أكد وسيط المملكة، محمد بنعليلو، على الرهان بجعل مؤسسة الوسيط أكثر تجسيدا لدورها كمؤسسة دستورية ليس من مهامها الرئيسية إنتاج التوصيات والمقررات فحسب، وإنما إيجاد الحلول ورد المظالم كذلك، كاشفا في هذا الصدد أن هناك 600 توصية من التوصيات التي سبق أن أصدرتها مؤسسة الوسيط لم تجد طريقها بعد للتنفيذ، معلنا حرص الوسيط على إيجاد حلول لها مع الإرادات المعنية في إطار اللجان المشتركة. جاء هذا التأكيد خلال الندوة الإخبارية التي نظمتها المؤسسة أول أمس الأربعاء، بمقر المعهد العالي للقضاء، والتي حضرها عدد من أعضاء الحكومة ونخبة من سامي القضاة، ورؤساء المؤسسات الدستورية، وكبار المسؤولين في مختلف القطاعات الإدارية، وتمثيليات عن مختلف مكونات النسيج الجمعوي والأكاديمي، وذلك إيذانا بتوجه يأخذ بعين الاعتبار الأدوار الجديدة للمؤسسة طبقا لمنطوق الدستور والقانون الجديد المنظم لها، بتجديد التعامل مع قضايا المتظلمين وإجراء قطيعة حقيقية مع الممارسات التي تهدر الزمن والفرص التطويرية لأداء المؤسسة، في إشارة لبطئ تفاعل عدد من الإدارات مع هذه الأخيرة. وقال بنعليلو، خلال تقديمه المخطط الاستراتيجي لمؤسسة الوسيط “وسيط المملكة في أفق 2023″، أي المخطط الخماسي، على أن هذا الأخير يعد وسيلة لجعل المؤسسة أكثر قربا من المواطن، عبر دعم شفافية أدائها، وتحسين بنية الاستقبال، وتسهيل وتنويع سبل الولوج إلى خدماتها، وأكثر انفتاحا وتواصلا مع الإدارة، لجعلها متفاعلة مع تدخلات وتوصيات وسيط المملكة”. وشدد منبها على أن “تحقيق نتائج ملموسة ومستدامة، على هذا المستوى، يستدعي عملا جادا مشتركا، يؤسس لانخراط جماعي في خدمة المواطن بعيدا عن الأنانيات القطاعية، والممارسات التي تساهم في اتساع دائرة أزمة الثقة في أداء مؤسساتنا ومرافقنا العمومية”. وأعلن أن مؤسسة الوسيط، في إطار الحرص على ضمان المعلومة، ستتولى الإعلان عن نتائج جلسات عملها مع الإدارات المعنية بإيجابياتها وسلبياتها، وتفاعل المؤسسة مع القضايا ذات العلاقة بالحكامة الإدارية وترسيخ التخليق. واعتبر وسيط المملكة أن التدخل في الوقت المناسب، وتحقيق نتائج ملموسة للمتظلمين، يشكلان أحد أكبر التحديات التي تواجه المؤسسة في هذا الصدد، معلنا أن مسار وضع المخطط الاستراتيجي لم يغفل هذا الجانب، حيث وقف على جوانب النقص والعوائق التي تطبع عمل المؤسسة منها ما يرتبط بالناحية التشريعية أو المهنية أو التدبيرية أو الموارد البشرية أو المالية، حيث أكد أن المخطط سيشكل دعامة أساسية لمرحلة متقدمة من مراحل التطور العميق لأداء هذه المؤسسة، ونقلة نوعية نحو اضطلاعها بوظيفتها بأداء جيد في التجاوب مع المرتفقين، خاصة وأن دورها يرتبط بتحقيق العدالة المرفقية بأبعادها ودلالاتها المختلفة. وأوضح في هذا الصدد أن المخطط الاستراتيجي سيكون أداة فعالة لتطوير التواصل بين الإدارة والمؤسسة، ووسيلة عملية لجعل هذه الأخيرة تشتغل وفق أهداف تكرس قيم الوساطة المؤسساتية، بوسائل وآليات للتدخل، تتوخى تحقيق الانتقال المنشود من معالجة الشكايات والتظلمات إلى قوة اقتراحية لدعم الإصلاح التشريعي والإداري والقضائي الذي تشهده المملكة. وبالرغم من محدودية الموارد المالية، إلا أن وسيط المملكة أبدى عزمه مواصلة المؤسسة انخراطها في تنفيذ الورش الوطني للجهوية المتقدمة، وذلك مساهمة في دعم العدالة المجالية، عبر نهج سياسة القرب المكاني من المواطن ولا تمركز القرار، وفق تعبير محمد بنعليلو. وأعلن في هذا الصدد، عن تضمن المخطط جانبا يهم مراجعة خارطة الانتشار الجهوي، لإعادة ضبط الامتداد الترابي لمؤسسة الوسيط عبر تمثيلياتها الجهوية واختصاصها المحلي، بما يسمح بتحقيق التغيير المنشود في إطار سياسة شمولية مندمجة تؤسس لرؤية جديدة لتدخل المندوبيات الجهوية والمحلية. كما أعلن عزم المؤسسة دخول حقبة معلوماتية أكثر تقدما وأكثر مهنية، بحيث يتم الحرص على مبدأ الحق في الولوج إلى المعلومة لجميع المرتفقين على قدم المساواة، أي حتى بالنسبة للفئات التي لا تحسن استعمال التكنولوجيات الحديثة. وفي قراءة أولية لمضمون هذا المخطط الاستراتيجي، قال المندوب الوزاري الأسبق لحقوق الإنسان، والخبير في القانون الدولي الإنساني، المحجوب الهيبة “إنه مخطط طموح واقعي واستشرافي”، مؤكدا على أهمية التخطيط لاضطلاع مؤسسة حكامة وطنية بأدوراها، ينبني على ترصيد التراكمات وتصور قوامه التواصل والقرب من المواطن لحل مشاكله والتجاوب مع تظلماته، خاصة في ظل سياق ارتفع فيه سقف المطالب الحقوقية كما ونوعا، حيث يمكن لمؤسسة الوسيط أن تقوم بدور المدافع والحامي وتكون الملاذ والملاحظ بل المجتهد والمجدد كمؤسسة للوساطة، حسب ذكر الدكتور الهيبة الذي خبر دواليب المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومسار إرساء مساراتها. ونبه الهيبة إلى مجموعة من التحديات التي تواجه مؤسسة الوسيط، والتي يأتي على رأسها على المستوى الوطني، مسألة تحدي التفاعل والتنسيق مع الإدارات والمؤسسات العمومية الأخرى، خاصة وأن مؤسسة الوسيط عبر وظائفها تنغمس في مشروع تحديث وإصلاح الإدارة، فضلا عن تحدي وضع مسافة بينها كمؤسسة وطنية والسلطات من أجل ضمان الاستقلالية، وجوانب تهم التكوين والتكوين المستمر ونقص في الموارد المالية. هذا فضلا عن تحديات ترتبط بالسياق الدولي والإقليمي الذي بات يعرف تطورات سلبية تؤثر على عمل مؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، والتي توجد على رأسها العولمة وجوانبها السلبية، المتمثلة في تصاعد مد الانطواء الهوياتي وتزايد التطرف والعنصرية وتصاعد المد الشعبوي، مراهنا على الاجتهاد الذي طبع عمل مؤسسة الوسيط منذ إحداثها على مدى 19 عاما، حيث بات بإمكانها مواصلة تعزيز مكانتها إقليميا خاصة بعد استرجاع المغرب لمكانته داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وتوسيع إشعاعها على المستوى الدولي وعلاقاتها داخل الفضاء المتوسطي والقارة الأوروبية.