تجددت الاضطرابات صباح أمس الأحد لليوم الثاني على التوالي بمدينة الداخلة بين متظاهرين والقوات العمومية، وحسب حصيلة أولية فقد لقي شخص واحد على الأقل مصرعه خلال هذه المظاهرات، التي اندلعت ليلة الجمعة السبت، عقب أمسية فنية، وأسفرت عن جرح العديد من الأشخاص وإلحاق خسائر مادية جسيمة بالممتلكات الخاصة وإحراق العديد من المؤسسات العمومية. وأعلنت السلطات المحلية عن إلغاء ما تبقى من مهرجان البحر والصحراء الذي تحتضنه المدينة في الفترة ما بين 24 و27 فبراير الحالي. تفاديا لوقوع مزيد من المواجهات بين السكان، ومحاولة فرض الأمن والهدوء في المدينة. سيارات محروقة وواجهات بنيات مهشمة ومقاهي ومحلات طالها التخريب، ومؤسسات عمومية وبيوت المواطنين لم تسلم بدورها من أعمال النهب والسرقة، كان هذا هو المشهد الذي استيقظت عليه ساكنة مدينة الداخلة، بعد ليلة من المواجهات الدامية بين شباب وحدويين وآخرين موالين للأطروحة الانفصالية، مباشرة بعد انتهاء حفل للفنان محمد رويشة في إطار فعاليات مهرجان البحر والصحراء الذي تحتضنه المدينة في هذه الفترة من كللسنة والذي دخل دورته الخامسة هذا العام. مساء يوم الجمعة احتشدت جماهير غفيرة بساحة الحسن الثاني، قدرتها بعض المصادر بحوالي 20 ألف شخص، لحضور فعاليات الأمسية الفنية المخصصة لتكريم الفنان والموسيقار عبد الوهاب الدكالي، رجال وشباب ونساء وأطفال لبوا الدعوة لحضور لحظة تكريم واحد من عمالقة الفن والموسيقى بالمغرب. وبين الحاضرين كان بعض الشباب يهيئ العدة لإفساد هذا العرس الفني والحضاري، وبدأت مناوشات صغيرة بينهم وبين أندادهم الذي أطلقوا العنان لفرحتهم للتعبير عن مشاعرهم اتجاه الوطن واتجاه المحتفى به. واستمرت الأمسية التي كانت تضم عدة فقرات موسيقية يحييها فنانون من المغرب وموريتانيا وفرنسا، على إيقاع الموسيقى والطرب، وفي الجانب الآخر استمرت مناوشات بعض الشباب الموالين للأطروحة الانفصالية في استفزاز أقرانهم الذين كانوا يهتفون بمغربية الصحراء. ومباشرة بعد انتهاء الحفل في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة السبت، اندلعت مواجهات بين مواطنين وحدويين وموالين للأطروحة الانفصالية، امتدت إلى الساعات الأولى من صبيحة السبت. وأفاد شهود عيان أن المواجهات التي اندلعت بين بعض الشباب والتي انطلقت شرارتها من مكان الحفل، اتخذت طابعا عنيفا في حي أم التونسي أحد أحياء مدينة الداخلة، واستعملت فيها جميع أنواع الأسلحة البيضاء، كما شهدت أزقة الحي مطاردات بين الجانبين أصيب على إثرها بعض الأشخاص بجروح متفاوتة الخطورة. وبعد هدنة قصيرة، لم تدم سوى بعض عشرات الدقائق، عادت المواجهات إلى حدتها، بعد أن استنجد الموالون للانفصاليين بمليشيات مسلحة بالعصي والهراوات والسكاكين وقنينات الغاز لتعزيز صفوفهم. وانطلقت السيارات الرباعية الدفع التي جلبت لهذا الغرض تجوب مختلف أحياء وشوارع وأزقة المدينة مخلفة حالة من الذعر والخوف في أوساط الساكنة. وتعرضت العديد من المنازل والمحلات التجارية والدكاكين لعمليات تخريب متعمدة من طرف عناصر موالية للانفصاليين، كما تم الهجوم على السكان العزل، وتم إحراق العديد من السيارات والعربات، والبنيات العمومية بواسطة قنينات الغاز. وبدت مدينة الداخلة، جوهرة الأقاليم الجنوبية، كأنها ساحة حرب بسبب تصاعد الدخان الكثيف في أجوائها، نتيجة عمليات الإحراق التي امتدت إلى ممتلكات عمومية وخاصة، كما سمع دوي انفجارات قوية ناتجة عن انفجار قنينات الغاز التي تستعملها المليشيات الموالية للبوليساريو، وساد جو من الاحتقان والهلع في المدينة الهادئة. حيث تجددت المواجهات مرة أخرى بعد منتصف نهار نفس اليوم بحدة وبشكل أكثر شراسة من ذي قبل؛ وهو ما دفع بالقوات العمومية إلى الانتشار في المدينة لإعادة الهدوء إليها. وقد لقي مواطن يعمل خضارا حتفه إثر تعرضه للضرب من طرف ميليشيات موالية للبوليساريو، بينما أكدت مصادر من عين المكان أن عشرات الأشخاص أصيبوا بجروح خطيرة، أو تعرضوا للضرب والتهديد من طرف نفس العناصر. وباستثناء هذه الحصيلة الأولية لا زال الغموض سيد الموقف، حسب ذات المصادر. وتضيف بأن الخسائر المسجلة إلى الآن في الممتلكات العامة والخاصة تقدر بملايين الدراهم. حيث تجددت الاشتباكات صباح أمس الأحد، وإن كان بحدة أقل مما كانت عليه يوم السبت، يقودها عناصر ميليشيات موالية للبوليساريو التي عاثت في المدينة خرابا ونهبا، وأقدمت على إحراق ممتلكات عمومية وخاصة، لازال تقدير حجم خسائرها سابقا لأوانه. وحمل والي جهة وادي الذهب الكويرة، حميد شبار، مسؤولية الأحداث التي عرفتها المدينة لمن أسماهم «عناصر انفصالية حاولت استغلال شجار وقع في البدء بين بعض الشباب ليلة الجمعة السبت للمس بمناخ الاستقرار الذي تنعم به المنطقة». وقال حميد شبار، في ندوة صحفية عقدها صباح أمس الأحد، إن الخسائر الناجمة عن الأحداث التي اندلعت ليلة الجمعة السبت الماضي تتمثل في «إصابة حوالي 17 شخصا بجروح متفاوتة الخطورة وإحراق أربع سيارات بواسطة قنينات غاز سرقت من بعض المحال، كما تم خلال هذه الأحداث تخريب واجهات بعض المحال التجارية والمحلات ووكالة بنكية ووكالة للقروض». وأكد والي جهة وادي الذهب الكويرة أن عناصر القوات العمومية تدخلت لفرض الهدوء واستتباب الأمن بالمدينة، وبالتالي احتواء هذه الأحداث وضمان أمن السكان والمواطنين والمشاركين في مهرجان «البحر والصحراء، بعد يومين من حالة عدم الاستقرار. مشيرا إلى أن عناصر انفصالية «تستفيد من مناخ الحرية الذي تنعم به البلاد، حاولت توظيف وتضخيم هذه الأحداث، التي كانت في الأصل موجهة لخدمة أجندة معروفة جدا. وأكد من جهة أخرى أنه جرت لقاءات بين الشيوخ والوجهاء والمنتخبين والفاعلين الجمعويين بالمنطقة، وتم اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل استتباب الأمن والهدوء الذي يميز هذه المنطقة بالصحراء المغربية، مشيرا إلى أن الوضع عاد إلى طبيعته. وبعد أن تأسف لهذه الأحداث، أعلن عن إلغاء الحفل الذي كان مبرمجا أمس السبت في إطار مهرجان الداخلة، مضيفا أن أمن الساكنة والمواطنين يظل في مقدمة انشغالات السلطات المحلية. وقام سكان عدد من أحياء الداخلة الذين تضرروا من جراء أعمال التخريب التي قام بها انفصاليو «البوليساريو»، أمس السبت، بوقفة احتجاجية لاستنكار هذه الأعمال، مطالبين بفتح تحقيق قضائي وعرض مرتكبيها على أنظار العدالة.