وأخيرا تتنفس الدارالبيضاء الصعداء بشأن خدمة النظافة وجمع النفايات المنزلية، مع ما صاحب ذلك من أجواء الارتياح بعد تجاوز مرحلة والدخول في أخرى، وذلك عقب أشهر من المفاوضات لإنهاء وضع لا يطاق وغير محتمل بالنسبة لساكنة العاصمة الاقتصادية وزوارها. فكل هؤلاء يشكون من الروائح الكريهة الصادرة عن النفايات التي تلوث الهواء، ويمكنها أن تكون مصدر بعض المخاوف التي لها صلة بأمراض الجهاز التنفسي. وبالنسبة للمتتبعين، فإن تجاوز هذا الوضع “يدشن لمرحلة تاريخية بالنسبة للعاصمة الاقتصادية”، وذلك بعد الإعلان يوم الثلاثاء الماضي عن دخول العقود الجديدة للتدبير المفوض لخدمات النظافة الحضرية والنفايات المنزلية والمشابهة لها على مستوى الدارالبيضاء، التي وقعتها مؤخرا كل من (أفيردا) و(ديريشبورغ)، حيز التنفيذ. وهو ما خلف ارتياحا كبيرا بالنسبة للقائمين على تسيير الشؤون المحلية( الجماعة) وممثلي الشركتين المكلفتين بتدبير خدمة النظافة، والكثير من الأمل أوساط الساكنة المحلية. وتبقى الإشارة إلى أن هذه العقود الجديدة للتدبير المفوض (قيمتها السنوية 893 مليون درهم/ تمتد على مدى 7 سنوات)، تتضمن مجموعة من التدابير الجديدة منها، ضرورة تقديم خدمات جيدة تتعلق بجمع ونقل النفايات من خلال جمع النفايات المنزلية والمشابهة لها والنفايات الخضراء، ونقلها وتفريغها مع نفايات الكنس بالمطرح العمومي، مع تجهيز وصيانة وتنظيف وغسل نقاط التجميع. ومن هذه الخدمات أيضا تزويد وتوزيع وصيانة الحاويات السطحية وتحت الأرضية، مع تحديد ترقيم تسلسلي لها، وغسل وتنظيف الحاويات وأماكن تواجدها، فضلا عن إدخال نظام الفرز الثنائي ومن بين الخدمات الأخرى المتضمنة في العقود، تنظيف الطرق والساحات العمومية (الطرق، والأرصفة، والساحات، وأثاث الشوارع) من خلال تزويد وصيانة وإفراغ السلات العمومية، والتنظيف والكنس اليدوي، والكنس والغسل الميكانيكي للمساحات المخصصة للراجلين بواسطة معدات خفيفة، مع القيام بعمليات خاصة للنظافة خلال تنظيم التظاهرات الثقافية والدينية والرياضية والعرضية وغيرها من المناسبات. وتنص العقود كذلك على تركيب وتشغيل وصيانة مختلف آليات التتبع المعلوماتي (نظام جي بي إيس) لعربات الكنس وشاحنات جمع النفايات المنزلية والتنظيف. وفي كل الأحوال، فإنه يتعين إدراك أهمية هذه المرحلة الجديدة في التعاطي مع موضوع النفايات، إلا أن ” الانتظار والترقب مع ذلك يظل مطلوبا “، وذلك في انتظار ما سيعتمل على أرض الواقع خلال الأشهر القادمة، وهل سيحمل هذا الوضع الجديد مستجدات، وذلك بالنظر لعملية التدبير السيئة لقطاع النظافة خلال السنوات الماضية. ويلخص أحد ساكنة العاصمة الاقتصادية الوضع السائد قبل سريان مفعول هذا الجيل الجديد من عقود التدبير المفوض لخدمات النظافة، في قوله إنه ” بمجرد التردد على مناطق معينة من الدارالبيضاء ، فإنه يلاحظ أن المدينة ليست بيضاء تماما كما يحيل إلى ذلك إسمها، بالنظر لتواجد بؤر سوداء بها”. ومن مظاهر هذا الوضع، يضيف هذا المواطن، هو وجود أنواع مختلفة من النفايات، خاصة المنتشرة على الأرصفة، في مختلف شرايين المدينة وشوارعها الرئيسية، أو بالقرب من المقاهي والمطاعم ، مشيرا إلى أن هذه النفايات تتراكم لتشكل أكواما من الأزبال جنبات صناديق جمع النفايات. وباختصار، كما أشار إلى ذلك، فإن المرء يجد نفسه في كثير من الأحيان في مواجهة أكوام عبارة عن مطارح للنفايات ، لا يمكن تحملها، وذلك على بعد خطوات من الأماكن التي يتردد عليها المواطنون والسياح، كما هو الحال، على سبيل المثال لا الحصر، بالقرب من محطة القطار الدارالبيضاء الميناء. كان ذلك يحدث، كما قال، قبل التوقيع على العقود الثمانية الجديدة للتدبير المفوض لخدمات النظافة وجمع النفايات المنزلية مع الشركتين الجديدتين، لافتا في هذا السياق إلى أن عملية تدبير النفايات على مستوى الدارالبيضاء كانت دوما تطرح عدة مشاكل، حتى مع الشركات السابقة الموكول لها تدبير هذه الخدمة. وبالنظر لكون نظام جمع النفايات معقد في أصله، فإن ذلك تطلب إدخال فاعلين من القطاعين العام والخاص، كما يقول خبير في الميدان الإيكولوجي، لافتا إلى أن كثيرا من مشاكل تراكم النفايات سببها أيضا المواطنون، الذين لا يترددون في استخدام الشارع باعتباره مكانا للتخلص من النفايات المنزلية. وتابع أن التعاطي مع موضوع النظافة والنفايات، يترتب عنه وجود ظاهرتين متناقضتين في الوقت نفسه.. فالناس يريدون التخلص من النفايات الخاصة بهم في أسرع وقت ممكن ، فيتم إلقاؤها في أي مكان وفي أي وقت، وفي المقابل فإنهم لا يتحملون وجود مطارح النفايات بالقرب منهم. وقال إنه إذا تم إنشاء شرطة بيئية من أجل التصدي لظاهرة انتشار النفايات على مستوى الفضاءات العمومية، والرفع من مستوى الوعي لدى الفاعلين الذين ينتجون كميات كبيرة من النفايات، وضمان احترام دفتر التحملات، فإنه يبدو أن هناك إجماعا على ضرورة أن تعمل هذه الشرطة مع جمعيات حماية البيئة التي تشتغل في الميدان. وبخصوص مطارح النفايات، يرى هذا الخبير، أن السؤال الذي يطرح نفسه يظل في النهاية .. عما إذا كان بإمكاننا الاستمرار في نموذج المطارح المراقبة، مشيرا إلى أن هذه النماذج، التي لم تعد مقبولة من جانب المواطنين، تتطلب إعادة النظر في طريقة تثمين النفايات.. أي أن الفرز في المصدر وإعادة التدوير يفرضان نفسهما. وفي سياق متصل، فإن الفاعلين الجمعويين يضعون دوما الأصبع على مطرح النفايات بمنطقة مديونة (ضواحي الدارالبيضاء)، حيث يتم نقل حوالي 4000 طن من النفايات يوميا، مع ما يترتب عن ذلك من أضرار بيئية للمنطقة والمقيمين جوارها. ويرون أن هذا المطرح، المتواجد بمديونة قبل 30 عاما، يعد قنبلة بيئية تهدد كل العاصمة الاقتصادية.