تعتبر جريمة التزوير في الأوراق الرسمية و العرفية أو المتعلقة بالتجارة والبنوك، من جرائم الإخلال بالثقة العامة، وهي جرائم تحدث بشكل فوري وتقوم على العمد الناتج عنه إضرار بالغير. كما أنها تعتبر من الجرائم الحديثة لأنها نشأت وتطورت مع نشوء وتطور الكتابة التقليدية و الإلكترونية. الأمرالذي استدعى تدخل المشرع من أجل حماية هذه الأوراق من العبث في مضمونها والمحافظة على مصداقيتها، وسلامة تداولها وبعث الثقة في محتواها و مضمونها. لذلك تدخل المشرع جنائيا لحماية هذه الأوراق الرسمية والعرفية، خاصة بصدور القانون رقم 33.18 المغير والمتمم للفصول 352 و353 والمضيف للفصل 1-359 من مجموعة القانون الجنائي، وبتكريسه لبنود الإتفاقية الدولية بودابست المتعلقة بالجريمة الإلكترونية، وكذلك في مدونة التجارة بتجريمه ومعاقبته على التزوير الذي قد يطال بعض وسائل الأداء التجارية. فكيف عالج المشرع جريمة التزوير؟ وما مدى تكريسه لمضمون إتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة الإلكترونية؟ وما مدى نجاحه وتوفقه في ذلك؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه وفق مايلي: المبحث الأول: التزوير التقليدي في الأوراق الرسمية و العرفية نتطرق في هذا المبحث إلى مطلبين، المطلب الأول سنتعرض فيه إلى التزوير في الأوراق الرسمية أو العمومية، في حين سنتعرض في المطلب الثاني إلى التزوير في الأوراق العرفية أوالمتعلقة بالتجارة والبنوك. المطلب الأول: التزوير في الأوراق الرسمية أو العمومية جرم المشرع الجنائي أفعال التزوير في الأوراق الرسمية أو العمومية وعاقب عليها في الفصول من 351 إلى 356 من مجموعة القانون الجنائي، وفيما يلي نعرض لخصائص التجريم و العقاب على هذا الفعل في مجموعة القانون الجنائي، وللمستجدات التي أتى بها القانون رقم 33.18 في هذا الإطار و ذلك في الفقرة الأولى، أما الفقرة الثانية فسنبين فيها أنواع التزوير المنصوص عليه في هذه الفصول ، بمعنى هل هي تزويرات مادية محضة أم أن هناك تزويرات معنوية. الفقرة الأولى: التجريم و المعاقبة على فعل التزوير أهم ما يلاحظ : أن المشرع الجنائي عرف لنا تزوير الأوراق في الفصل 351 من م.ق.ج، بأنه «هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون». ومعنى ذلك أن العناصر المكونة لهذه الجريمة تتمثل في وجود: *دعامة مكتوبة *تغيير مضمون المكتوب أو تحريفه *العمد لأنها من الجرائم العمدية . – الفصل 352 : يحدد وسائل التزوير التي قد يلجأ لها الموظف العمومي أيا كانت صفته، وكل موثق أو عدل، وذلك إما بوضع توقيعات مزورة، وإما بتغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع أو بوضع أشخاص موهومين واستبدالهم بأشخاص آخرين، أو بكتابة إضافة أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية ، بعد تمام تحريرها أو اختتامها . فإذا اجتمعت هذه العناصر، فإن العقوبة وفقا للتعديل الجديد الذي أتى به القانون رقم 33.18، تكون السجن من 10إلى 20 سنة وغرامة من 100,000 إلى 200,000 درهم، بعدما كانت العقوبة في السابق – أي قبل تعديل هذا الفصل – السجن المؤبد . الفصل 353 :يجرم تزوير محتوى الحقيقة، بمعنى تغيير المحتوى، أي شيئ غير موجود يأكده الموظف العمومي أو الموثق أو العدل في العقد، فهو يزور ما تلقاه، أما العقوبة فهي نفس العقوبة المنصوص عليها في الفصل 352 بعد تعديله بمقتضى القانون رقم 33.18 السابق ذكره . الفصل 354 : يقرر التزوير في محرر رسمي أو عمومي يرتكبه كل شخص، سواء بالتزييف أو التحريف في الكتابة أو التوقيع (1)، أو باصطناع إتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء أو بإضافتها في تلك المحررات بعد تحريرها، أو بإضافة أو حذف أو تحريف الشروط أو التصريحات أو الوقائع التي خصصت تلك المحررات لإثباتها أو الإدلاء بها ،أو بخلق أشخاص وهميين أو استبدال أشخاص بآخرين . الفصل 355: يقرر جنحة تأديبية عقوبتها الحبس من سنة إلى خمس سنوات، لكل شخص ليس طرفا في المحرر، أدلى أمام العدل بتصريحات يعلم أنها مخالفة للحقيقة (2). -الفصل 356 : يقرر عقوبة السجن من 5 سنوات إلى 10 سنوات، لمن يستعمل الورقة المزورة مع علمه بتزويرها، مثال ذلك من يستعمل جواز سفر مع علمه بأنه مزور . الفقرة الثانية: أنواع التزوير يستشف من الفصول السابقة الذكر، أن المشرع نص على نوعين من التزوير وإن بطريقة غير مباشرة، وهما التزوير المادي والتزوير المعنوي . فالتزوير المادي، يكون بفعل مادي ملموس، كما هو الشأن لتغيير التوقيع في ورقة رسمية، من ذلك مثلا شهادة الميلاد، أما التزوير المعنوي فيكون بالإيهام عن طريق إقناع شخص بواقعة معينة، و الإحتيال عليه بموجبها، وهي مشابهة لجرائم إنتحال الصفة . المطلب الثاني : تزوير الأوراق العرفية أو المتعلقة بالتجارة والبنوك يقصد بالأوراق العرفية، كل وثيقة يختص بتحريرها خارج نطاق وظائفهم أو مهنهم، وذلك من أجل أن يضمنوها إتفاقا أو التزاما أو إبراء تحت إشهاد السلطات بالمصادقة عليها، وهي لها نفس القيمة الثبوتية للورقة الرسمية، بحيث لا يمكن الطعن فيها إلا بإنكار التوقيع ممن صدرت عنه . لذلك سنقوم في هذا المطلب بالوقوف على تجريم تزوير الأوراق العرفية أو المتعلقة بالتجارة والبنوك في مجموعة القانون الجنائي، خاصة بالمستجدات التي أتى بها القانون رقم 33.18، كما سنقف على بعض التزويرات المجرمة والمعاقب عليها في مدونة التجارة، وفق مايلي: الفقرة الأولى: تجريم تزوير الأوراق العرفية أوالمتعلقة بالتجارة والبنوك في مجموعة القانون الجنائي بالوقوف على مقتضيات الفصول 357 إلى 1-359 من مجموعة القانون الجنائي نستشف مايلي: -الفصل 357 : يجرم هذا الفصل التزوير في المحررات التجارية و البنكية عن طريق نفس الوسائل المشار إليها في الفصل 354 السابق الإشارة إليه، غير أن العقوبة هنا تختلف، بحيث انها عقوبة حبسية تتراوح من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 250 إلى 20,000 درهم، مع إمكانية الحكم ببعض العقوبات الإضافية الأخرى، كالمنع من الإقامة لمدة لا تزيد على خمس سنوات . غير أنه إذا كان مرتكب الجريمة صاحب مصرف أو مدير شركة أو غيرهم من الأشخاص المشار إليهم في الفقرة الأخيرة من هذا الفصل ، فإنه يمكن أن تصل العقوبة إلى ضعف الحد الأقصى للعقوبة الحبسية المشار إليها أعلاه. -الفصل 358 : يجرم ويعاقب على التزوير في محرر عرفي، بعقوبة حبسية من سنة إلى خمس سنوات و غرامة تتراوح بين 250 إلى 2000 درهم، مع إمكانية الحكم بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 وبالمنع من الإقامة مدة لا تزيد عن 5 سنوات . -الفصل 359 : يجرم استعمال الورقة المزورة مع علم من استعمله بتزويره. -الفصل 1-359 : تمت إضافة هذا الفصل بمقتضى القانون رقم 33.18 وهو يضيف المحامي إلى خانة الأشخاص المعنيون بالتجريم و العقاب على فعل التزوير في المحررات العرفية أو المتعلقة بالتجارة أو البنوك، شريطة أن يكون مؤهلا قانونا لتحرير العقود الثابتة التاريخ طبقا لمقتضيات المادة 4 من مدونة الحقوق العينية . الفقرة الثانية : تزوير الأوراق العرفية أو المتعلقة بالتجارة و البنوك في مدونة التجارة جرم المشرع التزوير في الأوراق المتعلقة بالتجارة والبنوك في مدونة التجارة كذلك ، كنص خاص ، ويتعلق الأمر ب: التزوير في الشيك ، بحيث نصت المادة 316 من م.ت ، على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة تتراوح بين 2000 إلى 10,000 درهم ، دون أم تقل قيمتها عن 25% من مبلغ الشيك أو من الخصاص :…….3- من زيف أو زور شيكا …….. التزوير في وسائل الأداء ، بحيث عاقب المشرع التجاري في المادة 331 بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 316 كل من زيف أو زور وسيلة الأداء أو استعملها عن علم بتزويرها أو قبل عن علم الأداء بواسطتها. المبحث الثاني: التزوير الإلكتروني في الأوراق الرسمية والعرفية نتيجة للتطور الإلكتروني، فإن الجريمة قد تطورت معه ، بحيث أصبحنا نعيش واقع الجريمة الإلكترونية ، هذه الجريمة التي تصدت لها الإتفاقيات الدولية أهمها إتفاقية بودابست ، كما تصدى لها التشريع الوطني بمقتضى القانون رقم 03.07 المتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات . و من بين التجريمات التي تطرقت لها كل من الإتفاقية و القانون رقم 03.07 ، جريمة التزوير المتعلقة بالكمبيوتر وبالوثائق المعلوماتية . المطلب الأول: إتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة الإلكترونية تهدف إتفاقية بودابست إلى حماية المجتمعات ضد الجريمة الإلكترونية ، وذلك من خلال عدة أمور منها ، إقرار التشريع الملائم و دعم التعاون الدولي . وقد جرمت في مادتها السابعة فعل التزوير المتعلق بالكومبيوتر، إذ أوجبت على كل دولة طرف بأن تعتمد ما قد يلزم من تدابير تشريعية و تدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية في قانونها الوطني ، إذا ما ارتكبت عمدا، وبغير حق، و تسببت في إلحاق خسارة بملكية شخص آخر عن طريق : أي إدخال أو تبديل أو محو، أو تدمير لبيانات كومبيوتر ، أي تدخل في وظيفة كومبيوتر ، بقصد احتيالي أو غير أمين للحصول و بدون وجه حق على منفعة إقتصادية لصالح الشخص ذاته أو لصالح الغير. إذن فالمادة السابعة من هذه الإتفاقية تجرم فعل التزوير المتعلف بالكومبيوتر، محددة في ذلك وسائل ارتكابه و الغرض منه، كما أقرت بأن جريمة التزوير هي جريمة من الجرائم العمدية. المطلب الثاني: القانون رقم 03.07 المتعلق بالمس بنظم المعالحة الآلية للمعطيات . نص المشرع في الفصل 7-607 من القانون رقم 03.07 ، كما أدرجت أحكامه في مجموعة القانون الجنائي ، على مايلي: «دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبالغرامة من 10,000إلى 1,000,000 درهم كل من زور أو زيف وثائق المعلوميات أيا كان شكلها إذا كان من شأن التزوير أو التزييف إلحاق ضرر بالغير . دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، تطبق نفس العقوبة على كل من استعمل وثاىق المعلوميات المشار إليها في الفقرة السابقة و هو يعلم أنها مزورة أو مزيفة .» يتبين من هذا الفصل أن المشرع جرم فعل التزوير في الوثائق المعلوماتية دون أن يحدد شكلها ، تاركا المجال مفتوحا لشتى الأنواع منها الرسمية أو العرفية ، مجرما كذلك فعل إستعمال الوثائق المعلوماتية المزورة مع العلم بتزويرها . خلاصة القول ، إن المشرع الجنائي أحسن صنيعا بتوسعه في تجريم مختلف أفعال التزوير التي قد تطال الأوراق الرسمية والعرفية أوالمتعلقة بالتجارة و البنوك ،من طرف كل موظف عمومي أو عدل أو موثق أو محامي ،خاصة بصدور القانون رقم 33.18 الذي أتى بالمستجدات السابق الإشارة إليها ، إن على مستوى التجريم أو العقوبة أو التوسع في دائرة الأشخاص المعنيون بالتجريم . الهوامش: الفرق بين التزوير والتزييف والتحريف، هو أن التزوير يعني تغيير معالم الورقة أو بعض معالمها، أما التزييف فهو خلق وثيقة من العدم بالزيادة والنقصان، أي خلق ورقة مشابهة بتقليدها للورقة الأصلية، في حين أن التحريف وهو نوع من التزوير،يعني أن يتم التحريف في مضمون الورقة. ما يأخذ على هذا الفصل هو عدم الإنسجام لأنه اقتصر على ذكر العدل دون الموثق . إعداد : خديجة معطى الله ياحثة في الشؤون القانونية لائحة المراجع: مجموعة القانون الجنائي مدونة التجارة