الدريوش: قطاع الصيد سجل استثمارات فاقت 930 مليون درهم وخلق 126 ألف منصب شغل    حضور مغربي قوي في جوائز الكاف للسيدات    الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخطاء الطبية بالمغرب..
نشر في بيان اليوم يوم 06 - 03 - 2011


أطباء خانتهم البصيرة فحولوا آمال مرضاهم إلى مأساة
يلاحظ غياب أقسام للإنعاش بعدد من المستشفيات الوطنية, علما أنه تتم ببعضها ما بين 3500 و 4000 ولادة سنويا
لا يهم من أي البلاد أنت وإلى أي فئة عمرية تنتمي وأي شريحة اجتماعية تمثل وأي مهنة تمارس وأي ديانة تعتنق, كائنا من تكون فأنت عرضة, كما كثيرون مثلك, سهوا أو عمدا, من طبيب أو جراح أو طبيب مخدر أو ممرض رئيسي لخطأ طبي قد يرديك قتيلا أو يقعدك عن الحركة أو يسبب لك عاهة مستديمة أو, في أحسن الأحوال, عقدا نفسية وجراحا لا تندمل .
لم يخطر ببال كثيرين أن تتحول لحظات فرح وسرور, لقرب إجراء عملية جراحية, أو ولادة قيصرية, أو زرع لكلية, أو إزالة تكثف عدسة العين «الجلالة», ابتهاجا بخلاصهم من ألم لازمهم, إلى ترح وكابوس مخيف نكد عيشتهم وأفقدهم أعز ما يملكون.
عمليات كانت تبدو, إلى عهد قريب, بسيطة وفي المتناول لكن أطباء, منهم دخلاء لا علاقة تجمعهم بمهنة الطب لا من قريب ولا من بعيد, ومنهم مستهترون خانوا مبادءهم وخيل إليهم أن بني جلدتهم لا يعدون أن يكونوا مجرد فئران تجارب يفعلون بهم ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب, ومنهم أطباء نزهاء أساءوا التقدير وتسببوا في ما لا يحمد عقباه, جعلوا الأمر بالنسبة للمرضى يبدو وكأنه حرب ضروس يصعب كسبها.
الجمعية المغربية لضحايا الأخطاء الطبية.. بارقة أمل لرد الاعتبار للضحايا
رأت الجمعية المغربية لضحايا الأخطاء الطبية النور يوم 30 يناير 2011, استجابة لرغبة المواطنين ممن لحق بهم الضرر جراء أخطاء طبية قاتلة, أو من ينوب عنهم.
ويندرج تأسيس هذه الجمعية, يقول رئيسها السيد محمد حمضي, في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء, في إطار الجيل الجديد من الحقوق التي يعرفها المغرب, وذلك بالانتقال من المطالبة بالحقوق ذات الطابع السياسي كحرية التعبير وحرية الصحافة إلى حقوق ذات طابع ثقافي واقتصادي واجتماعي, ورغبة في تمكين المتضررين من إسماع صوتهم بشكل جماعي ومنظم.
وتتجلى أهداف الجمعية, يضيف السيد حمضي, في دعم المتضررين نفسيا ومعنويا والانتصاب كطرف مدني إزاء الأخطاء الطبية وتبعاتها أمام القضاء, وخلق مرصد وطني ومركز للاستماع لفائدة الضحايا, مبرزا أنها تعتزم عقد لقاءات وندوات وطنيا ودوليا مع جمعيات أخرى لتبادل الأفكار والتجارب.

وأبدى استغرابه من أن يكون لمهنة الطب أجهزة وتنظيمات تدافع عنها وتفاوض باسمها وترعى حقوقها كهيئة الأطباء ونقابات القطاع الحر والنقابة الوطنية للتعليم العالي بالنسبة لأطباء القطاع العمومي, بيد أن المريض يترك وحيدا دون حماية أو سند مشيرا إلى أن هذا كان الداعي الأساسي لخلق جهاز يدافع عن حقوق المرضى ويتبنى قضاياهم ويشكل إطارا لتبادل التجارب ومؤازرة بعضهم البعض خاصة في القضايا المعروضة على المحاكم والإنصات لبعضهم البعض, وتنسيق الجهود في ما بينهم لإثبات الخطأ الطبي وضمان الحد الأدنى من التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقتهم.

ويعتبر عضوا بالجمعية المغربية لضحايا الأخطاء الطبية التي يلتحق بها الضحايا وذوو الحقوق, يقول السيد حمضي, «كل ضحية خطأ طبي أو من ينوب عنه, سواء كانت أمه أو أخته أو شخص آخر, بعد تزكية من الضحية», مضيفا أن الجمعية تلقت اتصالات من مواطنين من مدن عدة كفاس ومراكش والعيون وخنيفرة وطنجة وبركان ووجدة, يؤكدون فيها أن تأسيس الجمعية شكل بارقة أمل بالنسبة لهم. 

الأخطاء الطبية بالمغرب.. فراغ قانوني وتشريعي قاتل
يقول السيد عبد الرحيم فكاهي, الكاتب العام للجمعية المغربية لضحايا الأخطاء الطبية, إن هناك فراغا قانونيا فظيعا في ما يتعلق بالملف الطبي إذ لا وجود لوسائل قانونية توفر إمكانية الولوج لهذا الملف, وليس هناك قانون خاص ينظم هذا الأمر باستثناء القانون 94-10 المتعلق بمزاولة مهنة الطب الذي ينص على أن «الطب مهنة إنسانية».
ليس هذا فحسب, يضيف السيد فكاهي في حديث مماثل, «فهناك أطباء يزاولون ضمن القطاع العام ويشتغلون في القطاع الخاص بدون وجه حق», حيث «كانت الوزارة الوصية قد منحت بعض الأساتذة مهلة لمزاولة المهنة ورغم انصرامها مازالوا يمارسون ضدا على القانون», زد على ذلك الإشكال المتعلق بالإثبات حيث يطلب من المريض أن يثبت بأن الطبيب لم يخبره ولم يبصره.
ويرى الكاتب العام للجمعية أن بعض الأفعال المشينة التي لا تليق بمهنة الطب كالتكتم على الخطأ الطبي ومحاولة إيهام المريض بأن شيئا لم يقع, أفعال خطيرة تنم عن حس إجرامي, مبرزا أنه من غير المعقول اللجوء بشكل دائم إلى تحميل الشخص المتضرر المسؤولية.
ويجب الاعتراف, يقول السيد حمضي, بأن أي عمل جراحي يحتمل الخطأ والصواب، لكن يتعين, على الأقل, إخبار المتضرر ودفع تعويض له عن الضرر الذي لحقه عملا بالقاعدة الشرعية «الضرر يجب أن يزال», مشيرا إلى أن معاناة المريض في هذه الحالة تتضاعف, فإلى جانب وقوعه تحت وطأة الآثار الجانبية والنفسية للخطأ الطبي, تلصق به, دون وجه حق, مسؤولية ما وقع .
ولفت إلى أنه حين يتم اللجوء إلى المحاكم بغرض الاستعانة بالخبرة الطبية, يلاحظ أن هناك نوعا من «التضامن» بين الخبراء والأطباء، «وهذا في حد ذاته إشكال لأن جل المتضررين لا دراية لهم بالمساطر ولا يكون بجانبهم أطباء كي يقدموا لهم الاستشارات اللازمة ويبصروهم بمحتوى الملف وفحوى التقرير الطبي».
ويرى السيد فاكهي أن هناك إشكاليات كبيرة للولوج إلى القضاء، «فثمة لبس يعتري المسؤولية المدنية في ما يتعلق بالأطباء, ففترة التقادم تدوم عادة ما بين 15 و 20 سنة, والناس يجهلون هذا المعطى ويظنون أنه بانصرام سنة ينقضى الأمر ولا يحق لهم بعد ذلك رفع أي دعوى», مسجلا الضعف الذي يعتري التكوين في المجال القضائي لأن الاجتهادات القضائية في مسألة الملف الطبي قليلة جدا ولا تنشر إلا لماما, حتى يطلع الناس على فحواها. وشدد على أن «ما يحز في النفس هو وجود حالات لأطباء دخلاء على الميدان ولا تربطهم به أية علاقة انبروا لعمليات جراحية غاية في الحساسية والدقة وعبثوا بأرواح كثير من الناس, وتحوم شكوك كبيرة حول مصداقية الشهادات التي حصلوا عليها والتكوينات التي تلقوها», داعيا الوزارة الوصية إلى تفعيل آليات المراقبة وإنزال أقصى العقوبات بالمخالفين.
ينضاف إلى هذا, يقول السيد فكاهي, إشكالية التأمين, «فكثيرة هي المصحات غير المؤمنة على المسؤولية المدنية المهنية, ولا وجود لنص قانوني ينص على إلزامية التأمين, مسجلا باستغراب غياب لائحة بأسماء الأطباء الرسميين بالموقع الإلكتروني للأمانة العامة للحكومة, حتى يتسنى التأكد من أن هذا الطبيب أو ذاك حاصل على الترخيص ويزاول مهامه بصفة قانونية, مما يطرح إشكالا حقيقيا هو الغياب التام لمسألة إخبار وتبصير المريض في أجندة الهيئات المعنية.
معركة الملف الطبي.. أو البحث عن الفردوس المفقود
بأي حق يحرم الضحية من أخذ ملفه الطبي, يتساءل رئيس الجمعية, السيد محمد حمضي, مشددا على أن «مسألة الملف الطبي يجب أن تنظم لتمكين المتضررين من حقهم المشروع في متابعة الجناة وإدارة معركتهم الأساسية بنجاح». وأوضح أن «الملف الطبي للمريض هو مجموع الأوراق الإدارية والطبية المرتبطة بالمسلسل العلاجي», مشيرا إلى أنه «تعتري هذا الملف نقائص كثيرة ويكتنفه غموض ولبس كبير, إلى جانب الإشكالات المتعلقة بكيفية الحصول على نسخ منه, والغياب شبه التام للتقارير الطبية عقب إجراء العمليات الجراحية, واحتفاظ بعض المصحات بالأوراق والشهادات الخاصة بالمريض ورفضها جملة وتفصيلا إرجاعها له».
كما يبرز في هذا الباب, يقول السيد حمضي, غياب التقارير الجراحية بعد إجراء العمليات الجراحية, وفي حال صدر احتجاج عن الضحية, «يقع أحيانا تحريف الملف الطبي لعدم وجود ضمانات», مشيرا إلى أنه حتى عندما يلجأ بعض الضحايا إلى المحاكم، «يكون الفشل الذريع مآلهم في انتزاع الملف الطبي لعدم وجود أي نص قانوني ملزم».
ولفت الانتباه, أيضا, إلى رفض كثير من الأطباء إعطاء المرضى ملفهم الطبي وبالتالي «محاولة طمس معالم الجريمة والتستر عليها», مشيرا إلى وجود ملفات طبية مكتوبة بلغة غير سلسة وغير واضحة وتعوزها التوضيحات الكافية, وأحيانا تسلم أوراق لا تحمل أي ختم أو توقيع, مما يعني غياب معايير أو ضوابط تحدد الخطوط العريضة للملفات الطبية.
وشدد في هذا السياق على «أهمية تنظيم الحق في الولوج إلى الملف الطبي وتنظيم الملف الطبي في حد ذاته, ولم لا إلزام المستشفيات والمصحات بإجراء مسح إلكتروني لهذا الملف», من خلال وضع مسار للملف الطبي للمريض يتضمن جميع الفحوصات التي أجراها ويتيح لجميع الأطباء الذين يتابعون حالة المريض الاطلاع على مسار فحوصاته, وبالتالي تمكينه من هوية إلكترونية طبية, متسائلا عن «غياب أقسام للإنعاش بعدد من المستشفيات الوطنية, علما أنه تتم ببعضها ما بين 3500 و 4000 ولادة سنويا».
ضحايا الأخطاء الطبية.. رجال ونساء يعانون الأمرين فهل من خلاص
يقول السيد (ك .م) وهو أب لطفل: «كانت زوجتي البالغة من العمر 26 سنة حاملا في شهرها التاسع ولما أزفت لحظة وضعها حملتها إلى أحد المستشفيات, علما أن وضعها الصحي كان جيدا ولم تكن تعاني من أي سوابق مرضية أو أعراض جانبية, وكان الأطباء قد أخبروني بأن الولادة ستتم بواسطة عملية قيصرية حفاظا على سلامة الجنين, فلاقى طلبهم قبولا عندي وتم تحديد موعد إجراء العملية والقيام بالترتيبات اللازمة فاستبشرت خيرا وخلت أن الأمور تسير على ما يرام». لكن الذي حدث, يحكي (ك .م)، وهو موظف ميسور الحال, في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء, أنه «تم إخباري قبيل البدء في إجراء العملية بأنه سيجرى لزوجتي تخدير بهدف تجنيبها الشعور بالألم وضمان إجراء العملية في أحسن الظروف, فأبديت موافقتي على الأمر.. تم الشروع في العملية التي أكد لي أكثر من مصدر طبي أنها ستمر بسلام ولا مجال للخوف كون زوجتي كانت تنعم بصحة جيدة ولا تعاني من أي مشاكل أو أعراض». واستطرد, «انتظرت برهة من الوقت وطال انتظاري لخبر أتحرق شوقا لسماعه ...انتابني إحساس بالخوف, بدأت فرائصي ترتعد وزاد وجوم مطبق ساد المكان في إثارة حفيظتي, فقد.. فجأة فتح باب وتقدمت إحدى الممرضات نحوي والوجوم يعلو محياها، سألتها ما الأمر؟.. لم تطاوعها الكلمات, وأمام إلحاحي أخبرتني بأن زوجتي في حالة حرجة وأنها دخلت في حالة غيبوبة, فدقات قلبها توقفت لما يزيد عن 15 دقيقة وتنفسها توقف هو الآخر, والمستشفى لا يتوفر على قسم للإنعاش, مما يستدعي نقلها على وجه السرعة إلى مستشفى ثان يوجد به قسم للإنعاش لإنقاذ حياتها وتلافي ما لا يحمد عقباه.. أما المولود, تضيف الممرضة, فوضعه طبيعي ويخضع للعناية».
تم نقل زوجتي, يقول السيد (ك.م), بواسطة سيارة إسعاف, في وضع حرج إلى مستشفى يبعد بنحو 10 كلمترات عن المستشفى الأول.. «وحين وصلنا المسشتفى رفض مسؤولوه استقبالنا أو السماح للزوجة بالدخول رغم اطلاعنا إياهم على وضعها والتفاصيل الكاملة لما جرى, مبررين ذلك بأنهم ليسوا مسؤولين عما آل إليه وضعها وما ارتكب في حقها.. ولبثت المسكينة في سيارة إسعاف, لا تحمل من الإسعاف إلا اسمه, أزيد من 20 دقيقة تصارع شتى صنوف الألم والعذاب, وبعد مفاوضات عسيرة قبل القيمون على المستشفى إدخالها لكن بعد فوات الأوان وبعد ما ازدادت حالتها سوء وصار إنقاذ حياتها ضربا من المحال».
تم إخباري, يضيف الزوج المكلوم, في ما بعد أنه أجري لزوجتي تخدير كلي لحظة خضوعها للعملية بأمر من الطبيب المشرف, «وهو ما شل حركتها وأفقدها الوعي وأدخلها في غيبوبة امتدت عامين, لتسلم بعدها الروح إلى بارئها, مع العلم أن التخدير الكلي, حسب شهادات استقيتها من عدد من الأطباء المختصين لا يقع إلا في 3 بالمائة من الحالات».
قصة مماثلة يحكيها (ح .م) من سلا الذي يعمل أجيرا لدى إحدى الشركات, يقول فيها: «كانت زوجتي حاملا وأخذتها إلى أحد المستشفيات من أجل وضع مولودها، وبعد إخضاعها للفحوصات الطبية اللازمة والتأكد من الحالة الصحية السليمة للجنين، سمح لها بدخول المستشفى. كانت الساعة تشير إلى الثامنة ليلا حين تم إخباري بأن الولادة ستتم في اليوم الموالي وبأن لا سبب يستدعي بقائي بالمستشفى. وبعد وصولي إلى البيت وأخذي قسطا من الراحة، تلقيت مكالمة هاتفية من أحد موظفي المستشفى يخبرني بأني رزقت بمولود, وبأن زوجتي تنعم بصحة جيدة, لكن حين سألته عن جنس المولود وحالته الصحية أجاب بأنه لا يتوفر على أي معطى».
إذاك يضيف (ح .م), «عدت أدراجي إلى المستشفى رغم بعد المسافة تلهفا لرؤية المولود ورغبة في الاطمئنان على الوضع الصحي للزوجة .. وحين وصلت لم أجد المولود بجانب أمه .. زاد استغرابي وحين سألتها ردت بأن لا علم لها بالأمر وأنها هي الأخرى لم تره ولا تعرف إن كانت رزقت بذكر أو أنثى. توجهت حالا, يستطرد, للقيمين على المستشفى علي أجد جوابا، فلما ووجهت بالرفض وليت وجهي شطر قسم إنعاش الأطفال علي أجد المولود هناك، فلم أجد له أثرا, توجهت بعدها بالسؤال إلى أطباء المستشفى فأبوا الإدلاء بأية معلومات, اللهم إخباري بأني رزقت بأنثى».
أمام هذا الصمت المطبق وغير المفهوم, يحكي (ح. م) «وبعد تأكدي بما لا يدع مجالا للشك بأن لا أثر لابنتي بالمستشفى، رحت أبحث عنها في مستشفيات أخرى علي أجد لها أثرا, فباءت مساعيي بالفشل, وضاقت بي الأرض بما رحبت، وتسمرت في مكاني وسألت الله أن يفرج همي ويعينني في محنتي, وبعد أن قضيت 22 ساعة كاملة من البحث والسؤال دون أن تكلل مساعي بالنجاح, قررت الرجوع إلى المستشفى حيث وضعت زوجتي علهم يفيدونني بشيء أو يدلوني على مكان وجود ابنتي فتم إخباري في نهاية المطاف بأن ابنتي ترقد بإحدى المصحات الخاصة وأن حالتها مستقرة». 
توجهت للتو, يضيف (ح .م) للمصحة، «وبعد إدلائي بمعلومات دقيقة، دلوني على مكان تواجد ابنتي دون أن يمدوني بأي تقرير طبي يخصها أو ما يدل على هويته... تقدم نحوي أحد الأطباء ليخبرني بأن ابنتي تعاني من نقص في الأكسيجين وأن الطبيبة التي أشرفت على عملية ولادتها بالمستشفى الأول أمرت بنقلها إلى المصحة دون إرفاقها بأي تقرير طبي أو عنوان, وقال لي إن تعافيها يتطلب رقودها بالمستشفى مدة تتراوح بين أربعة وخمسة أيام».
وبعد مرور يومين, يروي السيد (ح.م)، «ذهبت بمعية زوجتي لرؤية الرضيعة، فأثار انتباهنا وجود آثار احمرار وزرقة على مستوى يدها, وتفاجأنا في اليوم الموالي بأن حالتها ازدادت سوء دون أن يحرك الطبيب المعالج ساكنا, وعوض أن يطلعنا على ما استجد في حالتها وما يعتزم القيام به لتدارك الوضع، تبجح قائلا بأنه يعرف ما يلزم القيام به ولا حق لنا في المعرفة والسؤال, وهدد بطردي من المصحة وتفوه بكلام جارح في حقي».
استمر الوضع على ما هو عليه إلى أن بلغت الرضيعة يومها العاشر, «فجئت لزيارتها كما جرت العادة ليتم منعي من الدخول... ولما سمح لي برؤية فلذة كبدي، لم أصدق مارأيت، وكاد يغمى علي... لقد بتروا يدها اليمنى دون وجه حق وأردوها معاقة تصارع الألم, دون استشارتي أو حتى إخباري بما كانوا ينوون فعله».
بقيت الرضيعة, يتابع (ح .م) على ذلك الحال مدة ليست بالهينة.. «أتعهدها فيها بالرعاية والتطبيب, وقررت إزاء ذلك رفع مجموعة من الدعاوي أمام المحاكم لرفع الظلم الذي لحق بي والقصاص ممن ألحقوا الأذى بزوجتي وابنتي, وكذا للمطالبة بتعويضات عما سببه لي ذلك الفعل الشنيع من أضرار نفسية ومادية, طردت بسببها من العمل وارتميت في أتون الفقر والحرمان».
حتى لا تتكرر المأساة
يرى السيد عبد الرحيم فكاهي أنه تلافيا لتكرار مآسي من هذا القبيل, يتوجب, قبل فوات الأوان, سد الفراغ التشريعي والقانوني, وتكوين قضاة متخصصين في مجال المسؤولية المدنية والحرص على تطبيق القوانين وتشديد المراقبة.
وأكد أن الكل يتحمل قسطا وافرا من المسؤولية في ما يجري مما يفرض على الوزارة الوصية والمجالس الجهوية للحسابات والهيئة الوطنية للأطباء الاضطلاع بدورها كاملا في تفعيل الرقابة والقيام بالتوعية اللازمة, مشددا على ضرورة أن تضطلع الأمانة العامة للحكومة أيضا بدورها في تيسير الولوج إلى المعلومة, وذلك بنشر لائحة بأسماء الأطباء المرخص لهم بمزاولة المهنة بموقعها الإلكتروني حتى يكون المرضى على بينة من أمرهم.
وشدد السيد فكاهي على ضرورة إلزامية التأمين بالنسبة للأطباء خصوصا بالنسبة للمسؤولية المدنية, وعلى وجوب وضع آليات للوساطة بين المستشفى والمريض وإنشاء صندوق للتعويض من المال العام لفائدة المتضررين, إضافة إلى تكوين أطباء في مجال الوساطة.
وقال «لم لا يكون بعض الأطباء قضاة كونهم على دراية بكثير من الملفات», مشيرا إلى أن «الاعتماد على الخبراء فقط في مسألة إثبات وجود الضرر يكون في كثير من الحالات أمرا غير ذي جدوى نظرا لوجود نوع من التعاطف من لدن بعض الخبراء مع الأطباء, وامتناعهم غير ما مرة عن الإدلاء بخبرتهم حين يتعلق الأمر ببعض الملفات الشائكة».
من جهته, دعا السيد حمضي إلى الوقوف على الاختلالات التي تعتري الشهادات الطبية وضبط المعايير وتكثيف عمليات المراقبة, بهدف التصدي للتجاوزات الكبيرة الحاصلة بها, مبرزا أهمية تكليف هيئات مستقلة بالبت في القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية ومدها بالوسائل والآليات الضرورية للقيام بمهامها على أكمل وجه, تلافيا لإمكانية مناصرة أعضاء بهيئة الأطباء لبعضهم البعض.
وبخصوص المصحات, أكد رئيس الجمعية المغربية لضحايا الأخطاء الطبية على ضرورة تفعيل آليات مراقبتها وإلزامها على تقديم خدمات للمواطنين تتناسب والمبالغ المالية الطائلة التي تجنيها, مقترحا في هذا الصدد أن يتم من الآن فصاعدا وضع تصنيفات خاصة بالمصحات بناء على المركبات الجراحية التي تتوفر عليها وعدد الأطباء العاملين بها ومستوى الخدمات التي تسديها للمواطنين. 

وشدد في الختام على ضرورة تعزيز المناهج الدراسية بكليات الطب بالمغرب بمقررات تشرح, بكيفية مستفيضة, المقتضيات المتعلقة بقانون الطب للتلاميذ الأطباء كي يعوا خطورة وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم, حتى نتلافى تكرار نفس المآسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.