة كانت ولازالت من أخطر وأقدم الظواهر الاجتماعية، والتي مازالت تعرف انتشارا كبيرا سببه التطور العلمي والتكنولوجي وكذا التحولات التي تعرفها المجتمعات والتي تجذب اهتمام الباحثين وتقتضي غالبا تدخل المشرع لملاءمة مقتضيات النص القانوني مع هذه الأوضاع الجديدة. ومن بين الجرائم التي استفحلت وبشكل كبير في العديد من المجتمعات ومن بينها المجتمع المغربي، جرائم الأخلاق أو الجرائم الماسة بالآداب والتي لها علاقة بالعرض، فقد جرمها القانون الجنائي المغربي مستندا في ذلك على عدة اعتبارات، منها ما هو ديني، يقضي بتحريم المساس بالأعراض وتحريم الفحشاء وجعل الزواج هو الطريق المشروع للعلاقات الجنسية، ومنها ما هو اجتماعي وأخلاقي يسير في اتجاه المحافظة على مكانة المرأة ومن خلالها المحافظة على الأسرة والمجتمع بصفة عامة، وحماية حقوق كل فرد على جسمه . على أن الملاحظ ومن خلال الأحداث التي عرفها المغرب مؤخرا وكذلك الإحصائيات المعدة في هذا الصدد، بحيث يقدر الخبراء أن هناك 30 ألف جريمة ابتزاز إلكتروني على مستوى دول الخليج سنوياً، و80% من ضحايا الابتزاز الإلكتروني هن من الإناث؛ وهو ما تسبب في تفشي ظاهرة الاعتداءات الجنسية وغير الأخلاقية التي تطورت من حيث الوسائل المعتمدة لارتكابها بغض النظر عن طبيعتها كانت اغتصابا أو هتك عرض أو فساد أو تهديد أو ابتزاز التي تعتمد التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع حالات الفساد الإلكتروني والتهديد مع الابتزاز الجنسي. لذلك سنحاول من خلال هذه المقالة تسليط الضوء على موقف المشرع من هذه الجرائم وما مدى نجاعة المقتضيات القانونية المقررة في هذا الصدد في التصدي لها . أولا : التأطير القانوني لجريمة الابتزاز يمكن تعريف الابتزاز بأنه قيام الجاني بتهديد الضحية من أجل الحصول على مكاسب مادية، وقد تكون معنوية، عن طريق الإكراه المعنوي الممارس على هذه الضحية، وذلك بتهديده بكشف أسراره أو معلومات خاصة به. هذا الابتزاز الذي يمكن أن يتم بطرق تقليدية كما يمكن أن يتم باستخدام إمكانيات ووسائل تكنولوجية حديثة يكون من خلالها ابتزازا إلكترونيا. وجريمة الابتزاز في القانون المغربي، والمعروفة بجنحة الحصول على المال بالتهديد، نظمها المشرع من خلال الفصل 538 من القانون الجنائي والذي جاء فيه: « من حصل على مبلغ من المال، أو الأوراق المالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة مما أشير إليه في الفصل السابق، وكان ذلك بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة، سواء كان التهديد شفويا أو كتابيا، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين غلى ألفي درهم». قراءة الفصل تقتضي منا وضع الملاحظات التالية: 1 أن المشرع يهدف من خلال النص أعلاه حماية إرادة الأشخاص بجعلهم أحرارا في معاملاتهم ، وهو الأمر الذي ينتفي في هذه الجريمة، حيث أن الضحية حينما يتعرض للتهديد تنعدم حريته في الاختيار وبالتالي إرادته في التصرف. فانعدام الرضا لدى الضحية يمكن أن يتم بكل وسيلة يكون من شأنها تعطيل الاختيار أو إعدام قوة المقاومة بحيث تسهل ارتكاب الجريمة، فكما يصح أن يكون الإكراه ماديا باستعمال القوة، فإنه يمكن أن يكون معنويا عن طريق التهديد ويدخل فى هذا المعنى التهديد بنشر فضيحة أو بإفشاء أمور ماسة بالشرف. 2 أن جريمة التهديد أو الابتزاز تعد من جرائم النتيجة التي تتطلب صدور نشاط يكون سببا في تحقق النتيجة وليست جريمة شكلية، فاعتداء الجاني على الضحية من خلال تهديدها وابتزازها أمر لازم، لن تقوم الجريمة بدونه إلا إذا كان هو السبب في النتيجة وهي الحصول على المال أو أوراق مالية أو غيرها مما أشير إليه أعلاه. وفي جريمة الابتزاز الإلكتروني، تتحقق النتيجة الإجرامية عند قيام الجاني بتهديد المجني عليه بإفشاء سر من أسراره، ويتعلق هذا التهديد بأمر غير مشروع،يكون سببا في زرع الخوف والهلع والتأثيرعلى نفسية وإرادة المجني عليه الأمر الذي دفعه إلى تنفيذ تهديد المبتر. 3 أن جريمة «الابتزاز» من أجل الحصول على المال بالتهديد، يشترط فيها توفر الأركان العامة كما في باقي الجرائم وهي الركن المادي والركن المعنوي. فأما الأول، فيقتضي تحقق العناصر التالية وهي: التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة، التهديد من أجل الحصول على مال أو أوراق مالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة، في حين يتطلب الثاني العلم والإرادة. ثانيا: أركان جريمة الابتزاز الجنسي 1 الركن المادي لجريمة الابتزاز الإلكتروني أ التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة يشترط في التهديد أن يقع بهدف إرغام الضحية على شراء سكوت الجاني من إفشاء أو نسبة أمور شائنة أو كشف معلومات من شأنها أن تسيء لها، والتي غالبا ما تكون معلومات فاضحة ومحرجة، أو تمس باعتبارها كتورطها في جريمة أو قضية أخلاقية. بحيث يتمكن الجاني من الحصول على صور للضحية في أوضاع غير أخلاقية أو على معلومات تتعلق بعلاقات غير شرعية أو غير قانونية، والتي تكون السبب الرئيسي الذي يستغله المبتز ويطالب بالمقابل وهو ربح غير مشروع، وهذا الأمر غالبا ما يتم بطرق غير مباشرة مخافة أن يلقى القبض عليه، لذلك فهو يستعين بطرق حديثة غير الطرق التقليدية، فيكون الابتزاز في هذه الحالة إلكترونيا يعتمد فيه على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبار الابتزاز في هذه الحالة ابتزازا جنسيا إلكترونيا، لا يختلف عن الابتزاز المؤطر قانونا إلا من حيث الوسيلة المعتمدة فيه. على أنه تجدر الإشارة في هذا الصدد على ضرورة التمييز ما بين الجريمة الإلكترونية و الجريمة التي تكون وسيلتها أنظمة معلوماتية أوأجهزة معلوماتية، لأن الأولى تتعلق بخرق هذه الأنظمة التي تخص الضحية، في حين أن الثانية تستخدم هذا النظام وهذه الوسيلة لإتمام الفعل أو الجرم وتعتبر بالتالي جريمة عادية تخضع في تنظيمها والمعاقبة عليها لما تقرره مقتضيات القانون الجنائي . وهو الأمر بالنسبة لجريمة الابتزاز الإلكتروني الذي يكون فيه الركن المادي فعل التهديد بوسيلة إلكترونية كما لو قام شخص بتهديد الضحية بنشر صوره عن طريق تعليقها بباب بيته أو بمقر عمله حتى يفتضح أمره. كما أن طريقة الحصول على هذه الصور لها دور مهم وأساسي في تكييف الفعل، فلو أن الجاني حصل عليها عن طريق خرق حساب الجاني وأخذ منه مقاطع وصور معينة استعملها كوسيلة للتهديد، نكون أمام جريمتين أولها خرق الحساب وهي جريمة معلوماتية لها حكمها الخاص مقرونة بجريمة الابتزاز، والقضاء المغربي في مثل هذه الحالات يتابع الجاني دون متابعة المجني عليه مع العلم أن الأمر يتعلق بصور خليعة تجعل جريمة انتهاك الآداب العامة أو الفساد ثابتة في حقه، مبررا موقفه هذا بأن الطريقة التي تم الحصول بواسطتها على هذه الصور غير مشروعة قانونا . هذه الصورة الأخيرة تجرنا للحديث عن قصور المقتضيات القانونية المتعلقة بإثبات الفساد الإلكتروني والخيانة الزوجية أيضا، فمعلوم أن تحقق الجريمتين السابقتين يقتضي توفر الركن المادي المتمثل في المواقعة التي تتم بين طرفي العلاقة غير الشرعية مع رضاهما بذلك ، وانعدام وجود رابطة الزواج بالنسبة للفساد ووجودها بالنسبة للخيانة الزوجية. إذا لا مجال لوجود فساد أو خيانة دون مواقعة أولا، ثم أن إثبات هذا النوع من الجرائم يقتضي اعتماد الوسائل المحددة حصرا من طرف المشرع في الفصل 493 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: « الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بماء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي». إن تطبيق هذه المقتضيات على الجرائم المذكورة أعلاه يكون صعبا من الناحية الواقعية، بل وحتى القانونية، فلا شك أننا نكون أمام فساد وخيانة زوجية وإن تما بطريقة إلكترونية لكن انتفاء عنصر المواقعة أولا وهي الاتصال المباشر بين الرجل والمرأة، يجعل الركن المادي غير مكتمل وهو ما يجعله منتفيا وبه تنتفي الجريمة. كما أن اعتماد وسائل الإثبات السالفة الذكر يكون صعبا في الحالات العادية فما بالك بالممارسات التي تتم في مجال افتراضي غير واقعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فلو أن امرأة مثلا، دخلت بيتها ووجدت زوجها عاريا أمام شاشة كمبيوتر وهناك امرأة في الجهة الأخرى، هل هذا يدخل في حكم الخيانة الزوجية؟ بحيث لو قتلها سيستفيد من العذر المخفف للعقوبة؟. أعتقد أن الأمر سيكون صعبا من حيث الإثبات، بل من حيث تكييف الفعل على أنه خيانة أم لا ما لم يكن بالشكل الذي حدده القانون. وهو ما يستدعي ضرورة تدخل المشرع واعتماد مقتضيات جديدة تتماشى مع طبيعة هذا النوع من الجرائم لا من حيث أركان تحققها ولا من حيث وسائل إثباتها. ب التهديد من أجل الحصول على مال أو أوراق مالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة يشترط في التهديد أن يهدف إلى الحصول على أموال أو على توقيع أو على تسليم ورقة ، بحيث ما يستفاد من النص القانوني هو أن التهديد يجب أن ينصب على أمرين، الحصول على أموال ويدخل في حكمها كل ما يمكن الاستفادة منه وحيازته بغض النظر عن طبيعته كان ماديا أو معنويا، أو الحصول على توقيع أو أوراق مالية من أسهم وسندات أو تسليم ورقة كالعقود أو المحررات و التي يدخل في حكمها كل شيء مكتوب بحيث يمكن أن يكون رسالة أو عقد أو مقالة أو غيرها من الأشياء المادية المكتوبة. لكن الإشكال في هذه الحالة يثور بالنسبة للعقوبة المقررة بالنسبة لمن انتزع أو حصل على ورقة أو محرر أو عقد أو سند بحيث رجوعا للفصل 537 من القانون الجنائي فإن الأمر يتعلق بجناية عقوبتها السجن من خمس إلى عشر سنوات ،في حين أن الحصول على هذه الوثائق بالتهديد يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى خمس سنوات ،مع أن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بأخذ وثيقة دون رضا صاحبها، بل الصورة الثانية تكون أكثر خطورة لأن فيها تهديد قد تكون عواقبه أكبر تدفع الضحية أحيانا للتخلص من حياته إن تعلق الأمر بوثيقة تحمل أسرارا خاصة، وخصوصا إذا كان المبتز يقوم بالتهديد لمجرد الانتقام. 2 الركن المعنوي يقوم القصد الجنائي على عنصرين أساسين هما 1 العلم: ويقصد به علم الجاني بنتيجة النشاط الذي يقوم به، وما يتصل به من وقائع لها علاقة بالجريمة.بتعبير آخر، يجب أن يكون الجاني عالما بأن ما يقوم به من تهديد للضحية بواسطة الصور الفاضحة التي حصل عليها ، مقابل الحصول على مال أو منفعة عامة،جريمة يعاقب عليها القانون. على أن انتفاء علم الجاني ينتفي معه القصد الجنائي كما لو حصل على المعلومات بالغلط أو بالصدفة. 2 الإرادة: وهي العنصر الثاني في الركن المعنوي ويقصد به الدافع الأساسي لاتخاذ سلوك إجرامي معين لتحقيق نتيجة محددة ، لذلك يجب أن تكون إرادة السلوك والنتيجة متلازمتين في نفس الوقت، كمن ينوي القيام بابتزاز فتاة بكونه يتوفر على معلومات خاصة بها وسرية بحيث متى علم بها الغير أثرت على سمعتها، وفي نفس الوقت يريد تحقيق النتيجة التي هي حصوله على المال كمقابل لكتم السر. وعموما، فإن جريمة الابتزاز الإلكتروني من الجرائم التي تحتاج إلى معرفة خاصة وعالية بتكنولوجيا المعلوميات من أجل تنفيذها بحيث لا يمكننا أن نتصور إمكانية حصولها بغير قصد، فهي من الجرائم العمدية التي يكتفى فيها بالقصد العام ولا يشترط أن يكون القصد خاصا. الدكتورة فريدة اليوموري* * أستاذة القانون الخاص ومنسقة ماستر قانون الشغل والعلاقات المهنية بكلية الحقوق بسلا