تتويج فرقة المشعل من أرفود بالجائزة الكبرى بتلاقح فكري وعملي للمؤسسة الأكاديمية وهيئات المجتمع المدني، وبتصورات مستقبلية لجميع الشركاء والفاعلين لمشهد مسرحي متميز بمدينة الرشيدية، كان للجمهور وذواقي أب الفنون، موعد مع الملتقى الوطني الأول للمسرح بالرشيدية، الذي نظم مؤخرا، تحت شعار «سجلماسة ملتقى الفرجات المسرحية»، من طرف جمعية الجدار الرابع للمسرح والسينما والكلية المتعددة التخصصات وبدعم من عمالة الإقليم ومجلس بلدية المدينة ومندوبية الثقافة، وبشراكة مع عدد من الجمعيات والمؤسسات الاقتصادية والإعلامية بمدينة الرشيدية. انطلقت فعاليات هذا الملتقى بكلمات الافتتاح لكل من رئيس الجامعة، وعميد الكلية، ومندوب الثقافة، ورئيس المجلي البلدي ومدير الملتقى، عبروا جميعا من خلالها عن سعادتهم بانطلاق هذا المولود الثقافي بمدينة تستحق كل الاهتمام بهذا المجال، أملا في تحقيق التنمية الثقافية المنشودة، شاكرين كل من ساهم في تنظيم ودعم هذه المبادرة المتميزة، مرحبين بالحضور الكريم وضيوف الملتقى، وكانت مناسبة أيضا ليسجل من خلال الكلمات افتقار المدينة لقاعة مسرح أو مركب ثقافي، مؤهل ليكون بنية استقبال لمثل هاته الأنشطة وغيرها، وهو اهتمام مشترك يبدو انه في مفكرة جميع الفاعلين المحلين، إذ أن الرسالة قد وصلت وهناك مجهودات لتحقيق هذا الأمل، كما جاء في كلمة المجلس البلدي للمدينة، كما أنها فرصة ثقافية جاءت لتؤكد مدى انفتاح الكلية المتعددة التخصصات على محيطها الخارجي، ومدى اهتمامها بتنشيط الفعل الثقافي بالمدينة كما أشار إلى ذلك رئيس الجامعة، وأكد عليه عميد الكلية، مضيفا أن المؤسسة قد راكمت تجربة مهمة في مجال تنظيم مثل هذه التظاهرات لضمان إشعاع ثقافي محلي جهوي ووطني، مشيرا في هذا الإطار إلى المهرجان الوطني الجامعي للسينما، الذي تنظمه الكلية سنويا بشراكة مع جمعية القبس للسينما والثقافة، والمسرح يحمل في طياته العديد من التخصصات الثقافية والأدبية يشير مندوب وزارة الثقافة، مؤكدا على ضرورة الرفع من مكانته بالإقليم، بحضور فعلي لوزارة الثقافة في علاقاتها مع الشركاء من المؤسسات وهيئات المجتمع المدني. وبإطلالة على برنامج الندوات، نجده متميزا وحافلا بالعطاء، متميزا بالنقاش الهادف الحامل للأفكار والاقتراحات والخلاصات والتوصيات، فلقد شكلت الندوة الأول، حول الطقوسي والمقدس في الفرجات المسرحية المغربية، لحظة نقاش في التراث المسرحي المغربي، أطرها الأساتذة سعيد كريمي وسعاد فاضل ومحمد حميدي، ونشط فقراتها مصطفى اللويزي، وعمل على استخلاص أفكارها وتوصياتها عثمان بيصاني، حيث تداول الأساتذة والمتدخلون النقاش، مبرزين الطقس المسرحي ومكامن الفرجة، متطرقين لفن الحلقة وموسيقى الجذبة، وحضور القداسة في المسرح المغربي المتناول للتراث من زوايا البحث والتنظير والتشخيص على الخشبة، أما الندوة الثانية التي تناولت المسرح والإعلام فقد كانت محطة للنقاش العميق في جدلية حضور أب الفنون بوسائل الإعلام وأدوارها الأساسية، أطرها جمال كريمي بنشقرون وامبارك أيت القايد ومحمد نو ونشطها عزيز لعفو، واستخلص خلاصاتها عبد السميع العلوي، وعرفت هذه الندوة نقاشا ساخنا باختلاف محاور المداخلات، واعتبرت أن للإعلام مكانة أساسية للرقي بالفعل المسرحي بالمغرب، وما يشكله الاهتمام الإعلامي للمسرح من اثر على الجمهور والمتتبع، هدفا في توسيع قاعدة المهتمين بالمسرح ومتتبعيه، لتخلص بعد النقاش المتبادل بين الأساتذة المتدخلين والحاضرين، بخلاصات تدعو الإعلام الوطني إلى ضرورة حضوره الفعلي وتتبعه المستمر وتغطية الأحداث الثقافية على اختلافها، ومن بينها المسرح الذي يجد نفسه في حاجة ماسة لإعداد برامج عنه، وكذا تسجيل عروضه وبتها مسجلة على القنوات التلفزية الوطنية، تشجيعا للشباب الهاوي، أملا في بزوغ نجوم مسرحية وفنية جديدة يكون للإعلام دور في بروزها، يؤكد الحاضرون والمتدخلون في هاته الندوة، رافعين توصيات دعت أيضا إلى تفعيل الصفحات الثقافية للصحافة المكتوبة والعمل على تعيين صحفيين مختصين في هذا الميدان، وكانت الندوة الثالثة مجالا للتفكير في الإبداع الدرامي من خلال الكتابة المسرحية الدرامية، واقعها وآفاقها، ساهم في تأطيرها عبد الفتاح أبطاني وبشرى السعيدي وأدار رحاها البشير تهالي وقدم خلاصاتها عزيز خالد، فشكلت محطة لتسليط الضوء على مكانة الدراما في المسرح المغربي ومدى الاهتمام بهذا التوجه المسرحي كما وكيفا، ومنه إبراز قدرة المسرح المغربي على الإنتاج في هذا المجال اعتبارا للنقص الحاصل في الكتابة المسرحية عموما والكتابة الدرامية المسرحية خصوصا. أما من جهة العروض المسرحية المشاركة، فقد كانت احتفالية وذات فرجة مسرحية متميزة، نالت إعجاب الجمهور الذي حج إلى قاعة فلسطين، وكان مدعما بشكل حضاري ثقافي للعروض، يحمل في طيات حضوره رسالة إلى كل من يهمه الأمر في أن يسعى لإعداد الأرضية الصلبة المتينة الملائمة لملء الخصاص وسد الفراغ وتحقيق مبتغى الشارع الرشيدي في الجانب الثقافي، حيث يستشف ذلك الشغف والحب الكبير لشريحة مهمة، مهتمة بكل ما يدخل في إطار فعل ثقافي جاد وهادف بالمدينة، فالعروض المسرحية كرست حقيقة شعار الملتقى وبلورته بالشكل الذي جعل الكل يخرج بخلاصة حول نجاح أهداف الملتقى في نسخته الأولى والتأسيسية. فافتتاحا للعروض، قدم محترف أفاليو للمسرح والفنون الشفوية، لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش مسرحيته المعنونة «رجة الهبوط» التي تناولت الأسطورة العربية الشعبية واقترانها بالمرأة وخطيئة الخروج من الجنة في تشخيص فني درامي لمواهب طلابية شابة، ستقول كلمتها في المستقبل في مجال المسرح، هاته المسرحية التي حملت رسالة مفادها إعادة الاعتبار للمرأة كعنصر له الحق في التعبير عن أهميته في خدمة المجتمع، اندمج معها الحضور الذي غصت به قاعة العرض وأعجب بمكنونها الثقافي والفني المسرحي، وفي نفس اليوم الافتتاحي، عاش الملتقي المسرحي لحظات جميلة مع مسرحية أمازيغية متميزة لجمعية فوانيس ورزازات بعنوان «بوتارشمين»، تناولت تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة على العالم ودورها في إعادة توضيب العلاقات الدولية على نمط جديد ومغاير بشكل فني مسرحي رائع وإبداع موسيقي وإخراج فني لحدث اقتصادي على خشبة المسرح بكل جرأة وتجرد وامتياز. وبشكل فرجوي فني، بحضور فن العيطة والموروث الثقافي العبدي، وبأداء وانسجام جماعي، قدمت جمعية سبع أمواج للمسرح والسينما بأسفي في اليوم الثاني، مسرحيتها «بئر العيوط»، مختزلة في مضمونها مجال الأرض البدوية والعيطة الشعبية الحصباوية، في رحلة غاصت بأعماق البئر وما يحمله الماء من دفء للبادية ومحيطها، والبئر في المسرحية مجال للإبداع الفني ومكان استحضار الشيخة حادة أو المناضلة حادة كما قدمها النص في مقارنة بين الثقافة العالمية والثقافة المحلية، تلتها مباشرة مسرحية «مهزلة المدينة» لجمعية المشعل للمسرح والسينما بارفود، متناولة معاناة الانتظار في مدينة يسكنها ضباب غامض من الأحداث، إدراكا للهشاشة في مستقبل قلما يتم التفكير فيه لحظة من اللحظات، في قاعات الانتظار المؤلمة، في إعادة لترتيب الأحداث المنفصلة في الزمان والمكان والشخصيات، بقناعة الانتقام من الواقع ورد الاعتبار للإنسان الحالم بوجوده وكينونته، بشكل فلسفي وإخراج مسرحي تعبيري، لنص مقتبس، قدم ممسرحا ونال بذلك إعجاب الحاضرين. في اليوم الثالث من المهرجان كان للجمهور موعد مع مسرحيتن متتاليتين، الأولى لفرقة الموهبة المسرحية بسطات في عرض بعنوان» جنب الضاية»، وهي مسرحية تتساءل عن الحقيقة وأين توجد؟ معبرة عن العجز في إيجاد الجواب عبر رحلة ليلية منسوجة بالخيال لثلاثة أشخاص بحكاياتهم القريبة والتي قاسمها المشترك هي ذكرياتهم وويلاتهم وآهاتهم من الأنثى، إذ يرى فيها كل منهم ماضيه بحلوه ومره قبل طلوع الشمس، حيث لن يبزغ الفجر بنهاية حكاية لتبدأ أخرى، إلى أن يجف ماء الضاية أو البركة مكان أحداث المسرحية التي استلهمت جمالية فنية في السينوغرافية، بشكل استحسنه العديد من الحاضرين، تلتها مسرحية فلسفية لمحترف أدونيس بمكناس، بعنوان «انتحار على حافة العشق» مستلهمة من أشعار (أدونيس - احمد مطر - محمد الشرطاني الحسني) معبرة عن رحلة أشبه بالغربة والضياع في وجع الجسد، طارحة للصراع الذاتي الحامل لأعباء الماضي في حاضر مرير ومستقبل مجهول، بأبعاد فلسفية تبحث عن الهوية، عبر توظيف الرقص التعبيري الجسدي الأنتوي بإبهار وجمالية، مدمج بالحركات المنسجمة على إيقاعات الموسيقى الهادئة. إنها صورة عن العروض التي نالت استحسان وإعجاب الجميع، وعرفت حضورا كبيرا لجمهور تواق وعاشق للمسرح ، فكان الملتقى في دورته الأولى، مناسبة للتعارف والتلاقح المعرفي في مجال المسرح، ليكون الملتقى أيضا محطة للتتويج والتشجيع والتنويه، وهكذا وبقرار من لجنة التحكيم بالملتقى وفي جلسته الختامية التي نشطتها الفرقة الموسيقية «إستو ستورياس» من مدينة ازور بشكل فني شبابي رائع، تم الإعلان عن إحراز فرقة المشعل لأرفود، للجائزة الكبرى للدورة الأولى للملتقى الوطني للمسرح بالرشيدية، كما حازت نفس الفرقة على الجائزة التي خصصها المنظمون لأحسن سيناريو، فيما كانت جائزة أحسن إخراج، من نصيب مسرحية «مهزلة المدينة». من جهة أخرى، حازت الفرقة المسرحية «فوانيس» من ورزازات خلال هذه الدورة على الجائزة الثانية لأحسن عرض مسرحي، وكذا على الجائزة المتعلقة بالإبداع الموسيقي لعملها المعنون ب»بوترمين». وعادت جائزة أحسن أداء وأحسن دور نسائي للممثلة الشابة سلوى بروي من فرقة آسفي «سبعة أمواج» ضمن مسرحية «بئر العيوط»، كما تم تتويج هذه المسرحية، بجائزة أحسن تأليف أيضا، في حين عادت جائزة أحسن دور رجالي لمحترف أدونيس بمكناس عن مسرحيته «انتحار على حافة العشق» للممثل عبد الرزاق المشاطي، كما نوهت لجنة التحكيم بالممثلتين الخنساء اسماعلي من فرقة الموهبة المسرحية لمدينة سطات، والممثلة رباب حفيظ من محترف ادونيس بمكناس. وكانت هذه الدورة مناسبة لتكريم أربع شخصيات رائدة في مجال مسرح الهواة بإقليم الرشيدية، ويتعلق الأمر بعلي عباز، وخالد عزيز، ومحمد ولد عكا، وسيدي محمد هاشمي، ليشكل الملتقى عرسا ثقافيا بامتياز، وفرصة للمزيد من العمل والعطاء لخلق نهضة ثقافية بمدينة الرشيدية.